وليد الأعظمي .. بيت الشعر الممتد من طنجة لجاكرتا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن لقائي الأول والأخير به قبل وفاته ليختصر تلك السنين التي قضاها هو وشعره بين حقب قاسية أثقلت عليه وعلى بلده العراق مثلما اختصرتها دواوينه الأربعة التي تحول فيها مجاهدا ضد كل الطواغيت التي تعاقبت على حكم الوطن.

 

ولم تستطع قامته المنحنية أن توقف ذلك المد الهائل الذي استقبله به أدباء الموصل في مهرجان الإسراء الأول الذي أقيم عام 2000 في ذكرى الانتفاضة الفلسطينية، والذي ألقى فيه قصيدة ألهبت مشاعر الشباب الحاضر في قاعة جامعة الموصل الكبرىº حيث أقيمت بعض نشاطات المهرجان هناك، ولم تكن كلماته القليلة التي أجابني فيها عن أسئلتي عندما كنت وقتها محررا في النشرة المواكبة للمهرجان لتعبر عن حجم الصدق العميق مع الله في داخله مثلما عبرت عيناه الخجولتان التي غالبا ما حناهما كلما طرقته كلمة إطراء.

 

بيت الشعر الإسلامي:

وليد الأعظمي لم يكن محض شاعر إسلامي أنتجته مرحلة معينة، وألقت بقصائده في نهايتها على رفوف النسيان، لكنه بإخلاصه أسس مدرسة شعرية إسلامية تتملذ على نهجها كبار الشعراء العراقيين والإسلاميين الذين حاولوا الوصول بأسلوبه السهل الممتنع الذي دخل إلى قلب كل المتذوقين للشعر نُخَبه وجماهيره.

 

يقول الشيخ الأستاذ محمد رضا الشبيبي - رحمه الله - رئيس المجمع العلمي العراقي: \"وليد الأعظمي يمتلك نفَسا جميلا، وروحا شعرية صادقة، وشعورا إسلاميا عاليا شريفا، وكلمات خالية من كل أثر للشعر المصطنع شعر المقلدين، ولهذا الشاعر الفاضل روح جياشة بالآمال والآلام. أ. هـ\".

 

فأصبح بحق بيت الشعر الإسلامي الذي امتد من طنجة إلى جاكارتا، والذي تزينت به لافتات الموالد النبوية والمناسبات الدينية حيث ما حلت رقعة على مسجد أو وسط شارعº فمن غير المعقول أن تمر مناسبة من غير ما تذكر فيها أبيات شعره:

 

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي *** إنا بغير محمد لا نقتدي

 

أو:

 

آمنت بالله أن الحـق منتصر *** والظلم مندحرٌ والكفر منهـار

 

آمنت بالله إيمانًا عَرَفتُ بـه *** أن الزمان على الباغين دوار

 

فبالصدق وحده استطاعت تلك الأبيات أن تتردد على لسان كل المسلمين عربيهم وأعجميهم.

 

ولادته وصباه:

وفي أعظمية وليد.. رزق السيد عبد الكريم بن مهدي العبيدي بمولود ذكر، أسماه \"وليد\" ليستهل مسيرة جهاد متصلة ومضنية وصعبة بدأها في بيت محافظ متدينº حيث تعلم القرآن وحفظه على يد الملا حميد الكردي المندلاوي. وفي عمر السادسة دخل الابتدائية الأولى القريبة من داره، وكان منذ نعومة أظفاره شغوفًا بالشعر، ظهرت أولى إبداعاته وهو لم يتجاوز الحادية عشرة. فقد أعد نشرة أسبوعية مدرسية أطلق عليها \"المشكاة\"، وكان لخاله الشاعر مولود أحمد الصالح - رحمه الله - أثر كبير في إضافة البصمة لتلك الموهبة الأدبية.

 

وفي الصبا لعبت مقبرة الخيزران المجاورة لمسجد الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي دورا كبيرا في تطوير شعر وليد، وهي المقبرة ذاتها التي تضم مراقد الإمام محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية، والواقدي المؤرخ الكبير، وابن دريد صاحب اللغة، وغيرهم من أعلام المسلمينº حيث كانت ملتقى له ولإخوانه الذين كانوا يتبادلون فيها المطاردات الشعرية، وتلاوة آيات القرآن التي حفظوها في صغرهم.

 

الرحلة الشعرية:

أخذ الشاعر عهداً على نفسه منذ بدايته على ألا يقول شعراً إلا للإسلام ولخدمة قضيته التي ظل يدافع عنها حتى وافاه الأجل. يقول في مقدمة ديوانه الأول الشعاع:

ولست الشاعر الرخو الذي يقنع بالهــمس

وخير الشعر ما كان صريح الغاي كالشمس

فما مِلتُ إلى ليلـى ولا فكـرت في قيـس

ولكن حب إخواني قد استولى على حسـي

بدأ الأعظمي بنظم الشعر وهو ابن خمس عشرة سنة، وكانت أولى قصائده في رثاء الشاعر العراقي البارز \"معروف الرصافي\" في سنة 1945م.

 

وكانت للأعظمي مواهب أخرى غير موهبته الشعريةº فهو خطاط ماهر، أخذ الخط سنين طويلة من عمره، مستفيدا من موهبة خطاط العراق الأول \"هاشم محمد البغدادي\"، الشيء الذي مكّن شاعرنا من إتقان فن الخط العربي باختلاف أنواعه على امتداد عقدين من الزمان، وحصل على إجازة في الخط العربي من الخطاط الشيخ \"أمين البخاري\" كاتب سطور كسوة الكعبة المشرفة، والخطاط المصري \"إبراهيم البرنس\" كاتب سطور المسجد الحرام المبارك.

 

وكان لمداومة الأعظمي على حضور خطب الشيخ \"محمد محمود الصواف\" الناقل الأول لحركة الإخوان المسلمين في العراق أثر مهم في تشكيل مسيرته الشعرية والدينية على حد سواء.

 

يقول الأعظمي عن تلك الحقبة: إن خطب الشيخ الصواف - رحمه الله - قد دخلت قلوب الشباب، وأدت إلى جذب قلوبهم وعقولهم إليه وإلى تطلعاته.

 

رعاية مبكرة:

وكان لانتساب الأعظمي إلى \"جمعية الإخوة الإسلامية\" - التي أنشأها المرحوم الشيخ محمد محمود الصواف في العراق - تغيير كبير في حياتهº حيث أولى الصواف اهتماماً بالغاً للأعظميº لأنه أدرك موهبته الشعرية الكبيرة، فساعده على تطويرها واقتصارها على الشعر الإسلامي.

 

واحتضن المرحوم الصواف الشاعر الأعظمي، وبدأ يصطحبه معه في أسفاره إلى المدن العراقية، ويقدمه في المنتديات والاحتفالات الدينية التي كان يحضرها. يقول وليد الأعظمي: كان الصواف - رحمه الله - السبب الرئيس الذي جعلني أقف على قدمي، وأصبحت بفضله أمتلك القدرة على نظم قصائد إسلامية طويلة.

 

نتاجه الأدبي:

وفي الأول من كانون الثاني عام 1959 أصدر وليد الأعظمي أول ديوان له حمل اسم \"الشعاع\"، وقدم له الأستاذ الشيخ محمد رضى الشبيبي رئيس المجمع العلمي العراقي آنذاك، وأعيد طبعه سنة 1967، وقدم له الدكتور يوسف القرضاوي.

 

وفي عام 1962 أصدر ديوانه الثاني الذي حمل اسم الزوابع، واختلف مع إحدى المطابع العربية على صورة الغلاف، فاضطر إلى نشره في العراق آنذاك، وقد حذف الرقيب عدة قصائد منه.

 

وفي سنة 1985 أصدر ديوانه الثالث الذي حمل اسم \"أغاني المعركة\"، وكان آخر دواوينه \"نفحات قلب\" عام 1998، لكنه لن يكون الأخير - إن شاء الله - فقد وعد الشاعر قُرّاءه بديوان خامس قريبا، يجمع بين دفتيه قصائده التي كتبها في النظام السابق والتي لم تر النور.

 

مؤلفات فكرية:

ومن المؤلفات التي قام شاعرنا بتحقيقها \"ديوان الأخرس\"، و\"السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني\"، و\"شاعر الإسلام.. حسان بن ثابت\"، و\"المعجزات المحمدية\"، و\"جمهرة الخطاطين البغداديين\"، و\"شعراء الرسول\"، و\"تاريخ الأعظمية.. مدرسة الإمام أبي حنيفة\"، و\"وأعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران\"، و\"سعد بن معاذ\" (رسالة صغيرة) بغداد 1965، ط1، والكويت 1972، ط2، و\"المعجزات المحمدية\"، بيروت 1970.

 

وله مجموعة من الكتب المخطوطةº منها: أسيد بن حضير، ومجموعة موشحات جمع فيها الموشحات التي عارضت موشح ابن سهل:

هل درى ظبي الحمى أن قد حمى  ** قلب صب حله في مكنس

 

وقد وهب الله الفقيد موهبة الخط مع الشعرº فهو شاعر محلق وخطاط مبدع، وله كتابات كثيرة بالكاشاني في جوامع بغداد، ومنها جامع الدهان، وجامع الوزير، وجامع الصحابة، وله مؤلفات وأبحاث حول الخط وتعقيبات على كتبه منشورة في مجلات مختلفة. وقد قرأ كثيراً من القصائد ومراجع الشعر، وأكثر ما تأثر بشاعرين هما حسان بن ثابت (رضي الله عنه)، ومعروف الرصافي، وقد حفظ ديوانه وهو ما زال شابًّا. وقد قاده إعجابه بهما إلى أن يكتب دراستين عنهماº طبعت الأولى بعنوان \"شاعر الإسلام\" في القاهرة، أما دراسته عن الرصافي فما زالت تنتظر الطبع.

ومن أواخر قصائده قصيدة نظمها - وألقيت بالنيابة عنه بسبب مرضه - في احتفالية البردة النبوية التي أقيمت في مدينة الموصل شمال العراق في شهر تموز من العام الماضي، ومن بين أبياته:

 

أعاهد ربي أن أظل مجاهدا *** أشدو بميلاد النبي قصائدا

 

أدعو الأنام بها إلى سبل الهدى *** مستنهضا منهم شعورا خامدا

 

وأبث في روح الشباب عزيمة *** تذكي بأعماق القلوب مواقدا

 

لتقول تجتث الفسـاد بهمـة *** تبقي لهيب ضرامها متصاعدا

 

العراق في شعره:

وآخر قصائده الأبيات التي نشرتها جريدة \"دار السلام\" البغدادية بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة.

وأعرب الشاعر والخطاط وليد الأعظمي عن أسفه وألمه للوضع الراهن في العراق وشعبه وهو يرزح تحت وطأة الاحتلال من قبل جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأنشد قائلاً:

 

في كل مؤتمـر تبدو مبـادرة  ** فيها لشباننا الأبطـال تخـذيل

 

يقررون ويحتجـون لاهـية ** قلوبهـم فـهي أدوار وتمـثيل

 

لا ينبسون بحرف فيه بارقـة ** من الصمود ليستقوي بها الجيل

 

يهرولون ليرضى \"بوش\" سيدهم  ** عنهم ويشكرهـم موشي ورابيل

 

ولا ترد أذى أعدائنـا صـور  ** ولا ترد الصـواريخ التمـاثيل

 

هم الأسـود على أبناء أمتهـم ** وعند شـارون أقـزام مهازيل

 

وكان لدخول الاحتلال إلى العراق أثر كبير في تدهور حالته الصحيةº فقد كان شديد الحزن لسقوط بغداد الأم والملهمة والحبيبة.

 

وقد توفي الشاعر الإسلامي الكبير مساء السبت الموافق لغرة محرم 1425. 21-2-2004 بالعاصمة العراقية بغداد عن عمر ناهز الرابعة والسبعين عاما بعد صراع مع المرض، دام أشهرا عقب إصابته بجلطة تلقى خلالها العلاج في العراق، وصلَّى عليه نهار الأحد بمسجد أبي حنيفة النعمان حشدٌ ضخم من المشيعين.

 

فسلاما عليك أبا خالد كلما تلا منشد قطوفا من أناشيدك التي ندعو الله أن ترجح ميزان حسناتك في الآخرة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

اثرالقران عند الشاعر وليد الاعظمي

-

خالد علي

16:10:11 2015-12-10

ماهي الابيات التي يوجد فيه ذكر للقران الكريم عند وليد الاعظمي