قال - تعالى -: [كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور]، وقال عز من قائل مخاطباً رسوله الكريم: [إنك ميت وإنـهم ميتون]نعم الموت حق ولابد لكل حي من الانتقال من هذه الدار الفانية إلى دار الخلود، وهو مصيبة كما وصفه من قدره على خلقه وتزداد مصيبته ومرارته بفقد ورثة الأنبياء - العلماء - الذين لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم من أخذ به فقد أخذ بحظ وافر.
وهكذا يودعنا الشيخ سيد سابق - رحمه الله - عن عمر يناهز الخامسة والثمانين وذلك مساء يوم الأحد 23 من ذي القعدة 1420 (27/2/2000) وقد ودعت الأمة قبله كوكبة من العلماء والدعاة كان من آخرهم الشيخ أبي الحسن علي الندوي الذي سنكتب عن سيرته بشيءٍ, من التوسع في مرة قادمة إن شاء الله، رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جنانه وأبدلنا من يسد الفراغ الذي تركوه.
وقد كان الشيخ سيد سابق أحد علماء الأزهر الذين تخرجوا من كلية الشريعة وتخصصوا في مجال الفقه الإسلامي، عملاً بحديث الرسول : \"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين\"، وقد كان الشيخ - رحمه الله - عند اشتغاله بمادة الفقه بعيداً عن التعصب والجمود الذي طبع حياة الأمة في الأزمنة المتأخرة حيث كثرت التقارير والحواشي وتقارير التقارير مع البعد عن الأدلة من الكتاب والسنة والانشغال بتفريعات ومصطلحات فيها كثير من التعقيد مما جعل ذلك العلم صعب المنال بالنسبة لقطاعات كبيرة من الأمة.
وقد أدلى الشيخ - رحمه الله - بدلوه في ضرورة أن تكون الأحكام الفقهية مبنية على الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السابقين مع تبسيط في العبارة وتقريب لمادة الفقه بالنسبة للمسلم في هذا الزمان الذي قل التصاقه وصبره على طلب العلم من مظانه بسبب طبيعة الحياة المعقدة التي يعيشها، فكان أن أنتج الشيخ ذاك السفر النفيس المعروف \"فقه السنة\"، وقد لاقى الكتاب انتشاراً واسعاً من اليوم الذي خرج فيه وإلى يوم الناس هذا، ولذا فقد طبع عدة طبعات كما ترجم إلى عدة لغات.
ولم يكن الفقه هو المجال الوحيد الذي طغى على حياة الشيخ فقد كان داعية ومربياً لأجيال استفادت من علمه وخلقه، ومن كان هذا دأبه فلابد أن يناله شيءٌ مما نال من قبله من الابتلاء، فقد حوكم الشيخ - رحمه الله - في قضية مقتل النقراشي باشا حيث زعم من قدمه للمحكمة أنه هو الذي أفتى للشاب القاتل بجواز قتله، وكانت الصحف تلقب الشيخ في ذلك الوقت \"بمفتي الدماء\"، ولكن المحكمة برأته مما قالوا ظلماً وعدواناً فأطلق سراحه لكنه اعتقل مع من اعتقل من الإخوان المسلمين في سنة 1949 فاقتيد إلى معتقل الطور.
كما تولى الشيخ التدريس وتقلد بعض المناصب منها مدير إدارة الثقافة في وزارة الأوقاف أيام الثورة، وفي السنين الأخيرة انتقل - رحمه الله - إلى جامعة أم القرى سعيداً بمجاورة البيت العتيق قبل أن يتخطفه الموت من بيننا لينتقل إلى الرفيق الأعلى.
فرحم الله الشيخ سيد سابق رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد