معلومات أولية:
- بنت عبد المطلب، الهاشمية. عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي شقيقة حمزة، وأم حواري النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير، وأمها هالة بنت وهيب من بني زهرة.
- تزوجها الحارث، أخو أبي سفيان بن حرب، فتوفي عنها.
- وتزوجها العوام، أخو سيدة النساء خديجة بنت خويلد، فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة.
- والصحيح أنه ما أسلم من عمات النبي - صلى الله عليه وسلم - سواها. وقال غير الذهبي: أسلمت أروى وعاتكة.
- وقتلت يوم الخندق رجلاً من اليهود جاء يطوف بالحصن التي هي عليه، وهو فارع حصن حسان، فقالت لحسان: انزل فاقتله، فأبى، فنزلت إليه فقتلته، ثم قالت: انزل إليه فاسلبه فلولا أنه رجل لاستلبته، فقال: لا حاجة لي فيه. وكانت أول امرأة قتلت رجلاً من المشركين.
- وهي من المهاجرات الأول.
- توفيت في سنة عشرين، ودفنت بالبقيع. ولها بضع وسبعون سنة.
المصدر: نزهة الفضلاء 1/145، والبداية والنهاية 7/104.
***
معاول الإيمان تدّك الأرض..فيعلو الغبار ملامساً سقف السماء..الأصوات تشدو بترتيل نداء الحق فتزيد السواعد الشامخة حماسةً لحفر خندق الدفاع... لا أحد يختبئ في منزله..
الكل مجتمع اليوم لتلبية النداء.. تمتزج سواعد الشيوخ بالأطفال بالنساء في عمل دؤوب... تتخلله معجزات يرددها النبي - عليه الصلاة والسلام - لتشعل في القلوب المؤمنة مزيداً من الحماسة والإقدام... حتى إذا ما انتهى الجمع من حفر الخندق وجاءت العرب تقودها قريش في عشرة آلاف فارس وقفت جامدة متصلبة... وقد فغر الصناديد أفواههم جزعاً لمشهد الخندق.... ورانت ببصرها نحو يثرب التي كانت مرمى أحلامهم للقضاء عليها وعلى الدين الجديد... لتسقط مخططات بني النضير وزعيمهم حيي بن أخطب في أعماق الخندق تحت أقدام النبي - عليه السلام - وأصحابه...
خلف كثبان رمال الأرض المحفورة تجمعت سيوف المؤمنين في ثلاثة آلاف ممن بايعوا الله على النصر أو الشهادة... ومن خلف اللظى جماعة اليهود من بني قريظة تختبئ في حصونها منتظرة الفرصة للغدر بالمؤمنين كذئب شرس يعشق امتصاص دماء أهل التوحيد... رغبة في بعثرة حلم العرب بالمنعة والقوة تحت ظلال الإسلام... وحسداً من أنفسهم على أمة جعل الله خاتم أنبيائه من بين ظهرانيها... وحقداً على نبي الله كسابق حقدهم على أنبياء من ظهرانيهم... فقتلوهم أو كذبوهم أو ألبسوا الحق بالباطل عبر كتب زوروها.... يشترون بها عرض الكفر بالإيمان الذي طالما عرفوه واجتنبوه... هكذا هم منذ عَهِدَهم التاريخ.. وفضحهم القرآن الكريم.
حين علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقض بني قريظة للعهد أوجس في نفسه خيفة على نساء المسلمين وأطفالهم فجمعهن في حصن فارع وكان هذا الحصن لحسان بن ثابت شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقلوب الثلاثة آلاف مؤمن تختنق وجلاً ليس من عدو أمامهم بل من خنجر الغدر المسلّط على ظهورهم الذي ينتظر الفرصة لتحقيق مآرب كفار قريش ومن والاهم من غطفان ويهود بني قريظة... فأرسلوا أحد رجالهم ليستطلع أحوال حصن فارع ويزودهم بالأخبار أملاً في ألاّ يجدوا أحداً من الرجال يدافعون عن الحصن فينقضوا على من فيه من النساء والصبيان المسلمين.
كانت صفية بنت عبد المطلب ـ عمة رسول الله من أوائل النساء اللواتي اعتنقن الإسلام ـ قد لمحت قدوم اليهودي يطوف حول الحصن فاستدركت الأمر وفهمت بذكائها وعقلها الوافر مآرب يهود بني قريظة من هذا الطواف... واستشعرت بقلب المرأة المؤمنة مكمن الخطر قبل حدوثه.. تقول - رضي الله عنها - في هذه الحادثة: (مر بنا رجل من يهود، فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس بيننا وبينهم أحد يدافع عنا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نحور أعدائهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت، فاحتجزتُ ـ أي شددت معجري ـ; ثم أخذتُ عموداً، ثم نزلتُ من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته) هذا ما فعلته سيدة بني عبد المطلب حين ظهرت الحاجة لقوة المرأة في الساعات العصيبة لتسد الثغرات التي لا يسدها الرجال... فتتسربل بدرع القوة حين تحتاجها الأمة في الدفاع عن أرضها حين يقتحم العدو دارها...
إن ما فعلته صفية بنت عبد المطلب كان رسالة لبني قريظة حين ارتد إليهم قتيلهم... مرادها أن محمدًا ترك في حصن فارع جموعاً من الرجال يدافعون عن النساء والصبيان... ولم يكن أولئك الرجال سوى صفية بنت عبد المطلب!
امرأة أرهبت يهود بني قريظة فأعادتهم بخفي حنين... فما بالنا لو اجتمع عشر من نساء الأمة لهنّ قلب صفية وشجاعة صفية وحكمة صفية فكيف سنكون يا معشر نساء المسلمين؟
الأمة اليوم تحتاج لشحذ همة الكبير والصغير.. النساء والرجال... لنقف صفاً واحداً عملاً بقوله - تعالى -: (والمُؤمِنُونَ والمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ ويَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ)(التوبة: 71).
لم يكن هذا الموقف البطولي لصفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول المواقف الباسلة لها.. إذ نراها في غزوة أحد وقد أصاب المسلمون الجزع لما فعلته النسوة القرشيات بأسد الله حمزة بن عبد المطلب من تشويه وتمثيل حتى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلب من الزبير ابن صفية أن يمنع أمه من رؤية أخيها خوفاً على مشاعرها.... فلقيها الزبير قبل أن تصل إلى حمزة وقال لها: (يا أمه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِمَ؟ وقد بلغني أن قد مُثِل بأخي وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك!! لأحتسبنَّ ولأصبرنَّ إن شاء الله) فلما أتته نظرت إليه محتسبة صابرة لا تبالي بتمثيل أو تشويه.. ثم صلت عليه واسترجعت له ـ أي قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ واستغفرت له ثم رجعت بيقين الجنة حين يشتم المؤمن ريحها قبل الممات لا يعبأ بما يصيب الجسد الفاني من ضرٍّ, رجاء في مرضاة الله... فينتزع بشعور المؤمن كل فزع وكل جزع يصيبه، وهكذا يكون الإيمان.
رحم الله صفية بنت عبد المطلب المرأة القوية الصابرة، وجزى الله عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موقفها ودفاعها عن الأمة وقت المحن كل خير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد