الرعيل الأول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -


 

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو عبد الله بن عثمان بن عامر وهو صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغار وفي الهجرة، والخليفة بعده.

 

إسلامه:

كان أبو بكر - رضي الله عنه - من رؤساء قريش في الجاهلية، محبباً فيهم، مألفـاً لهم، وكان إليه الأشناق: الديات. كان إذا حمل شيئاً صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وان احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. فلما جـاء الإسلام سبق إليه، وأسلم على يده جماعة لمحبتهم له، وميلهم إليه، حتى إنه أسلم على يده خمسة من المبشرين بالجنة، وهو أول من أسلم من الرجال.

 

هجرته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخوله معه الغار:

هاجر أبو بكر - رضي الله عنه - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحبه في الغار لما سارا مهاجرين، وآنسه فيه، ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر للرسول - صلى الله عليه وسلم - (مكانك يا رسول الله حتى أستبريء لك الغار) فدخل فاستبرأه، ثم تذكر انه لم يستبريء الجحر الذي فيه، فقال (مكانك يا رسول الله حتى أستبريء)، فدخـل فاستبرأ، ثم قـال (انزل يا رسـول الله فنزل الرسول صلى اله عليه وسلم إلى الغار.

وركبت قريش في كل وجه يطلبون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتوا على جبل ثور الذي فيه الغار، الذي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وطلعوا فوقه وسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر أصواتهم، فأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف والحـزن، وقال: (يا رسول الله لو أن أحـدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميــه) فقـال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر، ما ظنك بأثنين الله ثالثهما))، وفي هذا نزل قول الله - تعالى -: [إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا، ثاني أثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا]. وحمى الله نبيه في الغار من كل سوء، ولما أنقطع الطلب عنهما بعد ثلاث ليال من بقائهما في الغار انطلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر إلى المدينة عن طريق الساحـل.

 

شهوده بدراً وغيرها:

شهد أبو بكر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر، وأحد، والخندق، والحديبية، والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ويوم حنين حين ولى الناس.

 

فضائله - رضي الله عنه -:

عن جندب أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقـول قبل أن يتوفى بيوم: ((قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وأني أبرأ إلى الله أن أكون اتخذت منكم خليلا، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلا)) أخرجه مسلم.

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)) أخرجه الترمذي والإمام أحمد.

ولقد أسلم على يد أبي بكر: الزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وأعتق سبعة كانوا يعذبون في الله - تعالى - منهم بلال وعامر بن فهيرة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عظيم المحبة له كثير الثقة به وبما عنده من الإيمان واليقين.

وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ فقال: أبوهـا، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالاً)).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قـال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((من أصبح منكم صائماً؟ )) قال أبو بكر أنا قال ((من تصدق بصدقة؟ )) قال أبو بكر أنــا. قـال ((من شهد جنــازة؟ )) قال ابو بكر أنا. قال: ((من أطعم اليوم مسكينا؟ )) قال أبو بكر أنا. قال: ((من جمعهن في يوم واحد وجبت له أو غفر له -)) أخرجه مسلم.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعين بأبي بكر ويستشيره في كثير من أموره ومن أعظم ذلك صفائه له في طريق الهجرة وجاءت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تشير إلى أن أبا بكر هو الخليفة من بعده وتهيئ الأمة لقبوله، ومن أعظمها عهده إليه بالصلاة بالناس في مرض موته ومن هذه الأحاديث.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: عن الله - عز وجل - خير عبداً بين الدنيا، وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد، قال فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يُخبِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبدٍ, خُيرَ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من أمن الناس على في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكـن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقيـن في المسجد باب إلا سُد، إلا باب أبي بكر)) أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: ((اثبت فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان)) أخرجه البخاري.

وعن عبدالله بن مسعـود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قـال: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا)).

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ((أن أبا بكر كان يصلى لهم في وجع النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف النبي - صلى الله عليه وسلم - ستر الحجرة، فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف، وظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفي من يومه)).

 

خلافتــه:

عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)) أخرجه الترمذي.

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره)) أخرجه الترمذي.

وعن علي بن أبي طالب قال: قَدّمَ رسول - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فصلى بالناس، وأني لشاهد غير غائب وأني لصحيح غير مريض ولو شاء أن يقدمني لقدمني فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا.

وعن سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما اشتد مرضه أغمي عليه فلما أفاق قال: ((مروا بلالاً فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس)) قال ثم أغمي عليه فقالت عائشة: أن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره فقال: ((أقيمت الصلاة؟ )) فقالت عائشة: يا رسول الله أن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره قال: ((إنكن صواحب يوسف، مروا بلالاً فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس)) ثم قال: ثم أفـاق فقال: ((أقيمت الصلاة؟ )) قالوا: نعم. قال: ((أدعو إلى إنساناً أعتمد عليه ((فجاءت بريرة وإنسان آخر فانطلقوا يمشون به وإن رجليه تخطان في الأرض قال: فأجلسوه إلى جنب أبي بكر فذهب أبو بكر يتأخر فحبسه حتى فرغ الناس فلما توفي قال وكانوا قوماً أميين لم يكن فيهم نبي قبله قال عمر: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا! قال فقالوا له اذهب إلى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فادعه يعني أبا بكر. قال: فذهبت فوجدته في المسجد قال: فأجهشت أبكي قال: لعل نبي الله توفي؟ قلت: إن عمر لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا! قال: فأخذ بساعدي ثم أقبل يمشي حتى دخل فأوسعوا له فأكب على رسول الله صلى الله عليه سلم حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر نَفَسَهُ حتى استبان انه توفى. فقال: [إنك ميت وإنهم ميتون] قالوا يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم فعلموا انه كما قال. قالوا يا صاحب رسول الله هل يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم قال يجئ نفر منكم فيكبرون فيدعون ويذهبون حتى يفرغ الناس فعلموا انه كما قال قالوا يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل يدفن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم قالوا أين يدفن؟ قال حيث قبض الله روحه فإن الله لم يقبضه إلا في موضع طيب قـال فعرفوا انه كما قال ثم قال عندكم صاحبكم. أخرجه ابن ماجه والهيثمي والطبراني.

ثم خرج، فاجتمع إليه المهاجرون - أو من اجتمع إليه منهم فقال: انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار فإن لهم في هذا الحق نصيبا قال فذهبوا حتى أتوا الأنصار قال لهم ليتآمرون إذ قال رجل من الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فقام عمر فأخذ بيد أبي بكر فقال: سيفان في غمد إذن لا يصطحبان ثم قال: من له هذه الثلاثة: [إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا] مع من؟ فبسط يد أبي بكر فضرب عليها ثم قال للناس بايعوا فبايع الناس أحسن بيعة أخرجه النسائي والهيثمي.

 

وفاته:

توفي أبو بكر - رضي الله عنه - يوم الجمعة لسبع ليل بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاثة عشرة وصلى عليه عمر بن الخطاب. وهو أول خليفة كان في الإسلام وأول من حج أميراً في الإسلام فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة سنة ثمان وسير أبا بكر يحـج في الناس أميراً سنة تسع وهو أول من جمـع القرآن.ولما حضـره الموت استخلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply