ثورة عز الدين القسام


  

بسم الله الرحمن الرحيم

في آب/ أغسطس 1929م- و في حماية سلطات الاحتلال الإنجليزي التي كانت تحكم فلسطين- مدت الصهيونية أعينها إلى وراء الأرض الفلسطينية، فتطلعت إلى اغتصاب المقدسات الإسلامية أيضاً، وبدأت هذا المسعى بمحاولات وضع أقدامها على حائط البراق- الذي أسموه \"حائط المبكى\"! ليكون سبيلهم إلى إزالة المسجد الأقصى و إقامة \"الهيكل\" على أنقاضه، و لقد ساعدهم على ذلك سلطات الاحتلال الإنجليزي، ذات العقيدة البروستانتية  الأنجليكانية التي ترى في تحقيق هذه لأحلام الصهيونية شرطاً من شروط عودة المسيح - عليه السلام - ليحكم الأرض ألف سنة سعيدة! ويومئذ انتفض الشعب الفلسطيني بالإضرابات و الاضطرابات.

 

ورغم أن اللجنة التي عينتها \"عصبة الأمم\" للفصل في هذا النزاع قدمت تقريرها في كانون أول/ ديسمبر/ 1930م- وخلصت فيه إلى أن:

\" للمسلمين و حدهم تعود ملكية الحائط الغربي (حائط البراق) ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف، التي هي أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط و أمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكونه موقوفاً، حسب أحكام الشرع الإسلامي، لجهات البر و الخير\"

 

رغم ذلك استمرت سلطات الاحتلال الإنجليزي في التمكين للمخططات (الصهيونية- الصليبية) على أرض القدس وفلسطين.

 

فكانت موجة جديدة من الاحتجاجات و الإضرابات و الاضطرابات العنيفة التي جعلت الشعب الفلسطيني ينخرط كله في أطول أضراب شهدته البلاد، امتد ثلاث سنوات من1936م حتى1938م، و لم يتوقف إلا بإجهاض الحكام العرب له، عندما تعاونوا مع انجلترا على تهدئة الأوضاع في فلسطين، كي تفرغ انجلترا لنذر الحرب العالمية الثانية التي كانت تلوح في الآفاق.

 

و خلال هذه الموجة من الإضرابات و الاضطرابات، تخلَّق على أرض فلسطين تنظيم جهادي سري، رأي ضرورة الانطلاق من مدرسة الإسلام في الفداء و الاستشهادº لأن خريجي هذه المدرسة و جنودها هم الذين سبق لهم تاريخياً- التصدي لكل الأحلام الصليبية و الاستعمارية على أرض فلسطين.

 

ولقد وجبت على أرض فلسطين وشعبها فريضة الجهاد القتالي لكل هذه الأسباب، فاليهود يخرجون المسلمين من ديارهم بالاستعمار الاستيطاني، و هم يفتنون المسلمين في دينهم بالعدوان على مقدساتهم أو السلطات الاستعمارية الصليبية تظاهر على إخراج المسلمين من ديارهم و فتنتهم في دينهم.

 

و زاد من مبررات قناعة هذا الفصيل الجهادي الفلسطيني بأن طريق الجهاد و الفداء و الاستشهاد قد تعيَّن و تأكد، حقيقة أن الصهاينة هم (أشد الناس عداوة للذين آمنوا)، وأنهم قتلة الأنبياء (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون).

 

في مدرسة الجهاد والاستشهاد والفداء هذه تخلقت طلائع الجهاد و الاستشهاد على أرض فلسطين، إبان الأضرابات و الاضطرابات التي عمت الأرض المقدسة عام 1935م.

 

لقد حاولت هذه المدرسة الجهادية منذ ذلك التاريخ أن تستخلص القضية الفلسطينية للشعب و الأمة، و أن تنقذها من عبث النظم والحكومات، التي غدت أسيرة للعجز و التبعية، و التي تشكو من الاستعمار إلى الاستعمار، و التي تأمل في تحرير الأرض من لصوص الأرض!!.

 

و لقد شاء الله - سبحانه وتعالى-أن يكون قائد الطليعة الجهادية التي تبلورت على أرض فلسطين في الثلاثينات من القرن العشرين، مجسداً لحقيقة أن فلسطين كل فلسطين هي وقف إسلامي لكل أمة الإسلام..و أن قضية القدس التي هي أولى القبلتين و ثالث الحرمين الحرمين هي قضية كل المسلمين في فلسطين و غير فلسطين، فكان الشيخ محمد عز الدين القسام (1300-1354هـ/1882-1935م) من مواليد \"جبلة\" باللاذقية- في سوريا- و من خريجي الأزهر الشريف بمصر- و من الذين نزحوا إلى حيفا بفلسطين 1920م..بعد أن ثار مع جماعة من تلاميذه على الفرنسيين الذين احتلوا ساحل سوريا عام 1918م فطاردوه، فذهب إلى دمشق وبعد احتلالها ذهب إلى حيفا- بفلسطين فهو ابن الإسلام، المنتمي إلى أمة الإسلام، و المجاهد في سبيل تحرير دار الإسلام، وهاهو قد ذهب إلى الأرض التي قد بارك الله فيها فتولى الإمامة و الخطابة بجامع الاستقلال بحيفا الذي سيكون مدرسة \"لناشئة الليل\"، كما رأس جمعية الشبان المسلمين، و عمل بالمحكمة الشرعية، و انضم إلى فرع حزب الاستقلال بحيفا عام 1932م.

 

وبعد الأحداث التي تفجرت عام 1932، بين الشعب الفلسطيني و بين سلطات الاحتلال الإنجليزي و الصهاينة، بدأ القسام من الحي القديم بحيفا، حيث يسكن الفقراء الذين ذهبوا ضحايا الاستيطان الصهيوني تكوين التنظيم الجهادي السري لمحاربة \"الصليبية الصهيونية\" في فلسطين، و من هؤلاء الفقراء- الذين عمل القسام على توعيتهم بثقافة الجهاد الإسلامي، كما عمل على محو أميتهم، و تحسين أوضاع معيشتهم- بدأ يتخلق أول تنظيم جهادي حديث على أرض فلسطين، ولقد قسَّم القسام هذا التنظيم السري ألى عدة لجان:

 

1. لجنة الدعوة و الدعاية.

2. لجنة التدريب العسكري للمجاهدين و المقاتلين.

3. لجنة التمويل و الإمدادات.

4. لجنة الاستخبارات و جمع المعلومات.

 

و لقد جنَّد القسام نحو 200 من المدربين على حمل السلاح، الذين دربهم في الخلاء، بعيداً عن أعين الصهاينة و سلطات الاحتلال، كما نظم نحو 800 من الأنصار الداعمين للجهاد..

 

غير أن توالي الاضطرابات، وتسارع الأحداث، و تفجر المصادمات بين الفلسطينيين و سلطات الاحتلال الإنجليزي عام 1935م، اضطر القسام إلى التعجيل بإعلان ثورته، قبل تكوين القوة القادرة على الصمود الطويل، فكان أن غادر حيفا في الثاني و العشرين من تشرين ثان/ نوفمبر عام 1935م، و معه 25 من أنصاره المسلمين، قاصدين \"جنين\"، على أمل الالتقاء بالفلاحين في تلك المنطقة، و دعوتهم إلى حمل السلاح و مقاتلة الإنجليز و الصهاينة، ولكن القوات الإنجليزية عاجلته قبل الالتحام بأنصاره و تعبئتهم، و أجبرته- لإجهاض ثورته- على أن يخوض بمجموعته الصغيرة معركة غير متكافئة، في غابة \"يعبد\" بمنطقة جنين في التاسع عشر من تشرين ثان/ نوفمبر 1935م، حيث نال الشهادة، التي فتحت طريق الجهاد و الفداء و الاستشهاد لتحرير القدس وفلسطين.

 

و لقد خرجت جماهير الشعب الفلسطيني لتشيع جثمان الشهيد عز الدين القسام، كما لم تخرج في جنازة من الجنازات، و دفن في قرية \"الشيخ\" بجوار حيفا، ولقد تحولت جنازة القسام إلى مظاهرة رشقت قوات الاحتلال الإنجليزي بالحجارة، و هتفت بسقوط الاستعمار و الوطن القومي اليهودي الذي قرروه في وعد \"بلفور\" 1917م، الذي يقوم الاستعمار الإنجليزي بتحقيقه على أرض فلسطين، وتحول الشهيد القسام إلى رمز للتضحية و الفداء و الاستشهاد، وغدت ثورته برهاناًَ على عقم أساليب السياسيين المساومين الذين يشكون من الاستعمار إلى الاستعمار! و يستجدون الأرض من لصوص الأرض! حتى أن هؤلاء السياسيين المحترفين لم يجرؤوا على الظهور أمام الجماهير في جنازة الشهيد عز الدين القسام!

 

و هكذا فتح الشهيد البطل محمد عز الدين القسَّام- شيخ ثوار فلسطين- باب مدرسة الجهاد وطريق الاستشهاد أمام شعب فلسطين في العصر الحديث، فصار القدوة و الأسوة منذ ذلك التاريخ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply