• النشأة
• الزبيري والإخوان المسلمون
• الزبيري معارضًا
• سجن الأهنوم
• مرحلة جديدة والخروج من اليمن
• العودة إلى الوطن
• وقتلته يد الحقد
• آثاره
• نماذج من شعره
• قالوا عن الزبيري
_____________
• النشأة:
أ. محمد محمود الزبيري
\"كنت أحس إحساسًا أسطوريًّا بأني قادر بالأدب وحده على أن أقوِّض ألف عامٍ, من الفساد والظلم والطغيان\".
هذا هو الزبيري الذي قال عنه معجم الأدباء الإسلاميين: إذا أردت أن تتحدث عن اليمن فلا بد لك أن تذكر الزبيري، وإذا أردت أن تتحدث عن الشعر في اليمن فلا بد لك أن تذكر الزبيري أيضًا.. وإذا تحدثت عن الثورة اليمنية ولم تتحدث عن الزبيري وشعره، فإنك لم تتحدث عن أهم دعائم هذه الثورة، فالزبيري شاعر أشعل ثورة اليمن بشعره، وقاد مسيرتها بشعره أيضًا، وهو لذلك استحق من مواطنيه أن يلقب بأبي الأحرار وشاعر الثوار.
في حي بستان السلطان- في مدينة صنعاء- وفي سنة 1910م وُلد محمد محمود الزبيريº حيث تعيش أسرة الزبيري العريقة، التي نبغ فيها عدد من قضاة وعلماء وشعراء المدينة الكبار، مثل: جده القاضي والشاعر لطف الباري الزبيري، والقاضي والشاعر المشهور لطف الله بن محمد الزبيري أحد كبار علماء صنعاء، كما كان والده قاضيًّا مشهورًا، وهو نفسه كان كثيرًا ما يعرف بالقاضي.
وفي مدينة صنعاء أيضًا نشأ الزبيري يتيمًا، فتعلم القرآن وحفظه صغيرًا، وكان الناس يحبون سماعه منه لحلاوة صوته، وتنقل في طلب العلم بين الكتاب والمدرسة العلمية والجامع الكبير بصنعاء.. وقد مال في طفولته إلى العزلة والانطواء، وكان يقضي أوقاته في المطالعة والتأمل في الحياة وفيما حولهº فنشأ مرهف الإحساس والشعور، فنظم الشعر وهو دون العشرين.
كان أول ظهور للزبيري كشاعر عندما ذهب إلى الحج عام 1938م بصحبة الشهيد عبد الله الوزير، ووقف أمام الملك عبد العزيز آل سعود، وألقى قصيدة لم تحفظ المصادر إلا مطلعها:
قلب الجزيرة في يمينك يخفق *** وسنا العروبة من جبينك يشرق
• الزبيري والإخوان المسلمون:
وبقي الزبيري بعدها بمكة المكرمة طالبًا للعلم إلى أن رحل عنها إلى مصر سنة 1939مº حيث التحق بدار العلوم بالقاهرة، وهناك تعرف على الإمام حسن البنا والمجاهد الجزائري الفضيل الورتلاني، فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وفي ذلك يقول الأستاذ علي ناصر العنسي: \"أول تجمع لنا كان ونحن في القاهرة عندما كنا ندرس في الأزهر، وبدأنا الاتصال بالإخوان المسلمين، ومنهم الشيخ حسن البنا، الذي كان يرى أن اليمن أنسب البلاد لإقامة الحكم الإسلامي الصحيح، وأن المناخ مناسب للإخوان المسلمين ليعملوا فيها، فكان يهتم بنا اهتمامًا خاصًا، ويولي عنايته بشكل أخص لكل من الزبيري والمسمري، اللذين كان يعتبرهما شخصيتين متميزتين، ومن هنا بدأت الحركة الوطنية بين الطلاب اليمنيين\".
• الزبيري معارضًا:
وقد أسس الزبيري وبعض رفاقه في القاهرة أول حركة منظمة لمعارضة الحكم الإمامي في اليمن في سبتمبر عام 1940م تحت اسم \"كتيبة الشباب اليمني\"..
وفي سنة 1942م قطع الزبيري دراسته عائدًا إلى اليمن التي رأى أنها تستحق منه مجهودًا كبيرًا لإنقاذ البلاد من الأوضاع المتردية والمأساوية التي كانت تكتنف اليمن آنذاك تحت حكم الأئمة من أسرة حميد الدين، وقد صور هذه الحالة قائلاً:
ماذا دهى قحطان في لحظاتهم *** بؤس وفي كلماتهم آلام؟
جهل وأمراض وظلم فادح *** ومخافة ومجاعة و\"إمام\"
• سجن الأهنوم:
وعند قدومه إلى اليمن قدم مذكرة للإمام المتوكل يحيى حميد الدين تتضمن مشروعًا لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ألقى خطبة في الجامع الكبير بصنعاءº وهو ما أغضب الإمام يحيى، فكان جزاؤه السجن مع عدد من شباب اليمن الأحرار في سجن \"الأهنوم\"º حيث انصرف للصلاة وتلاوة القرآن والذكر والتأمل وكتابة الشعر...
وعند خروجه من السجن الذي لبث فيه قرابة تسعة أشهر صور الزبيري ذلك الخروج
قائلاً:
خرجنا من السجن شم الأنوف *** كما تخرج الأُسد من غابها
نمر على شفرات السيوف *** ونأتي المنية من بابها
ونأبى الحياة إذا دنست *** بعسف الطغاة وإرهابها
ولم يجد الزبيري بُدًّا من الالتفاف حول ولي العهد أحمد نجل الإمام يحيى مع كثير من المثقفين الذين رأوا فيه أملاً منقذًا لهمº لكنهم سرعان ما أدركوا وَهم ما هم فيه، فخرجوا بدعوتهم الإصلاحية فارين إلى عدن التي كانت متنفسًا للأحرار.
• مرحلة جديدة والخروج من اليمن:
وفي عدن بدأت مرحلة جديدة في الكفاح والنضالº حيث أسس الزبيري مع رفيق كفاحه أحمد محمد نعمان حزب الأحرار سنة 1944م، الذي تحول اسمه إلى \"الجمعية اليمانية الكبرى\" عام 1946م، وأصدر صحيفة \"صوت اليمن\"، وفوضت الجمعية الإمام حسن البنا في أن يتحدث عنها في كل شأن من الشئون، واستمر الكفاح حتى قيام ثورة 1948مº حيث قتل الإمام يحيى حميد الدين، ونصب عبدالله الوزير إمامًا جديدًا لحكم دستوري شرعي، وكان للإخوان المسلمين والفضيل الورتلاني- ممثل الإمام البنا في اليمن- الدور الرئيسي في هذه الثورة.
ولكن الثورة سرعان ما فشلت، فعاد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين نجل الإمام المقتول ليبطش بكل رجالات الثورة، وليفتح صنعاء أمام القبائل التي ناصرته للنهب والسلبº فغادر الزبيري اليمن، ولم يكن هناك باب من أبواب الدول العربية مفتوح له هذه المرةº فذهب إلى باكستان، وهناك التقى وتعرف على شاعر النفس المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري، الذي كان سفيرًا لسوريا في باكستان، وما كاد الزبيري يسمع بقيام ثورة يوليو 1952م بمصر إلا وقرر الرحيل إليهاº حيث بدأ نشاطه مع رفيقه النعمان بتجميع صفوف الطلاب اليمنيين، وامتد نشاطه إلى اليمنيين في السودان على الرغم من المضايقات التي تعرض لها من قبل النظام المصري، وكان الزبيري يلقي القصائد من خلال إذاعة صوت العرب التي كان له دور في تأسيسها، وكان لأحاديثه وقصائده دور كبير في إنقاذ الأحرار داخل المملكة المتوكلية (اسم عرفت به اليمن قبل قيام الثورة) من الإحباط واليأس وعدم إمكانية التغيير، خصوصًا بعد سقوط ثورة 1948م، التي كانت أملاً للأحرار في الخلاص من ظلم وطغيان الإمامة، والإنقاذ من الفقر والجهل والمرض.
وكان الزبيري- رحمه الله - يقول: \"كنت أحس إحساسًا أسطوريًّا بأنني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان\"، وفي هذا يقول:
كانت بأقطابها مشدودة الطنب *** قوضت بالقلم الجبار مملكة
• العودة إلى الوطن:
وحين قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، التي أطاحت بالحكم الإمامي، استدعى الضباط الثوار الأستاذ الزبيريº لعلمهم أن مجيئه ومشاركته في الحكم يضفيان على الحكم شرعية كانوا بحاجة إليها، خصوصًا أن الثورة لم تنته من خصومها من الملكيين الذين كان لهم الكثير من الأنصار بسبب الصبغة الدينية التي كانوا يضفونها على أنفسهم، وكانوا يلقون الدعم من الخارج أيضًا.
فعاد الزبيري إلى صنعاء، وأُعد له استقبال مهيب لم تحظَ شخصية جماهيرية بمثله، وعين وزيرًا للمعارف في حكومة الثورة، ثم نائبًا لرئيس الوزراء، وعضوًا في مجلس الثورة، حتى استقال عام 1964مº حيث إن التدخلات الخارجية أدخلت اليمن في حرب أهلية، فسارع الزبيري لإصلاح ذات البين بين القبائل، واشترك في مؤتمرات الصلح بين اليمنيين في \"كرش\" و\"عمران\"، كما تولى رئاسة مؤتمر \"أركويت\" بالسودان عام 1964م.
وقد تبين لأبي الأحرار أنه ينفخ في رماد، وأنه لابد من حماية الثورة من خصومها وأصحابها على السواء، فخرج من صنعاء صبيحة إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وإعلان الأحكام العسكرية، وكان يقول بأنهم بهذه القوانين يجيزون قتله..
خرج الزبيري وبصحبته بعض رفاقه، ومنهم الأستاذ عبد الملك الطيب، صاحب كتاب \"التاريخ يتكلم\"، الذي أرَّخ لتلك الفترة بأمانة علمية، والشيخ عبد المجيد الزنداني- الذي استدعاه الزبيري من القاهرة، وقتل الأخير وهو على مقربة منه- والأستاذ محمد الفسيل، داعيًّا إلى إنشاء حزب الله، هادفًَا إلى إيجاد صحوة تصحح المفاهيم الخاطئة التي أوجدتها الملكية والثورة على السواءº فقد كان- رحمه الله - يقول: \"إن اليمن لن تسترد كرامتها وعزتها إلا يوم يوجد بينها عشرات من المناضلين على الأقل، يرضون بالجوع حتى الموت، وبالسجن حتى نهاية العمر، وبخراب البيوت حتى آخر حجر فيها، ويتقدمون إلى العمل الوطني على أساس النصر أو الموت\".
• وقتلته يد الحقد:
وصل الزبيري إلى ربط (شمال صنعاء)، ومن هناك وجه رسالته إلى شعب اليمن التي شرح فيها مبادئ حزب الله، ثم بدأ بدعوة القبائل إلى حزب الله ولمّ الشمل، وكانت دعوته عامة للملكيين والجمهوريين، وعاود الزبيري ورفاقه إصدار صحيفة \"صوت اليمن\" كلسان حال حزب الله، وبدأ الشعب يعلن ولاءه للحزب الجديد بعد الإحباط الذي عم المواطنين وخيبة أملهم في الثورة ورجالاتهاº وهو ما أقضَّ مضاجع الملكيين الذين كانوا على مقربة من الزبيري الذي غزاهم في عقر دارهم، وأقض مضاجع القيادة في صنعاء، فراحت تهاجمه وحزبه في وسائل إعلامها، إلى أن عاجلته رصاصات الغدر في إحدى تنقلاتهº فخر شهيدًا وهو يدعو إلى ما آمن به، وكان ذلك في أول إبريل 1965م.
• آثاره:
أصدر شاعرنا ديوانين: الأول: \"ثورة الشعر\"، والثاني: \"صلاة في الجحيم\"، وما نشر في هذين الديوانين هو الجزء الأقل من شعره، وما زالت هناك مجموعات كبيرة من شعره تنتظر من يقوم بطبعها.
وصدر للشاعر الكتب السياسية التالية:
1- دعوة الأحرار ووحدة الشعب.
2- الإمامة وخطرها على وحدة اليمن.
3- الخدعة الكبرى في السياسة العربية.
4- مأساة واق الواق، تحدث فيه عن مصير جلادي اليمن وعن مصير الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن اليمن وشعبه متبعًا أسلوب \"رسالة الغفران\" للمعري.
وله إلى جانب هذه المؤلفات مجموعات من مقالاته وبحوثه السياسية والأدبية تقع في عدة مجلدات، ولا يفوتنا هنا أن نسجل بأن جميع مؤلفات الزبيري والغالبية العظمى من شعره تدور حول مأساة الشعب اليمني الذي أفنى عمره في سبيل قضيته، وسقط شهيدًا وهو ينادي بحريته.
• نماذج من شعره:
أشجاني وآلامي
من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر *** من جوها هذه الأنسام والسحر
من صدرها هذه الآهات من فمها *** هذي اللحون ومن تاريخها الذكر
من \"السعيدة\" هذي الأغنيات ومن *** ظلالها هذه الأطياف والصور
أطيافها حول مسرى خاطري زمر *** من الترانيم تشدو حولها زمر
من خاطر \"اليمن\" الخضرا ومهجتها *** هذي الأغاريد والأصداء والفكر
هذا القصيد أغانيها ودمعتها *** وسحرها وصباها الأغيد النضر
يكاد من طول ما غنى خمائلها *** يفوح من كل حرف جوها العطر
يكاد من كثر ما ضمته أغصنها *** يرف من وجنتيها الورد والزهر
كأنه من تشكي جرحها مقل *** يلح منها البكا الدامي وينحدر
يا أمي اليمن الخضرا وفاتنتي *** منك الفتون ومني العشق والسهر
ها أنت في كل ذراتي وملء دمي *** شعر \"تعنقده\" الذكرى وتعتصر
وأنت في حضن هذا الشعر فاتنة *** تطل منه وحيناً فيه تستتر
وحسب شاعرها منها- إذا احتجبت *** عن اللقا- أنه يهوى ويدكر
وأنها في مآقي شعره حلم *** وأنها في دجاه اللهو والسمر
فلا تلم كبرياها فهي غانية *** حسنًا وطبع الحسان الكبر والخفر
من هذه الأرض هذي الأغنيات *** ومن رياضها هذه الأنغام تنتثر
من هذه الأرض حيث الضوء يلثمها *** وحيث تعتنق الأنسام والشجر
ما ذلك الشدو؟ من شاديه؟ إنهما *** من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
أنا الغريب:
أنا الغريب الضائع المشرد *** آتيه في الدنيا ولست أفقد
وجئت للدهر وما لي عنده *** يوم ولا عند آتيه غد
آتي على أحبتي فانتشرت *** رءوسهم بجانبي واستشهدوا
ويخرق الدنيا ولم يبق بها *** إلا أنا والنار حولي توقد
صحونا برغمك يا طاغية *** وقمنا لنخلع ثوب الكفن
ولم تبعد عن أعين غافية *** فقد سحق الليل زحف الزمن
ظهرت بصورتك العادية *** جرائم شاخصة في وثن
وأعلنت أسرارك الخافية *** وأظهرت من أمرها ما بطن
• قالوا عن الزبيري:
الأستاذ عبد الرحمن بعكر الأديب المؤرخ: الزبيري كان جزءًا غاليًّا من عمر اليمن الزبيري، الحاسة الشعبية المبصرة، والضمير الوطني الحي، عاش 47 عامًا، أولها يُتم وآخرها استشهاد، ووسطها علم وعمل ومشروع وطني، شكَّل مرحلة تحولية كبرى في تاريخ اليمن المعاصر.
الأستاذ علي بن عبد الله الواسعي: ماذا أقول عن أبي الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري- رحمه الله - عندما ننظر إلى سلوكه وتعامله مع الناس، لا نملك إلا أن نقول: ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم، رجل كله فضيلة، وهب حياته حتى آخر لحظة لشعبه ليخرجه من الظلمات إلى النور، ومن العبودية إلى الحرية، وعاش عيشة الزهاد، فلم يكسب شيئًا، وكان إذا عرضت له الدنيا أعرض عنها حقيقة لا مبالغة، لقد حرك بشعره قلوب المستضعفين، وألهب جلود الظالمين.
الشيخ الزنداني: لقد كان معروفًا بحكمته وقدرته على تجميع الناس على مختلف انتماءاتهم الحزبية أو القبليةº يبش في وجوههم، ويستمع إلى آرائهمº حتى إن بعض من عرفوه يقولون إنه من رجالات عصره، قلما تجد له نظيرًا أحبه خصومه وأصدقاؤه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد