الأحنف بن قيس السيد الحليم


  

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمه: الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين، قيل اسمه الضحاك وقيل صخر، وشُهر بالأحنف لحنف رجليه وهو العوج والميل، أبو بحر التميمى المخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي – صلى الله عليه وسلم -.

 

شيوخه: روى عن عمر وعلي وأبي ذر والعباس وابن مسعود وعثمان بن عفان - رضي الله عنهم - وغيرهم.

 

الرواة عنه: روى عنه الحسن البصري وعروة بن الزبير وطلق بن حبيب وعبد الله بن عميرة وآخرون، وهو قليل الرواية.

 

ثناء العلماء عليه:

قال الحسن: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف.

قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا قليل الحديث.

قال العجلي: الأحنف بصري ثقة كان سيد قومه وكان أعور أحنف دميمًا قصيرًا كوسجًا (نقي الخدين من الشعر) له بيضة واحدة حبسه عمر سنة يختبره فقال: هذا والله السيد.

قال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.

قال فيه الشاعر:

إذا الأبصار أبصرت ابن قيس

ظللن مهابة منه خشوعًا

قال الذهبي: الأمير الكبير العالم النبيل التميمي أحد من يضرب بحلمه وسؤدده المثل.

قال ابن حجر: ثقة.

قال سليمان بن أبي شيخ: وأمه باهلية فكانت ترقصه وتقول:

والله لولا حنفٌ برجلِهِ

وقلة أضافها من نسلِهِ

ما كان في فتيانكم من مثلِهِ

 

من أحواله وأقواله:

قال الشعبي: وفّد أبو موسى وفدًا من البصرة إلى عمر منهم الأحنف بن قيس فتكلم كل رجل في خاصة نفسه وكان الأحنف في آخر القوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه وإن أهل الشام نزلوا منازل قيصر وأصحابه، وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى ومصانعه في الأنهار والجنان وفي مثل عين البعير وكالحوار في السَّلى تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلغ، وإن أهل البصرة نزلوا في أرض سبخة زعقة نشاشة لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها طرفها في بحر أجاج وطرف في غلاة لا يأتينا شيء إلا في مثل مرئ النعامة فارفع خسيستنا وانعش وكيستنا وزد في عيالنا عيالا وفي رجالنا رجالا وصغّر درهمنا وكبّر قفيزنا ومر لنا بنهر نستعذب منه، فقال عمر: عجزتم أن تكونوا مثل هذا، هذا والله السيد، قال: فمازلت أسمعها بعد، قلت: هذا هو السيد الذي ما سأل كما سأل أصحابه لأنفسهم ولكن سأل للعامة من قبيلته - رحمه الله -.

عن ابن سيرين قال: نُبئت أن عمر ذكر بني تميم فذمّهم فقام الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي، قال: تكلم، قال: إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم وإنما هم من الناس فيهم الصالح والطالح فقال: صدقت، فقام الحتات وكان يناوئه فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي فلأتكلم، قال: اجلس فقد كفاكم سيدكم الأحنف.

قال ابن المبارك: قيل للأحنف: بم سوّدوك؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه. قلت: يعني أنه يترك ما يعيبه الناس ولو كان فيه حياته وهذا مشروط بما لم يوجبه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.

قيل للأحنف: إنك كبير والصوم يضعفك. قال: إني أعدّ لسفر طويل.

قال مروان الأصفر: إنه سمع الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك وإن تعذبني فأنا أهل ذاك.

عن الحسن قال: ذكروا عند معاوية شيئًا فتكلموا والأحنف ساكت فقال: يا أبا بحر مالك لا تتكلم؟ قال: أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت.

قال الأحنف: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.

قال سليمان التيمي: قال الأحنف: ثلاث فيّ ما أذكرهن إلا لمعتبر: ما أتيت باب السلطان إلا أن أدعى ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما، وما أذكر أحدًا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.

قال: ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور إن كان فوقي عرفت له، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان مثلي تفضلت عليه.

قال: لستُ بحليم ولكني أتحالم.

قيل: إن رجلا خاصم الأحنف وقال: لئن قلت واحدة لتسمعن عشرًا فقال: لكنك إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة.

قيل إن رجلا قال للأحنف: بم سدت قومك؟ وأراد أن يعيبه قال الأحنف: بتركي ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك.

عن هشام بن عقبة أخي ذي الرٌّمة قال: شهدت الأحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دمٍ, فتكلم فيه وقال: احتكموا. قالوا: نحتكم ديتين قال: ذاك لكم فلما سكتوا قال: أنا أعطيكم ما سألتم فاسمعوا: إن الله قضى بديةٍ, واحدة وإن النبي – صلى الله عليه وسلم - قضى بدية واحدة وإن العرب تقاضى بينها دية واحدة وأنتم اليوم تطالبون وأخشى أن تكونوا غدًا مطلوبين فلا ترضى الناس منكم إلا بمثل ما سننتم قالوا ردّها إلى دية.

وعنه قال: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: شريف من دنيء، وبر من فاجر، وحليم من أحمق.

قال: من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون.

قال: الكامل من عدت سقطاته قلت: أي أنه ليس بمعصوم.

سئل عن المروءة قال: كتمان السر والبعد عن الشر.

قال: رأس الأدب آلة المنطق، لا خير في قولٍ, بلا فعل، ولا في منظرٍ, بلا مخبر، ولا في مالٍ, بلا جود، ولا في صديقٍ, بلا وفاء، ولا في فقهٍ, بلا ورع ولا في صدقةٍ, بلا نية ولا في حياةٍ, إلا بصحة وأمن.

قال الحسن: رأى الأحنف في يد رجل درهمًا فقال: لمن هذا؟ قال: لي قال: ليس هو لك حتى تخرجه في أجرٍ, أو اكتساب شكر وتمثّل:

أنت للمال إذا أمسكته

وإذا انفقته فالمال لك

قيل: كان الأحنف إذا أتاه رجل وسّع له، فإن لم يكن له سعة، أراه كأنه يوسع له.

قال: جنّبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل أن يكون وصافًا لفرجه وبطنه.

قال: لا ينبغي للأمير الغضب لأن الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة.

قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب فما رأيت صفة تُذم إلا رأيتها فيه، كان ضئيلا، صعل الرأس (صغير) متراكب الأسنان، مائل الذقن، ناتئ الوجنة، باخق العين (مخسوفة) خفيف العارضين، أحنف الرجلين، فإذا تكلم جلا عن نفسه.

قال: لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والأعوان، ولا ينفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة، ولا تنفع المودة والنصيحة إلا بالرأي والعفة.

قيل كان زياد معظمًا للأحنف فلما وُلّى بعده ابنُه عبيدُ الله تغير أمر الأحنف وقدّم عليه من هو دونه ثم وفد على معاوية في الأشراف فقال لعبيد الله: أدخلهم عليّ على قدر مراتبهم، فأخر الأحنف، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال إليّ يا أبا بحر، وأجلسه معه وأعرض عنهم فأخذوا في شكر عبيد الله بن زياد وسكت الأحنف، فقال له: لم لا تتكلم؟ قال: إن تكلمت خالفتهم، قال: (أي معاوية) اشهدوا أني قد عزلت عبيد الله، فلما خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة، ثم أتوا معاوية بعد ثلاث وذكر كلٌّ واحد شخصًا وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ قال: إن ولّيت أحدًا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله، فقال قد أعدته، قال: فخلا معاوية بعبيد الله وقال: كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت؟ فلما رجع عبيد الله جعل الأحنف صاحب سرّه.

قال أبو عمرو بن العلاء: توفى الأحنف في دار عبيد الله بن أبي غضنفر فلما دُلّى في حفرته أقبلت بنتٌ لأوسٍ, السعدي وهي على راحلتها عجوزٌ فوقفت عليه وقالت: من المُوَافى به حفرته لوقت حِمامه؟ قيل لها: الأحنف بن قيس. قالت: والله لئن كنتم سبقتمونا إلى الاستمتاع به في حياته لا تسبقونا إلى الثناء عليه بعد وفاته، ثم قالت: لله دَرٌّك من مُجَنٍّ, في جَنَن، ومدرج في كفن، وإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل من ابتلانا بموتك وفجعنا بفقدك أن يوسع لك في قبرك، وأن يغفر لك يوم حشرك، أيها الناس إن أولياء الله في بلاده هم شهوده على عباده وإنا لقائلون حقًا، ومثنون صدقًا، وهو أهل لحُسن الثناء أما والذي كنت من أجله في عدة، ومن الحياة في مدة، ومن المضمار في غاية، ومن الآثار إلى نهاية، الذي رفع عملك عند انقضاء أجلك، لقد عشت مودودا حميدًا، ومت سعيدًا فقيدًا، ولقد كنت عظيم الحلم، فاضل السلم، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، ولقد كنت في المحافل شريفًا، وعلى الأرامل عطوفًا، ومن الناس قريبًا، وفيهم غريبًا، وإن كنت فيهم مسودًا وإلى الخلفاء لموفدًا، وإن كانوا لقولك لمستمعين، ولرأيك لمتبعين رحمنا الله وإياك.

وفاته: مات - رحمه الله - سنة سبع وستين وقيل سنه ثنتين وسبعين.

 

____________________

المراجع:

سير أعلام النبلاء.

تهذيب الكمال.

تاريخ دمشق لابن عساكر.

تقريب التهذيب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply