في أواخر القرن الرابع الهجري كانت العاصمة بغداد تئن من وطأة\"البويهيين\"أولئك الجفاة الذين انحدروا من إقليم (الديلم) في شمالي إيران وتسلطوا على الخلافةº فلم يعد للخليفة من أمر إلا المظاهر والشكليات. في هذه الفترة كان الإسلام يزدهر ويتقدَّم في منطقة خراسان وأفغانستان، ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:\"أمتي كالمطر لا يدرى آخره خير أم أوَّلُه؟\".
ألم يَعِدِ الله - سبحانه وتعالى - أن لا يستأصل هذه الأمة، وأن سيكون فيها الخير والظهور حتى تقوم الساعة؟ أليس من عجائب تاريخ الإسلام أنه قلما تجده يتقهقر في جهة إلا ويتقدَّم في أخرى؟
في فترة الضعف التي كانت تعيشها الخلافة نبتت قوة في (غزنة) على يد أسرة تركية عميدها (سبكتكين) الذي بدأ الجهاد في أرض الهند، ثم جاء ابنه محمود الذي أظهر كفاءة عالية وشخصية قوية، فجمع إقليم خراسان كله تحت إمرته، ووصل إلى الري وأذربيجان، وبارك الخليفة العباسي (القادر بالله) هذه السلطنة السنية القوية، وربما وجدها سنداً له تجاه الديلم البويهيين.
كان السلطان محمود من أولئك الملوك المتدينين الذين يهتمون بالعلم ويقربون العلماء، كما عرف بحبه لسماع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولاشتهار أمر السلطان في العالم الإسلامي، حاولت الدولة الفاطمية في مصر أن تستميله إليها، فأرسلت أحد دعاتها (التاهرتي) ليكلم السلطان، ولكن السلطان أدرك مغزى دعوتهم، وقتل هذا الداعية، وأهدى بغلته التي كان يركبها إلى شيخ مدينة (هرات)، وقال: كان يركبه رأس الملحدين فليركبه رأس الموحدين.
إنَّ أعظم مناقب السلطان محمود هو حبه للجهاد، فكان يغزو كل سنة، وكانت وجهته الهند، وقد وفق لفتح أقاليم كبيرة وتعرّف أهلها على الإسلام، ثم إنه بلغ السلطان أنَّ الهنود يقولون: إنَّ الذي خرب بلاد الهند وأضعفها هو غضب الصنم الكبير (سومنات) على سائر الأصنام، وكانوا يقولون عن هذا الصنم إنه يرزق ويحيي ويميت، ويحجون إليه، وقد تجمع عند هذا الصنم مال كثير، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وخدمه من البراهمة ألف رجل، وبين قلعة الصنم وبلاد المسلمين مسيرة شهر، ومفازة قليلة الماء، فعزم السلطان محمود واستخار الله في غزو هذا الوثن، وسار يطوي القفار ومعه ثلاثون ألف فارس وخلق من الرجَّالة والمطوَّعة، وخرج ثاني يوم الفطر سنة 416هـ، ووصل إلى قلعة (سومنات) في الرابع عشر من ذي القعدة، فلما رأى الهنود تصميم السلطان بذلوا له أموالاً جزيلة ليترك لهم هذا الصنم، وأشار بعض الأمراء معه على أخذ الأموال وإبقاء هذا الصنم لهم، فقال السلطان: إني فكرت في هذا الأمر، فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة: أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليَّ من أن يقال: الذي ترك الصنم لأجل ما ينال من الدنيا.
وكان على الصنم من الحلي والجواهر ما لا يوصف، فدخل السلطان وزعزع الصنم بالمعاول فخرَّ صريعاً، ثمَّ أحرقه.
وفرق محمود الأموال على قادته وجــنوده، وعاد إلى غزنة في صفــر سـنة 417هـ.
أرسل السلطان محمود البشارة بهذا الفتح إلى الخليفة في بغداد، يذكر فيه ما افتتحه من بلاد الهند، ويقول:\"إني فتحت قلاعاً وحصوناً، وأسلم زهاء عشرين ألفاً من عباد الأوثان\". قال في\"شذرات الذهب\":\"لم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية\".
وقال الذهبي: كان صادق النية في إعلاء الدين، مظفراً، كثير الغزو، وكان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة، وقد خطب له في خراسان والسند والهند وطبرستان وأذربيجان.
ولد السلطان محمود في سنة 361هـ، وتوفى يوم الخمس من شهر ربيع الآخر في سنة 421هـ. - رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد