داود معلا شاعر البساطة والاقتدار


  

بسم الله الرحمن الرحيم

داود معلاّ أديب مسلم صاحب تصوّر إسلامي يسلكه في عداد حملة الأدب الإسلامي في هذا العصر..وشاعر ملتزم متمكّن من لغته الشعرية، ذو لسان صادق، وعاطفة وهّاجة، وأسلوب مؤثّر، وفكر نيّر..شاعر حمل قضايا أمته، وتحدّث في أغلب شعره عن فلسطين عامة، وعن القدس بوجه خاص.

 

وُلد الشاعر داود موسى معلاّ عام 1933 في قرية المالحة من ضواحي مدينة القدس بفلسطين، ونشأ في أسرة ريفية متديّنة، وعاش مع أقرانه حياة هادئة بسيطة في رابية جميلة من روابي القدس، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية التي تنتهي الدراسة فيها إلى الصف السابع الابتدائي، وفي السنة الأخيرة من دراسته تنبأ له أستاذه جميل الكالوتي بأنه سيكون شاعراً، حيث كان يشارك طلاب صفه بالمسابقات الشعرية، وكان أكثرهم حفظاً ونظماً لبعض أبيات الشعر، ومنذ ذلك الوقت حمل لقب \"شاعر\" بين زملائه.

 

ومع انتهاء دراسته هذه، بدأت تهب رياح القتال بين أهالي قريته وبين اليهود، وفي عام 1948 تمّ إخراجهم من أرضهم وبيوتهم إلى منطقة الخليل، ومنذ ذلك اليوم بدأ يشعر بالغربة والشتات والبعد عن البلدة التي نشأ فيها بين أهله وأترابه.

 

وعمل داود مع والده في المقاولات وفي مجال البناء في بلدة بيت جالا.. وكان في تلك الفترة يقرأ في دواوين الشعر التي يستعيرها أو يشتريها، ويطالع مجلة الرسالة للزيّات، ويستمتع بقراءتها ويحفظ ما يعجبه من أشعار حتى حفظ الكثير.

 

وفي عام 1964 انتقل إلى العاصمة عمان وعمل موظفاً في فندق الأردن رئيساً لقسم التحضيرات، وفي أثناء هذا العمل عرف أصنافاً وأجناساً من الناس وتعامل معهم، وتعرّض لمواقف من الجدّ والهزل، وتعلّم الكثير، وفي هذه الفترة واصل نظم الشعر، ونشر بعض قصائده في الصحف، وأُذيع بعضها من التلفاز الأردني.

 

وفي عام 1974 عاد إلى العمل الحر والمقاولات، وأسس شركة لهذا الغرض، ومرّت بشاعرنا أيام العمر بتداخلاتها المريحة والمتعبة.. وشعر وهو في عمله الحر بشيء من المتعة والانطلاق في نظم الشعر. وأصدر ديوانه الأول \"الطريق إلى القدس\" الذي كتب مقدمته الدكتور أحمد نوفل، وأصدر ديوانه الثاني \"حديث الريح\" الذي كتب مقدمته الدكتور عمر الساريسي، وفي تلك الفترة كان قد تعرّف على الدكتور عودة أبو عودة الذي اطّلع على أشعاره وشجّعه على الانتساب إلى رابطة الأدب الإسلامي عام 1988.

 

وشارك داود معلاّ في عدد من الندوات الشعرية في الأردن، واشترك بالمسابقة الشعرية لجائزة عبدالعزيز سعود البابطين التي ينظمها مكتب البابطين في القاهرة، وفاز بجائزة \"الإبداع الشعري\" لعام 1996.

 

وبقي أن نقول إن شاعرنا هذه رجل عصامي، لم يمنعه العمل والسّن من تثقيف نفسه وإكمال دراسته الجامعية حيث حصل على الليسانس في اللغة العربية وآدابها عام 1989.

 

من خلال هذا العرض لحياة شاعرنا نستطيع أن نلمس مؤثراً رئيسياً كان له الأثر البالغ في تكوين شخصيته الشاعرة.. هذا المؤثر هو اغتصاب بلده وإخراجه منه منذ أوائل صباه، وابتعاده عن القدس التي نشأ في روابيها ودَرَج في ساحات أقصاها.. فكان لهذا الأثر دور كبير في تكوين شاعريته، حتى أنّ ذكر القدس لا يكاد يفارق قصيدة من قصائده، مما لفت انتباه الدكتور عمر الساريسي فأطلق عليه اسم \"شاعر القدس\".

 

شعره:

داود معلاّ شاعر أصيل، عرف معنى الشعر، ووقف على خصائصه الفنية الحقّة وانطلق منها، فقال شعراً جميلاً يمتع النفس ويأسر القلب، ويجعل السامع أو القارئ يحسّ أنه أمام شاعر فحل لا يقلّ عن كبار الشعراء الأقدمين..

 

هذا الشاعر قدّم لنا قصائد تتهادى في ثقة، مرفوعة الرأس، وضّاءة الجبين، مشرقة المحيّا، تزفّ إلى الأدب عرائس ضياء، تضيء في ظلمة الليل الداجي شموع أمل، وشموس إيمان وجهاد..

 

امتاز شعره بالفكرة الجيدة، والصورة الشعرية الموفقة.. وامتازت قصائده بحسن الديباجة وبراعة الاستهلال الذي يأخذ بلب السامع أو القارئ من بداية القصيدة.. فنراه يفتتح قصيدته التي بعنوان: \"فتاة من فلسطين\" بقوله:

 

ما بال هند خلا من حليها الجيدُ *** هل فارقت حيّها الصيد الصناديدُ

 

ومن مميزات شعره أيضاً البساطة والاقتدار.. البساطة في الشكل والبنية الداخلية، والاقتدار على الإيحاءات بالدلالات وبناء الصور الشعرية النابضة بالحياة والحركة والتعبير.. فهذا حوار يديره الشاعر بين الشهيد وشجرة الزيتون فيقول(8):

 

لبّيـكِ، وارتعشـت تـقبلني *** أوراقهـا الخضرا وتسقيني

 

أهوي إليكِ فـإن وقعتُ على  *** هـذا التراب فـذاك يكفيني

 

أطوي على تلك الجذور يدي *** وأشـدّها نحـوي فتطويني

 

إنها صورة من صور الالتحام بين الفروع والأصول، بين الشهداء وأرض الفداء.. إنها أبيات معبرة من ملحمة الصمود.

 

ولشاعرنا قصائد وقفها على القضايا التي تواجه الإنسان المسلم، وفي مقدمتها الاحتلال الغاشم لأرض الإسراء والمعراج.. وهي قصائد استطاعت أن تؤكد قدرة صاحبها على البناء الفني المتماسك، وأن تضعه على تخوم مملكة الشعر.. ومن هذه القصائد قصيدته \"قبل الوصول إلى الماء\" التي يقول فيها:

 

شقّت يد الدّنيا عصا أربابهـا *** ما بين طيّعها وجارح نابهـا

 

ورنا بعيني مارد عصيانهـا *** فاستنجد الهدّام والبانـي.. بها

 

يتطلّع المسجون بين عروقهـا *** ودم الحياة يطل من أنيابهـا

 

فتكت بأصحاب الحوار وأوغلت *** برقاب من ناموا على أعتابها

 

يـا أمـة هامت سفينة مجدهـا *** وتـخلّف الربان عن ركابها

 

وقد ختمها بقوله:

 

يا أمـة الإسـلام أين لرايـة *** ملكت من الدنيا تبات سـحابها

 

لا تقعدوا خلف الصفوف فأنتم *** نوّارة الدنيـا ونـار شهابهـا

 

أصحاب رايتها وصرح أمانها *** وملاذ قاصرها، وسيف قرابها

 

فإذا العقيدة فوق صرح شامخ *** أنّى يميـل شـهيدها يدعو بها

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply