الرحيق في فضائل الصدِّيق - رضي الله عنه -


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن من المعلوم أن الله - عز وجل - فضل الأنبياء بعضهم على بعض، وفضل الرسل على غيرهم، وجعل أوُلي العزم من الرسل أفضل من سائر الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.

وكذلك فإنه - عز وجل - أيضاً فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على غيرهمº مع أنهم جميعاً أولياء الله، وكلهم في الجنةº لما تميزوا به من الفضائل دون غيرهم، وإن أمهات الفضائل العلم والدين، والشجاعة والكرم، وأم الفضائل كلها العلم قال الله تعالى:(( قل هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون)) بتصرف منهاج السنة (7/512).

ومما يقطع به كل مسلم ولا يستريب فيه أن أفضل البشر بعد الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - أجمعين هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، وقد دل على أفضليته الكتاب والسنة والإجماع الثابت على الأمة، وعلى رأسها آل بيت النبوة، وإن هذا مما لا يختلف عليه سائر أهل القرون الفاضلة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -:( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...) الحديث [البخاري، الفتح (7/5) رقم (3651)].

وفي هذا المقام نذكر من تلك الدلائل ما يحصل به القطع بذلك لمن كان في قلبه شك في هذه المسألةº على سبيل الإيجاز والاختصار، مبتدئين بذكر ترجمةٍ, موجزةٍ, للصديق - رضي الله عنه -.

 

أولاً: ترجمة الصديق - رضي الله عنه -:

  • هو عبد الله[1]بن عثمان ( أبو قحافة) بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
  • أمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابنة عم أبيه، ويلتقي نسبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في مرة بن كعب.
  • كنيته أبو بكر، ولقبه: الصديق، والعتيق.
  • مولده بمكة سنة اثنتين أو ثلاثة من عام الفيل، فهو أصغر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو سنتين.
  • أول من أسلم من الرجال، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي بالمدينة يوم الاثنين في شهر جمادى الأولى سنة 13هـº وهو ابن ثلاث وستين سنة.
  • كانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف، له في كتب الحديث (142) مئة واثنان وأربعون حديثاً فقط.[2]

قال حسان بن ثابت - رضي الله عنه - في حق الصديق:

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة         فاذكر أخاك أبا بـكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعـــدلها  بعد النبي وأوفــاها بما حملا

الثاني التالي المحمود مشهــده                  وأول الناس منهم صدَّق الرسلا

[ديوان حسان بن ثابت (299) وما بعدها]

وقال وكيع بن الجراح - رحمه الله -:

(لولا أبو بكر الصديق ذهب الإسلام)

[رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/138) برقم (111)، (114)]

 

ثانياً: مكانة الصديق - رضي الله عنه -:

لقد حاز الصديق - رضي الله عنه - منصب السبق في الفضائل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر معروف عنه قبل الإسلام وبعدهº فقد كان - رضي الله عنه - معروفاً في الجاهلية بالصفات الكريمة، والأخلاق الحسنة، ومما يدل على ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( لما ابتلي المسلمونº خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد، فلقيه ابن الدُغُنَّة - أميرٌ من أمراء العرب، سيد القارة - فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قوميº فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبُدَ ربي!! قال ابن الدُغُنَّة: فإن مثلك لا يَخرج ولا يُخرجº إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدُغُنَّة، فطاف ابن الدُغُنَّة عشيةً في أشراف قريش، وقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلَّ، ويقرئ الضيف، ويعين على نوائب الحق ...)[رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار (7/271) مع الفتح رقم ( 3905) ط. الريان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: \"فقد وصفه ابن الدُغُنَّة بحضرة أشراف قريش بمثل ما وصفت به خديجة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل عليه الوحيº وقال لها: ( لقد خشيت على عقلي) فقالت له: ( كلا والله لن يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق) فهذه صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل النبيين، وصدِّيقه أفضل الصديقين\"[منهاج السنة (8/549) وانظر (8/ 546) وما بعدها].

فإذا كان هذا هو حاله - رضي الله عنه - قبل الإسلام، فإنه بعد الإسلام - بلاشك ولا ريب - أعظم قدراً، وأرفع منزلة، وأكثر فضلاً، والدلائل على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع ظاهرة:-

أولاً:- الأدلة من الكتاب العزيز على أفضلية الصديق وفضله:

الأدلة من القرآن على أفضلية الصديق وفضله على ضربين:

الضرب الأول: أدلة إجمالية، وذلك أن كل ما ورد في القرآن الكريم من خطاب للمؤمنين والمتقين والمحسنينº وكل ما في القرآن من ثناء ومدح لهم فالصديق - رضي الله عنه - أول من يدخل فيهº لأنه أول من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الرجال، فيدخل دخولاً أولياً في قوله - عز وجل -: (( كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللّهِ ))[(110) سورة آل عمران]، وقوله تعالى: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ, رَّضِيَ اللّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ, تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ ))(100) سورة التوبة، وقول الله - تعالى-: (( لَقَد رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤمِنِينَ إِذ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وَأَثَابَهُم فَتحاً قَرِيباً ))(18) سورة الفتح، وقوله تعالى: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يَعبُدُونَنِي لَا يُشرِكُونَ بِي شَيئاً وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ))(55) سورة النــور، وغيرها من الآيات الكثيرة المخبرة بحصول الرضوان، والوعد بالجنة، والنجاة من النارº لعباده المؤمنين، وأوليائه المتقين.

الضرب الثاني: أدلة تفصيلية، وذلك أنه قد ثبت للصديق - رضي الله عنه - في القرآن من الفضائل ما لا يشاركه فيها أحد غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك وردت بعض الآيات الأخرى الدالة على فضله وثناء الله - عز وجل - عليه، وهي وإن كان سبب نزولها في أبي بكر، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السببº فيشركه فيها غيره من الصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -.

ومما ورد بخصوص الصديق - رضي الله عنه - دون أن يشركه فيها أحد غيره:

v   قوله الله - عز وجل -: ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثنَينِ إِذ هُمَا فِي الغَارِ إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحزَن إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ, لَّم تَرَوهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السٌّفلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ العُليَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))(40) سورة التوبة.

وفيها من الفضائل التي لا يشركه فيها غيره:

1-         فضيلة الهجرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذه الفضيلة ثابتة له دون غيره من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -. انظر منهاج السنة (7/121).

2- اختصاص الصديق بالصحبة المطلقة ( الأكملية من الصحبة ) للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله سرَّه -: \" ولا نزاع بين أهل العلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهº أن مصاحبة أبي بكر - رضي الله عنه - له كانت أكمل من مصاحبة سائر الصحابة.. ففي المواضع التي لا يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكابر الصحابة إلا واحدº كان يكون هو ذلك الواحد، مثل: سفره في الهجرة، ومقامه يوم بدر في العريشº لم يكن معها فيه إلا أبو بكر - رضي الله عنه -، ومثل خروجه إلى قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة أبو بكر - رضي الله عنه -، وهذا الاختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فقوله - عز وجل - في القرآن: (( إذ يقول لصاحبه لا تحزن )) لا يختص بمصاحبته في الغار، بل هو صاحبه المطلق الذي كمل في الصحبة كما لا لم يشركه فيه غيرهº فصار مختصاً بالأكملية من الصحبة\" منهاج السنة (8/390،416)، بتصرف يسير.

ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أمنَّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام...) رواه البخاري(7/15) مع الفتح. برقم (3654) و(3904) ومسلم برقم (2382).

3- اختصاص الصديق - رضي الله عنه - بمشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في معية الاختصاص:

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \" وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لصدِّيقه: (( إن الله معنا)) يدل على أنه موافق لهما بالمحبة والرضا فيما فعلاه، وهو مؤيد لهما ومعين وناصر، وهذا صريح في مشاركة الصديق - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المعية التي اختص بها الصديق،لم يشركه فيها أحد من الخلق... قال أبو القاسم السهيلي وغيره: ( هذه المعية الخاصة لم تثبت لغير أبي بكر... فقد ظهر اختصاصهما في اللفظ كما ظهر في المعنى، فكان يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (( محمد رسول الله ))، فلما تولى أبو بكر - رضي الله عنه - بعده صاروا يقولون: (( خليفة رسول الله ))، فيضيقون الخليفة إلى رسول الله المضافِِ إلى الله، والمضاف إلى المضاف إلى الله مضاف إلى الله تحقيقاً لقوله: ((إن الله معنا))، (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما))، ثم لما تولى عمر بعده صاروا يقولون: \"أمير المؤمنين\"، فانقطع الاختصاص الذي امتاز به أبو بكر - رضي الله عنه - عن سائر الصحابة \" أ.هـ بتصرف من منهاج السنة (8/ 381، 382).

4- اختصاص الصديق بفضيلة صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حال إنزال السكينة عليه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: \" وإذا عُلم أنه صاحبه في هذه الحال عُلِمَ أن ما حصل للرسول - صلى الله عليه وسلم - من إنزال السكينة، والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناسº لصاحبه المذكور فيها أعظم مما لسائر الناس...\" أ.هـ منهاج السنة (8/ 491).

 

v   قول الله - عز وجل -: (( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتقَى * الَّذِي يُؤتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ, عِندَهُ مِن نِّعمَةٍ, تُجزَى * إِلَّا ابتِغَاء وَجهِ رَبِّهِ الأَعلَى * وَلَسَوفَ يَرضَى ))(17-21) سورة الليل.

قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: \" يعني أبا بكر الصديق في قول جميع المفسرين \" أ.هـ زاد المسير لابن الجوزي (9/ 152).

وهنا وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السببº ولكن دخول من نزلت بسببه أو فيه الآيات وهو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قطعي بنفس الآية بالاتفاق، وأما دخول غيره فيها فهو بطريق الظنº لأنَّ القاعدة الأصولية: \"أن دلالة العام قطعية على أصل المعنى اتفاقاً، ظنية في دلالته على أفراده\"، وعلى ذلك فهذه الآيات فيها إثبات فضيلة عظيمة، ومنقبة جليلة للصديق - رضي الله عنه -º وهي إثبات أن الصديق هو أتقى الأمة وأرجحها إيماناً بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( هل رأى أحد منكم رؤيا؟) فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فاستاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( خلافة نبوة ثم يؤتى الله الملك من يشاء ) رواه الحاكم (3/70-71)،(4/393-394)وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الذهبي صحيح.

 

ثانياً: الأدلة من السنة النبوية على أفضلية الصديق - رضي الله عنه -:

الأدلة على أفضلية الصديق من السنة النبوية كثيرة يصعب حصرها في هذا المقام، ولكن نذكر منها ما يحصل به المقصود - إن شاء الله عز وجل -، ومن تلك الفضائل الواردة في السنة:

1- أن الصديق أفضل الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً، ويدل على ذلك:

* حديث محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي - يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه -: أي الناس خير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أبو بكر - رضي الله عنه -!! قلت: ثم من؟ قال: عمر - رضي الله عنه -!!، قال: وخشيت أن يقول عثمان - رضي الله عنه -، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين ) رواه البخاري في صحيحه (7/24) مع الفتح رقم (3671).

* وحديث إبراهيم بن يزيد النخعي قال: ضرب علقمة بن قيس هذا المنبر، وقال: \" خطبنا علي على هذا المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ما شاء الله أن يذكر ثم قال: ألا إنه بلغني أن ناساً فضلوني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدمت في ذلك لعاقبت فيه، ولكني أكره العقوبة قبل التقدم، ومن قال شيئاً من ذلك فهو مفتر، عليه ما على المفتري، إن خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، ثم أحدثنا بعدهم أحداثاً يقضي الله فيها ما أحبه\" رواه أحمد في المسند (1/127 ) وصححه أحمد شاكر في تعليقه عليه برقم(1051) والبخاري في التاريخ الكبير(3/305) وما بعدها برقم (1039) وابن أبي عاصم في السنة(561)رقم(1209-1219) والبيهقي في الاعتقاد (508) وما بعدها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: \" وقد ثبت عن علي من وجوه متواترة أنه كان يقول: \" خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر \"\" منهاج السنة (2/ 72).

2- بشارته بالجنة، وكونه أول من يدخلها من هذه الأمة، وكونه يدعى من أبوابها الثمانية:

فأما بشارته بالجنة فلحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وفيه: ((... فجاء أبو بكر - رضي الله عنه - فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك!!، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ( ائذن له وبشره بالجنة..) الحديث رواه البخاري في صحيحه (7/25) وما بعده مع الفتح برقم (3674) ومسلم في صحيحه برقم ( 2403).

وأما كونه أول من يدخل الجنة فلحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي ) فقال أبو بكر: يا رسول الله! وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي) رواه أبو داود(4652) والحاكم(3/73) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وأما كونه يدعى من أبواب الجنة الثمانية فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير!! فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة؟ قال:نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر\" رواه البخاري في صحيحه (4/ 133) مع الفتح رقم ( 1897)، ( 3666)، ومسلم رقم (1027).

3- تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالصديق:

فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - حديثهم: ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم- فرجف بهم، فقال: ( أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) رواه البخاري (7/ 26) مع الفتح رقم ( 3675) ومسلم نحوه عن أبي هريرة ( 2417).

* وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( يا رسول الله!: ((والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ))(المؤمنون: 60)، أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق، ويخاف ألا يقبل منه)) رواه الترمذي في التفسير رقم ( 3225) وابن ماجه (2/ 1404).

4- أنه أعلم ألصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذكاهم: فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فقال: ( إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك ما عند الله ) قال: فبكى أبو بكر - رضي الله عنه -، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خُيِّرº وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المُخَيَّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إن أمنَّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر - رضي الله عنه -، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر ) رواه البخاري(7/15) مع الفتح برقم (3654) و(3904)، ومسلم برقم (2382).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه -: \" وقد ذكر غير واحد مثل منصور بن عبد الجبار السمعاني وغيرهº إجماع أهل العلم على أن الصديق أعلم الأمة وهذا بيِّنº فإن الأمة لم تختلف في ولايته في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم، وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة، كما بيَّن لهم موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتثبيتهم على الإيمان، وقراءته عليهم الآية، ثم بيَّن لهم موضع دفنه، وبيَّن لهم قتال مانعي الزكاة لمَّا استراب فيه عمر، وبيَّن لهم أن الخلافة في قريش في سقيفة بني ساعدة لما ظن من ظنَّ أنها تكون في غير قريش.

وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على أول حجة حُجَّت من مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلم المناسك أدق ما في العبادات، ولولا سعة علمه بها لم يستعمله، وكذلك الصلاة استخلفه فيها ولولا علمه بها لم يستخلفه، ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة، وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذه أنس من أبي بكر - صلى الله عليه وسلم -، وهو أصح ما روي فيها، وعليه اعتمد الفقهاء... إلخ\" منهاج السنة (5/ 497) وانظر مجموع الفتاوى (4/ 398) وما بعدها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply