محض الإخلاص في فضائل سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين واله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر

الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أَرِقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فقال: «ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة». قالت: وسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من هذا؟ » قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما جاء بك؟ » قال: وقع في نفسي خوف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت أحرسه. فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ثم نام. هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في موضعين من صحيحه أولهما في كتاب الجهاد باب الحراسة في الغزو في سبيل الله برقم [2885] والثاني في كتاب التمني باب قوله - صلى الله عليه وسلم - «ليت كذا وكذا» برقم [7231]. كما أخرجه الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب في فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - برقم (2410)، وأخرجه الإمام الترمذي في المناقب باب مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - برقم (3756) كما عزاه المزي في التحفة إلى النسائي في الكبرى، وعزاه صاحب المعجم للإمام أحمد في المسند بأرقام (1/391، 450 ـ 4/124).

 

أولا: ترجمة سعد بن أبي وقاص --رضي الله عنه-

وهو سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن وُهيب، وقيل: أُهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الزهري. أبو إسحاق، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، وقيل: حمنة بنت أبي سفيان بن أمية. قال صاحب أسد الغابة: أسلم بعد ستة، وقيل بعد أربعة، وكان عمره لما أسلم سبع عشرة سنة، روى عنه أنه قال: أسلمت قبل أن تفرض الصلاة، وهو أحد الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وأحد العشرة سادات الصحابة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين أخبر عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو عنهم راضٍ,.

ثم قال: شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبلى يوم أحد بلاءًا عظيمًا، وهو أول من أراق دما في سبيل الله، وأول من رمى بسهم في سبيل الله.

وقال أيضا بعد أن ساق بسنده إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: قلت لأبي: يا أبتي إني أراك تصنع بهذا الحي من الأنصار شيئا ما تصنعه بغيرهم، فقال: أي بني، هل تجد في نفسك من ذلك شيئا؟ قال: لا، ولكن أعجب من صنيعك! قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق».

قال: وروت عنه ابنته عائشة - رحمها الله - تعالى -أنه - رضي الله عنه - قال: رأيت في المنام قبل أن أسلم، كأني في ظلمة لا أبصر شيئًا إذ أضاء لي القمر، فاتبعته، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة وإلى علي بن أبي طالب، وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى هاهنا؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام مستخفيا فلقيته في شِعب أجياد، وقد صلى العصر، فأسلمت، فما تقدمني أحد غيرهم.

وروى أن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت هذه الآية فيَّ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُمَا وَصَاحِبُهُمَا فِي الدٌّنيَا مَعرُوفًا [لقمان: 15] قال: كنت رجلا بارّا بأمي، فلما أسلمتُ، قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي أحدثت؟ لتدعنَّ دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي. فقال: لا تفعلي يا أمَّه فإني لا أدع ديني، قال: فمكثت يوما وليلة لا تأكل ـ وفي رواية مكثت ثلاثة أيام بلياليهن ـ حتى جهدت، فقلت: والله لو كانت لك ألف نفس ـ وفي رواية: مائة نفس ـ فخرجت نَفسًا نَفسًا، ما تركت ديني هذا لشيء، فلما رأت ذلك أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية.

ولما قتل عثمان - رضي الله عنه - اعتزل سعد - رضي الله عنه - الفتنة ولم يكن من الطوائف المتحاربة، بل لزم بيته، وأراده ابنه عمر وابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أن يَدعُوَ إلى نفسه، بعد قتل عثمان، فلم يفعل وطلب السلامة.

وأورد الذهبي في السير: عن عامر بن سعد أن أباه سعدًا كان في غنم له، فجاء ابنه عمر، فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فلما انتهى إليه قال: يا أبتي: أرضيت أن تكون أعرابيّا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟ فضرب صدر عمر وقال: اسكت فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله - عز وجل - يحب العبد التقي الغني الخفي». [أخرجه أحمد ومسلم]

ومن مناقب سعد - رضي الله عنه - أن فَتحَ العراق كان على يدي سعد، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية ونصر الله دينه، ونزل سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء.

وعن مصعب بن سعد أنه قال: كان رأس أبي في حجري وهو يقضي. (أي عند الموت) فبكيت، فرفع رأسه إليَّ فقال: أي بني ما يبكيك؟ قلت: لمكانك وما أرى بك. قال: لا تبك فإن الله لا يعذبني أبدًا، وإني من أهل الجنة. قال الإمام الذهبي: قلت: صدق والله فهنيئا له.

ثم ساق عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما احتضر، دعا بِخَلَق جبة صوف، فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر. وقال: وعن أم سلمة - رضي الله عنها- أنها قالت: لما مات سعد وجيء بسريره فأدخل عليها، جعلت تبكي ونقول: بقية أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعن عامر بن سعد قال: كان سعد آخر المهاجرين وفاة.

 

وقد اختلف في تاريخ وفاته:

فقال المدائني وأبو عبيدة وجماعة: توفي سنة خمس وخمسين، وروى نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد أن سعدًا مات وهو ابن اثنتين وثمانين سنة في سنة ست وخمسين وقيل سنة سبع، وقال أبو نعيم الملائي: سنة ثمانٍ, وخمسين، وتبعه قعنب بن المحرز، قال الإمام الذهبي: والأول هو الصحيح.

 

ثانيا: شرح الحديث

قول عائشة - رضي الله عنها -: «أَرِقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »: أي سَهَر بوزنه ومعناه، وقد جاء في الرواية الأخرى عند البخاري: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سهر، فلما قدم المدينة قال: ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة». قال الحافظ في الفتح: هكذا في هذه الرواية ولم يبين زمان السهر، وظاهره أن السهر كان قبل القدوم، والقول بعده، وقد جاء في رواية مسلم: «سهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدمه المدينة ليلة فقال: فذكره، وظاهره أن السهر والقدوم معًا كانا قبل القول، وقد أخرجه النسائي من طريق أبي إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد بلفظ: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول ما قدم المدينة يسهر من الليل».

قال الحافظ: وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة، لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده، وقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بلفظ: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت فقلت: ما شأنك يا رسول الله» الحديث، وقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحرَسُ حتى نزلت هذه الآية: واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وإسناده حسن، واختلف في وصله وإرساله.

قول سعد - رضي الله عنه -: «وقع في نفسي خوف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت أحرسه» هذا دليل على أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم كانوا حريصين عليه وعلى حياته ويفدونه بأرواحهم ومهجهم، ويسعون لراحته صلوات الله وسلامه عليه. وإن الواحد منهم كان يفديه بكل ما يملك بماله ونفسه وولده ووالديه والناس أجمعين.

قول عائشة - رضي الله عنها -: «فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » أي لأنه جاء بنفسه من غير أن ينتدب لذلك، وإنما ندب هو نفسه، ولم يطلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحراسة، بل تمناها نبي الله- صلى الله عليه وسلم - فإذا سعد يأتي ليحرس النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقع ما تمناه، فلذلك كان مستحقا لأن يدعو له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قولها - رضي الله عنها -: «ثم نام»: أي اطمأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونام، وفي الرواية الأخرى: «حتى سمعنا غطيطه» أي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام مطمئنًا، وصدور الغطيط منه صلوات الله وسلامه عليه يشعر باطمئنانه وراحة باله.

ولسائل أن يسأل: كيف يتمنى النبي - صلى الله عليه وسلم - وجودَ من يحرسه ويترتب على ذلك اطمئنانه ونومه وراحة باله بالحراسة مع شدة توكله على الله - عز وجل -؟

والجواب على ذلك أن يقال: إنما كان ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - لتستن به أمته ويحسن الاقتداء به في ذلك صلوات الله وسلامه عليه، وقد ظاهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بين درعين (أي جمع بينهما) مع أنهم رووا عنه أنه كان إذا اشتد البأس وحمي وطيس الحرب كانوا يتقون به - صلى الله عليه وسلم - فيكون أمام الكل. ويقال أيضا: إن الحراسة من تعاطي الأسباب وتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل، لأن التوكل عمل القلب والأخذ بالأسباب عمل البدن، وقد قال إبراهيم - عليه السلام-: «ولكن ليطمئن قلبي». وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اعقلها وتوكل». لمن سأله عن الناقة: أعقلها أم أتوكل؟ ونقل ابن حجر في الفتح أقوال بعض العلماءº فقال: قال ابن بطال: نسخ ذلك [حراسة

النبي - صلى الله عليه وسلم -] كما دل عليه حديث عائشة - رضي الله عنها -. وقال القرطبي: ليس في الآية ما

ينافي الحراسة، كما أن إعلام الله - عز وجل - بنصر دينه وإظهاره ما يمنع الأمر

بالقتال وإعداد العدد، وعلى هذا فالمراد بالعصمة العصمة من الفتنة والإضلال أو

إزهاق الروح. والله أعلم.

قال الحافظ: وتتبع بعضهم أسماء من حرس النبي - صلى الله عليه وسلم - فجمع منهم: سعد بن معاذ ومحمد بن

مسلمة والزبير وأبا أيوب، وذكوان بن عبد القيس والأدرع الأسلمي وابن الأدرع

واسمه محجن ويقال سلمة، وعباد بن بشر والعباس وأبا ريحانة، وليس كل واحد من

هؤلاء حرس النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده في الوقائع والغزوات، بل ذكر في مطلق الحرس فأمكن أن يكون خاصًا به كأبي أيوب حين بنائه بصفية - رضي الله عنها - بعد الرجوع من خيبر، وأمكن أن يكون حرس أهل تلك الغزوة كأنس بن أبي مرثد. والعلم عند الله - تعالى -. ومن فوائد الحديث زيادة على ما تقدم:

1 ـ الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو.

2 ـ أن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل.

3 ـ الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحًا.

4 ـ الدعاء له على سبيل المكافأة على تبرعه بالخير.

 

 

 

 

ثالثا: بعض ما ورد في مناقب سعد بن أبي وقاص

(1) هو أحد السابقين إلى الإسلام

1 ـ عن سعيد بن المسيب: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: «ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام». [أخرجه البخاري (3727)]

2 ـ عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام. [أخرجه البخاري (3726)]

قال ابن عبد الهادي المقدسي في «محض الخلاص في مناقب سعد بن أبي وقاص»: وقد اتٌّفِقَ على تقدم إسلامه، لكن اختلفº هل هو الثالث كما قد صح ذلك عنه، أو هو السابع؟ لكن لا خلاف على أنه أحد السبعة الذين سبقوا الناس إلى الإسلام. وقال ابن الأثير في أسد الغابة: أسلم بعد ستة وقيل بعد أربعة، وكان عمره لما أسلم سبع عشرة سنة، روي عنه أنه قال: أسلمت قبل أن تفرض الصلاة.

 

(2) هو من السابقين إلى الهجرة

عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يقرئون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر. ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -..الحديث [أخرجه البخاري (3925)]

قال ابن عبد الهادي المقدسي: وقد زعم موسى بن عقبة: عن الزهري أنه إنما هاجر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -.قال ابن كثير: والصواب أنه هاجر قبله.قلت: وهذا ما ثبت عند البخاري.

 

(3) هو أول من رمى بسهم في سبيل الله عن سعد قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط، الحديث. [البخاري (3728)]

قال الحافظ: كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب، وهي أول سرية بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة الأولى من الهجرة، بعث ناسًا من المسلمين إلى رابغ [بلدة على ساحل البحر معروفة] ليلقوا عيرًا لقريش فتراموا بالسهام، فكان سعد أول من رمى بسهم. أ هـ

(4) لم يجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبويه إلا لسعد - رضي الله عنه - والزبير - رضي الله عنه-

1 ـ عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدًا يقول: جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد. يريد حين قال: «ارم فداك أبي وأمي». [البخاري 3725]

2 ـ عن عبد الله بن شداد قال: سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول: ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يُفَدِّي رجلاً بعد سعدٍ,، سمعته يقول: «ارمِ فداك أبي وأمي». [البخاري 2905]

قال الحافظ في الفتح: وفي هذا الحصر (أي الذي في حديث علي رضي الله عنه) نظر لما تقدم في ترجمة الزبير أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه يوم الخندق، ويجمع بينهما بأن عليّا - رضي الله عنه - لم يطلع على ذلك، أو مراده بذلك يوم أحد، والله أعلم.

(5) دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - له ومحبته إياه

1 ـ عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدث عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على سعد يعوده بمكة

فبكى، قال: «ما يبكيك؟ » فقال: قد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها. كما مات سعد بن خولة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اشفِ سعدًا، اللهم اشفِ سعدًا، اللهم اشفِ سعدًا»، قال: يا رسول الله! إن لي مالا كثيرًا، وإنما يرثني ابنتي، أفأوصي بمالي كله؟ قال: «لا». قال: فبالثلثين؟ قال: «لا». قال: فالنصف؟ قال: «لا». قال: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير... الحديث». [أخرجه مسلم (1628)

وأحمد في المسند، وهو في البخاري بمعناه عن عامر بن سعد]

2 ـ عن عائشة بنت سعد أن أباها قال: تشكيت بمكة شكوًا شديدًا فجاءني النبي - صلى الله عليه وسلم -

يعودني، ثم ساق الكلام عن الوصية وفي آخر الحديث قال: ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني ثم قال: «اللهم اشف سعدًا وأتمم له هجرته». فمازلت أجد برده على كبدي فيما يخال إليَّ حتى الساعة. [البخاري 5659].

3 ـ وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم سدِّد سهمه، وأجب دعوته، وحببه إلى عبادك».

[أخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق]

(6) موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راضٍ, عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما طعن وقالوا له: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحدًا أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ, فسمَّى عليّا وعثمان والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن، وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء ـ كهيئة التعزية له ـ فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستَعِن به أيكم ما أُمِّرَ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة. [البخاري 3700، وأحمد 1/15]

(7) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة

1 ـ عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيد بن الجراح في الجنة». [أخرجه أحمد والترمذي والنسائي في الكبرى وأبو يعلى وابن حبان والبغوي في شرح السنة]

2 ـ وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاشر عشرة، فقال: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، والزبير في الجنة، وطلحة في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة» فقيل له: من التاسع؟ قال: أنا. [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن أبي عاصم في السنة، وابن أبي شيبة في المصنف]

(8) افتخار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه خاله عن جابر - رضي الله عنه - قال: أقبل سعدٌ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا خالي، فليرني امرؤ خاله». [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد]، ثم قال عقبه: وكان سعد من بني زهرة، وكانت آمنة أم النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني زهرة، لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «هذا خالي». [وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي]

 

(9) سعد مستجاب الدعوة

عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر - رضي الله عنهما-، فقالوا: إنه لا يحسن يصلي. فقال سعد: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، صلاتي العشيِّ لا أخرم منها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين.

فقال عمر - رضي الله عنه -: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدًا من مساجد الكوفة إلا قالوا خيرًا. حتى أتوا مسجدًا لبني عبس، فقال رجلٌ يقال له: أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأعم بصره، وعرِّضه للفتن، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. الحديث[متفق عليه]

0) فراره من الخلافة وعدم تطلعه إليها

ثبت في صحيح مسلم عن عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبلهº فجاءه ابنه عمر. فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فنزل فقال له: أنزلتَ في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره فقال: اسكت.

سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفيَّ». [ح: 2965]

وقال ابن عساكر: وذكر بعض أهل العلم أن ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص جاءه، فقال: يا عم، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر. فقال: أريد من مائة ألفٍ, سيفًا واحدًا، إذا ضربت المؤمن به لم يؤذه، ولم يصنع فيه شيئا، وإذا ضربت به الكافر قطع. أو قال: أريد سيفًا يعرف المؤمن من غيره حتى لا يؤذيه.

وبعدº فهذا قليل من كثير مما ورد في فضائل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، وهو بلا شك داخل في عموم قول الله - تعالى -: والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ, - رضي الله عنهم - وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَاتٍ, تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ [التوبة: 100].

وفي قوله - تعالى -: لاَ يَستَوِي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقَاتَلَ أُولئِكَ أَعظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاّ وَعَدَ اللهُ الحُسنَى وَاللهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 10] إلى غير ذلك من الآيات التي تبين فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنزلتهم العظيمة التي لا تدانيها منزلة ولا تعلوها إلا منزلة الأنبياء والمرسلين.

فهل يَعقِلُ هذا دعاةُ التقريب بين أهل السنة أهل الحق الذين يعرفون قدر أهل البيت وقدر صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين أهل الجحود والنكران الذين انحرفت عقائدهم وضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، إنما يتم التقريب إذا انتهى هؤلاء عن سبهم للصحابة، وعن زعمهم تحريف كتاب الله - تعالى -، وعن ضلالهم في عقيدتهم في الله - عز وجل -، ويعرفون لأهل البيت فضلهم فلا يسبونهم ولا ينسبون لهم الأباطيل التي يزعمون أنهم يقدسونهم بها.

نسأل الله - تعالى -أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الصراط المستقيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply