السلطان سليمان بن محمد


  

بسم الله الرحمن الرحيم

هو سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل، من سلاطين الدولة الحسنية بالمغرب الأقصى، بويع بفاس عام 1206 هـ (1791م) بعد وفاة أخيه اليزيد، كان سلفياً محباً للسنة، قامعاً للبدعة، محباً للعلم والعلماء، له حواش وتعاليق على بعض الكتب، وقد عني بإخضاع القبائل، وقمع أهل البدع والخرافات وإحياء السنة، كما عرف بالسعي إلى العودة بالناس إلى منهج السلف في صفاء العقيدة وسلامتها واستقامة السلوك لإيجاد مغرب قوي موحد يتحدى الأطماع والمؤامرات الخارجية التي تسعى إلى زعزعة استقراره وفقدان سيادته والإطاحة به في شراك التبعية الفكرية والسياسية والاقتصادية.

 ولقد ظل سليمان - رحمه الله - اثنين وثلاثين سنة مثالاً للفضيلة والحكمة والرفق، وعمد إلى تركيز نظام الدولة على دعائم شرعية، فأسقط المكوس واكتفى بالزكاة وأعشار المراسي المشتغلة من طرف اليهود المغاربة والتجار الأجانب، وكان له اهتمام كبير بالعلم والعلماء، حتى تنافس الناس في طلب العلم في عهده، لما كان يحظى به أهله من طرف السلطان من عناية زائدة، وعرفت البلاد في عهده حركة معمارية مهمة من بناء المساجد والمدارس والقناطر والأسوار ومد الطرق وتجديد القلاع والحصون رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهته..

 ومن الملاحظ أن أرباب الفكر الصوفي المعادي للسلفية - وهي العودة إلى الكتاب والسنة - والذين كانوا يؤثرون إلى حد بعيد على عقليات البربر حرضوا هؤلاء على الانتفاضة ضد السلطان عندما رأوا مصالحهم مهددة بالزوال، هذا بالإضافة إلى أن جهود سليمان كانت فردية مما كان له الأثر في صعوبة تنفيذ مخططه الإصلاحي.

 ومما يجب أن ينبه له أن الكتَّاب الغربيين ومن سار على دربهم من الملحدين اليوم المتسمين بأسماء إسلامية، المقلدين للإفرنج، المتخلين عن كل خُلُقٍ, وفضيلة زاعمين بجهلهم وتقليدهم الأعمى أن هذا هو سبيل الرقي والمدنية حاولوا جميعاً تشويه سيرة هذا الرجل والانتقاص من مكانته نظراً للافتراءات والادعاءات الباطلة التي نشروها حول سياسة المغرب في تلك الفترة (1206-1238ه/1791-1822 م) بوصف السلطان سليمان بأنه مارس سياسة العزلة وأغلق منافذ الاتصال مع البلدان الأوربية، وبذلك أصبح المغرب متخلفاً ولم يعد يواكب التقدم العلمي والعصر المتطور.

 وجدير بالإشارة أن هذه الحملة على السلطان سليمان وربط ما يتهمه الخصوم به من عزلة وتقوقع باعتناقه مذهب الوهابي إنما يراد منها الطعن في الإسلام ورميه بالتزمت والانغلاق لاسيما وأن الوهابية ليست مذهباً فقهياً بل دعوة إلى الالتزام بالكتاب والسنة وإحياء سيرة السلف الصالح.

 إن أعداء الإسلام يحاولون على الدوام وبكل ما يملكون من وسائل هدم هذا الدين وطمس معالمه لأنه يقف جداراً منيعاً في وجه أي غزو فكري وسياسي واقتصادي.

 لست أدري كيف تجاهل هؤلاء الموتورون الحاقدون أن الإسلام دين العلم والحضارة والتقدم ولولا انفتاح المسلمين لما استطاعت أوربا أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن من مدنية وتقدم علميº فعلى ضوء المنجزات الإسلامية في العصور الوسطى وعلى هديها أخذت أوربا المنهج التجريبي وبنت لنفسها الشخصية العلمية الرائدة، وأقامت مدنيتها الحديثة، إنهم يريدون بالانفتاح أن يفتح المسلمون أبوابهم أمام التيار الثقافي الغربي لتكريس التبعية لهم في مجالات الحياة المختلفة، أما رفض ذل التبعية والالتزام بمقتضيات الإسلام من التميز والعزة والوقوف في وجه الأطماع فذلك كله في نظر الأعداء عزلة وتخلف.

 إن السلطان سليمان كانت له علاقات مع الدول الأوربية عن طريق القناصل الممثلين لدولهم والمقيمين في طنجة، ولكن كان حازماً في سياسته حيث كانت الدول الأوربية الممثلة بالمغرب تؤدي إتاوة سنوية أو هدايا.

فالسويد كانت على سبيل المثال تؤدي إتاوة قدرها (25 ألف) ريال مغربي، وقد تجلت سياسة سليمان في استغلال التنافس بين الدول الأوربية لحماية المغرب من أطماعها، كما تجلت في التحكم في التجارة المغربية وعدم إطلاق الحرية للأوربيين في اقتناء ما يريدون، وفي فرض الرسوم الجمركية بكل ميناء لجباية الأعشار من التجار الأوربيين، وفي تجهيز أسطول بحري يمارس أعمال الجهاد ضد سفن الدول الأوربية التي لم تعقد هدنة معها، علاوة على تبنى سياسة الإصلاح الداخلي عن طريق إشاعة الوعي الإسلامي الصحيح لولا عناد وتآمر المناوئين وأهل البدع.

 وهكذا إزاء هذه المواقف الدالة على اليقظة والحزم من قبل السلطان للمحافظة على سيادة المغرب وإصلاح أوضاعه الداخلية لم يسع الصليبيين الذين أثيرت مخاوفهم إلا تزييف الحقائق التاريخية ورميه بالعزلة والتخلف نظراً لأنه ضيق الخناق عليهم ولم يسمح للدول الصليبية باحتواء المغرب في عهده.

 

ـــــــــــــــــــــــــ

(*) انظر ترجمة السلطان سليمان عند أبي القاسم الزياني: (الترجمانة الكبرى)، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، المحمدية، مطبعة فضالة، 1387ه/1967 م، الخبر عن أول دولة من دول الأشراف، بباريس، المطبعة الجمهورية، 1303ه/1976م - ومحمد بن عثمان المكناسي: الإكسير في فكاك الأسير، تحقيق محمد الفاسي، الرباط، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي بجامعة محمد الخامس - ومحمد الضعيف الرباطي: تاريخ الدولة السعيدة، تحقيق أحمد العماري، الرباط: دار المأمون 1406ه/1986 م - واكنسوس: الجيش العرمرم، فاس، المطبعة الحجرية 1336هـ /1917 م - ومحمد مخلوف:شجره النور الذكية في طبقات المالكية، طبعة مصر 1349ه/1930م - وعبد الحي الكتاني: فهرس الفهارس، طبعة فاس 1346ه/1927 م - والناصري: الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى، الدار البيضاء، مطبعة دار الكتاب، 1376ه/1956م.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply