في شتاء 1391 هـ - على ما أذكر - دعينا، ونفر من مدرسي المعاهد العلمية إلى منزل الشيخ محمد بن عثيمين في مدينة عنيزة بمناسبة زيارة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - وبعد أن سلمنا على الشيخ الألباني وجلسنا ونحن نحب أن نرى الشيخ ابن عثيمين لاحظنا أن في زاوية المجلس رجلاً نحيفاً أقرب إلى القصر يجهز الشاي والقهوة فظنناه من أصدقاء الشيخ أو من أقاربه، ولكن ما إن بدأت الأسئلة والمحاورات العلمية حتى علمنا أن هذا الرجل هو الشيخ محمد - ولم نكن قد رأيناه من قبل - أوردت هذه الحادثة لأدلل على مدى تواضع الشيخ محمد في ملبسه ومنزله، وكان هذا سمته طوال حياته إلى أن انتقل إلى رحمة الله.
ثم كانت زيارات متقطعة، لابتعادنا عن مكان الشيخ، وصرنا نسمع ونقرأ ما هيأ الله له من القبول، وكثر طلبة العلم الناهلون من علمه وازدحموا عليه، وكثرت الدروس في المسجد والمنزل والجامعة، وبدأت مؤلفات الشيخ تظهر في التوحيد والفقه والأصول والحديث والوعظ العام..
ولكن الذي برز فيه الشيخ بروزاً ظاهراً هو الفقه، فقد ألين له الفقه تدريساً وكتابة وفتوى، وله باع في الاجتهاد، وفتاوى يتبع فيها الدليل ولا يتقيد بمذهب معين.
ومن أبرز صفات الشيخ - رحمه الله - هذا الإنتاج العلمي الغزير، تأليفاً ومحاضرات وأشرطة سمعية، وهذا الجهد المتواصل في التعليم وتربية الأجيال لمدة خمس وأربعين سنة، ومما أفاده في ذلك انشغاله التام بالعلم وتنظيم الوقت فلا يضيع منه شيئاً بغير فائدة، وبارك الله له في ذلك، في مرضه الأخير، وهو مرض خطير ومؤلم لم ينقطع عن الدرس والإفادة، وألقى درساً في آخر ليالي رمضان، ومما تميز به الشيخ الزهد في المال، فقد عرض عليه منزل فخم فلم يقبل واستمر في منزله المتواضع، وعندما أهديت له عمارة جعلها وقفاً لطلبة العلم، كما عرف عنه توقيره لأهل العلم وعفة لسانه وحبه لطلبته ومداعبتهم والسؤال عنهم ومساعدتهم عند الحاجة، ومن مؤلفاته الهامة: شرح زاد المستقنع، شرح كتاب التوحيد، شرح الأصول من علم الأصول، تفسير الأجزاء الأخيرة من القرآن، شرح التدمرية، وغيره كثير وكثير.
نبذة عن حياته:
هو الشيخ محمد بن صالح العثيمين الوهيبي التميمي، ولد في مدينة عنيزة من مدن القصيم من إقليم نجد، في أواخر شهر رمضان عام 1347 ه وأجداده لأمه (آل دامغ) من بيت علم وفضل وصلاح، وكان لهم فضل السبق في ميدان التعليم في عنيزة. حفظ الشيخ القرآن في سن مبكرة، ونشط في طلب العلم فحفظ متن زاد المستنقع في الفقه الحنبلي، وألفية ابن مالك في النحو، ومن أبرز شيوخه الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وهو من كبار العلماء ليس في نجد فقط بل في العالم الإسلامي.
عين ابن عثيمين مدرساً في المعهد العلمي في عنيزة عام 1374 ه وخطيباً للجامع الكبير في عنيزة، ثم انتقل للتدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود - فرع القصيم، واختير عضواً في هيئة كبار العلماء في الرياض، وفي السنتين الأخيرتين أصيب بمرض عضال، وذهب للعلاج في الولايات المتحدة، ثم في مستشفيات الرياض وجدة، وتوفي في مكة المكرمة بتاريخ 15 شوال 1421، الموافق ل 10/1/2001 م.
ونحن على طريقة الإمام الذهبي في عرض محاسن العلماء الربانيين الذين ينشرون السنة ويقمعون البدعة، وعدم التعرض لهفواتهم أو زلاتهم العلمية، فالكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم - .
رحم الله الشيخ محمد بن عثيمين رحمة واسعة وأجزل الله له الثواب ورفعه في عليين وغفر الله له، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد