الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد:
فهذه قصة لصحابي جليل اختبر إلهه في الجاهلية فعرفه لا يضر ولا ينفع ثم أسلم وآمن بالله رباً وبمحمد نبياً ورسولا، وعندما صار القتال مع الكفار آثر ليطأ الجنة بعرجته ويموت شهيداً في سبيل الله، وطلب من ربه أن لا يعود إلى أهله ويتقبله في عليين..إنه الصحابي الجليل عمرو بن الجموح - رضي الله عنه -وأرضاه.
إن في قصص الصحابة - رضوان الله تعالى - عليهم أجمعين عبر ودروس نستشف منها قيماً عالية وصدق مع الله - تعالى - وتطبيق لما تعلموه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اخترت صحابياً جليلاً من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسرد لكم قصته سائلاً المولى - جل وعلا - أن ينفعكم بما تقرءون ويهديكم سبل الرشاد.
كانت الدنيا مليئة بالمشركين.. هذا يدعو صنماً.. وذاك يرجو قبراً.. والثالث يعبد بشراً.. والرابع يعظم شجراً.. والخامس يقدس نجماً.. نظر إليهم ربهم - جل وعلا - فمقتهم عربهم وعجمهم.. إلا بقايا من موحدي أهل الكتاب، وكان من بين هؤلاء، سيد من سادات العرب.. هو عمرو بن الجموح، كان له صنم أسمه مناف، يتقرب إليه ويسجد بين يديه، مناف هذا..هو مفزعه عند الكربات ن وملاذه عند الحاجات، صنم صنعه من خشب لكنه أحب إليه من أهله وماله، وكان شديد الإسراف في تقديسه، وتزيينه وتطييبه وتلبيسه، وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا، حتى جاوز عمره الستين سنة.
فلما بُعِث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة وأرسل مصعب بن عُمَير - رضي الله عنه -.. داعية ومعلما لأهل المدينة، أسلم ثلاثة أولاد لعمرو بن الجموح مع أمهم دون أن يعلم … فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن.. وقالوا: يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في اتباعه؟
فقال: لست أفعل حتى أشاور مناف فأنظر ما يقول!!
ثم قام عمرو إلى مناف.. وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف الصنم عجوزاً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم… أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى صنمه وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى.. فوقف بين يدي الصنم معتمداً على رجله الصحيحة، تعظيماً واحتراماً، ثم حمد الصنم وأثنى عليه ثم قال: يا مناف.. لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم.. ولا يريد أحداً بسوء سواك وإنما ينهانا عن عبادتك، فأشر علي يا مناف.. فلم يرد الصنم شيئاً، فأعاد عليه فلم يجب.. فقال عمرو: لعلك غضبت، وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك … ثم تركه وخرج، فلما أظلم الليل، أقبل أبناؤه إلى مناف، فحملوه وألقوه في حفرة فيها جيفٍ, وأقذار، فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده، فصاح بأعلى صوته: ويلكم!! من عدا على إلهنا الليلة، فسكت أهله.. ففزع واضطرب، وخرج يبحث عنه، فوجده منكساً على رأسه في الحفرة، فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه، وقال له: أما والله يا مناف لو علمت من فعل هذا لأخزيته، فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم.. فحملوه وألقوه إلى تلك الحفرة المنتنة، فلما أصبح الشيخ التمس صنمه فلم يجده في مكانه، فغضب وهدد وتوعد، ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه، ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما ضاق بالأمر ذرعاً راح إليه قبل منامه وقال: ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أستها، ثم علق في رأس الصنم سيفاً، وقال: ادفع عدوك عن نفسك، فلما جن الليل حمل الفتية الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيه النتن والجيف، فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر، قال:
ورب يبول الثعلبان برأسه لقد خاب من بالت عليه الثعالب
ثم دخل في دين الله - تعالى -.. وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين، وانظر إليه.. لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر.. منعه أبناؤه لكبر سنه.. وشدة عرجه.. فأصر على الخروج للجهاد، فاستعانوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره بالبقاء في المدينة، فبقى فيها.. فلما كانت غزوة أحد، أراد عمرو الخروج للجهاد.. فمنعه أبناؤه، فلما أكثروا عليه، ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدافع عبرته، ويقول: يا رسول الله إن بَني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، قال: إن الله قد عذرك، فقال: يا رسول الله.. والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة …
فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخروج، فأخذ سلاحه وقال: اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني إلى أهلي، فلما وصلوا إلى ساحة القتال، والتقى الجمعان، وصاحت الأبطال، ورميت النبال، انطلق عمرو بن الجموح يضرب بسيفه جيش الظلام، ويقاتل عباد الأصنام، حتى توجه إليه كافر من كفار قريش بضربة سيف كُتِبَت له بها الشهادة، فدفن - رضي الله عنه -.. ومضى مع الذين أنعم الله عليهم، وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية - رضي الله عنه -نزل بمقبرة شهداء أحد سيل شديد غطى أرض القبور، فسارع المسلمون إلى نقل رفات الشهداء، فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح، فإذا هو كأنه نائم، لين جسده.. تتثنى أطرافه لم تأكل الأرض من جسده شيئاً …
فتأمل أخي الحبيب كيف أن الله - تعالى - ختم له بالخير لما رجع إلى دين الله، وليس هذا فحسب، بل نجد أنه صدق الله فصدقه الله..
نعم إخوتي من أخلص لله وصدق مع الله كان الله - تعالى - هو حسبه ووكيله في الدنيا والآخرة.
بل انظر أخي الكريم كيف أن الله - تعالى - اظهر كرامةً لهذا الصحابي الجليل في الدنيا قبل الآخرة لما حقق لا إله إلا الله، هذه الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات … وهي سبب دخول الجنة، ولأجلها خلقت الجنة والنار، وانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار.. وأبرار وفجار …
فلا تزول قدما العبد بين يدي الله - تعالى - حتى يسأل عن مسالتين، ماذا كنتم تعبدون، وماذا أجبتم المرسلين.
والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد