هو أحمد بن حنبل بن هلال الشيباني ولد في بغداد ويلتقي نسبه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزار بن معد بن عدنان وكان من قبيلة شيبان
وصل الإمام أحمد بهذا النسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الذروة لأنه نسب عربي شريف طاهر وكان رغم هذا كله أكثر الناس تواضعا من غيره , توفي والده وهو في الثلاثين من عمره وجده كذلك من والده فلم ير أباه ولا جده فعاش يتيما في كنف أمه التي أشرفت على تربيته ورعايته
تزوج الإمام أحمد وهو في الثامنة والثلاثين من عمره , أنجب من أول زوجاته صالحا ثم أنجب من أخرى عبد الله تأخر الزواج بالإمام أحمد وكان السبب هو الاهتمام بالعلم وطلب الحديث الذي كان يتطلب الأسفار البعيدة من مكان إلى آخر وبعد موت أم عبد الله تسرى الإمام أحمد بجارية له فأنجبت له زينب
زهده وثقة الناس به:
قضى الإمام أحمد حياته في زهد فإذا لم يجد عملا في يومه التقاط بقايا الزرع في الطريق بعد الحصاد المنقول إلى السوق وكان أحيانا يعمل حمالا وأيضا نساجا ينسج ثم يبيع ما ينسج.. وكان يرفض عطايا الخلفاء ويعف عنها ويقول لأهله وأقربائه: (لم تأخذونه , والثغور معطلة غير مشحونة والفيء غير مقسوم بين أهله) ولم يكن نهيه لأقربائه بالكلام فقط فأخذ يقاطعهم ولا يؤاكلهم حتى أنه لا يأكل الخبز الذي يخبز في تنورهم وبنارهم.. وصدق من قال لولا أحمد لمات الورع ثقة الناس به كان الإمام أحمد موثوق الجانب بين الناس فكان أحيانا يقرأ للرجال وللنساء بعض ما كان يكتبه الجنود لأهاليهم حتى لدرجة بوح بعض الجنود لأزواجهم بمشاعرهم فلا يجدنا النساء حرج في ذلك ثقة في بالإمام أحمد وحين يكتب لهن بعض الرسائل لأزواجهم في الثغور كان لا يكتب كل شيء عن طريق إملائهن لان بعض الألفاظ التي تدل على المشاعر الخاصة بين الزوجين مما هي مباحة بينهما فهو يراها من الأسرار التي يجب أن لا تتعدى دائرتها الخاصة
قوة ذاكرته وجديته في طلب العلم:
قوة ذاكرته وجديته في طلب العلم لقد أنعم الله على الإمام أحمد بذاكرة قوية ساعدته على النبوغ والبراعة فيما يقول ويتحدث يروي عنه: كنت أذاكر وكيعا بحديث الثوري فكان إذا صلى العشاء وخرج من المسجد إلى منزله فكنت أذاكره فربما ذكر تسعة أحاديث أو عشرة فأحفظها فإذا دخل قال لي أصحاب الحديث إمل علينا فأمليها عليهم فيكتبونها ولقد رآه رجل من معاصريه والمحبرة في يده يكتب , ويستمع فقال له: يا أبا عبد الله: أنت قد بلغت هذا المبلغ , وأنت إمام المسلمين فقال: مع المحبرة إلى المقبرة وكان يقول: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر ومن شدة إخلاصه كان يقول: إظهار المحبرة من الرياء وكان يؤثر ألا يسمع به أحد فكان يقول: أريد النزول بمكة ألقى نفسي في شعب من تلك الشعاب حتى لا أعرف كان الإمام أحمد مولعا في السفر إلى اليمن , لأن فيها عالما جليلا هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني , ونوى الإمام أحمد زيارة هذا الشيخ في بلده ولكن بينما هو وشيخه يحيى بن معين يطوفان طواف القدوم إذا عبد الرزاق بن همام يطوف فرآه ابن معين وكان يعرفه فسلم عليه وقال له: هذا أحمد بن حنبل أخوك , فقال: حياه الله وثبته فإنه يبلغني منك كل جميل قال: نجيء إليك غدا إن شاء الله حتى نسمع ونكتب , فلما أنصرف قال الإمام أحمد معترضا لم أخذت على الشيخ موعدا؟! قال: لنسمع منه وقد أراحك الله - سبحانه و تعالى - مسيرة شهر ورجوع شهر والنفقة , فقال الإمام أحمد ما كان يراني وقد نويت نية أن أفسدها تقول نمضي فنسمع منه ثم مضى بعد الحج حتى سمع بصنعاء
رحلته لطلب الحديث:
نموذج لإحدى رحلات الإمام أحمد في طلب الحديث الشريف: سار الإمام أحمد مرة من بغداد إلى الشام ليسمع من محدث مشهور , فلما بلغه وجده يطعم كلبا , وجلس ابن حنبل واستمر المحدث في إطعامه للكلب زمنا أغضب ابن حنبل , فلما انتهى المحدث من إطعامه الكلب التفت إلى ابن حنبل وقال له: لعلك وجدت عليّ في نفسك؟ فأجابه: نعم.. فقال المحدث: إنه ليس بأرضنا كلاب , وقد قصدني هذا الكلب , ورجاني أن أطعمه وأسقيه , فعلمت أنه جائع وظمآن فأطعمته وسقيته وأجبت رجاءه , لأني سمعت من أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة.. فابتسم ابن حنبل وقال: يكفيني هذا الحديث , وعاد إلى بغداد
ثمرات مجالس الإمام:
لقد بدأ زرع الإمام يثمر من أول يوم جلس فيه للتعليم وتدريس الحديث حتى أن بعض الرواة كان يحصي عدد الذين كانوا يستمعون إلى درسه نحو خمسة آلاف , وأنه كان يكتب منه نحو خمسمائة ولبعض كان يحضر درسه فقط لأخلاقه وآدابه. قال سلمة بن شبيب: كنا عند الإمام أحمد فجاءه رجل فدق الباب , وكنا قد دخلنا عليه خفيا , فظننا أنه غمز بنا , فدق ثانية وثالثة فقال الإمام أحمد: أدخل قال فدخل فسلم وقال أيكم الإمام أحمد..؟ فأشار بعضنا إليه , قال: جئت من البحر من مسيرة أربعمائة فرسخ , أتاني آت في المنام فقال: إئت الإمام أحمد وسل عنه , فإنك تدل عليه , وقل له إن الله عنك راض , وملائكة سماواته عنك راضون , وملائكة أرضه عنك راضون قال: ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة
الإمام أحمد والمحنة:
آثار المعتزلة مسألة خلق القرآن وكانوا من المقربين إلى المأمون وهم الذين أخبروه بطريقة أو بأخرى على إلزام العلماء والفقهاء والمحدثين بهذا الرأي عرض الأمر على الأمام أحمد فلم يوافق ولم يرضخ كباقي العلماء فأخذ الإمام إلى سجن التعذيب وهو تحت السياط والسلطان الضعيف يرى الأمام أحمد يزداد قوة وثبات وهذا ما كان يغيظ المعتصم أكثر من أي أمر آخر.. فلما ضرب الإمام أحمد سوطا قال: بسم الله , فلما ضرب الثاني: قال لا حول ولا قوة الا بالله , فلما ضرب الرابع قال: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. فضرب تسعة وعشرين سوطا وكان رباط سرواله حاشية ثوب فانقطعت فنزل السروال إلى عانته , فقال الراوي الساعة ينهتك , فرمى الإمام أحمد طرفه تحت السماء وحرك شفتيه فما كان بأسرع من أن ارتقى السروال , ولم ينزل حيث قال في دعائه: اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش , إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترا.. بمعية الله - سبحانه و تعالى - الإمام أحمد يقهر المعتصم: أقبل المعتصم وجلس على كرسيه فقال: هاتوا أحمد ابن حنبل , فجيء به فلما أن وقف بين يديه قال له المعتصم: كيف كنت يا أحمد في محبسك البارحة..؟ فقال: بخير والحمد الله إلا إني رأيت يا أمير المؤمنين في محبسك أمر عجبا , قال له وما رأيت؟ قال: قمت في نصف الليل فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين , فقرأت في ركعة الحمد الله وقل أعوذ برب الناس وفي الثانية الحمد الله وقل أعوذ برب الفلق ثم جلست وتشهدت وسلمت ثم قمت فكبرت فقرأت الحمد الله وأردت أن أقرأ قل هو الله أحد فلم أقدر ثم اجتهدت أن اقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر فمددت عيني في زاوية السجن فإذا القرآن مسجى ميتا فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته فقال له: ويلك يا أحمد والقرآن يموت..؟! فقال له الإمام أحمد: فأنت كذا تقول: إنه مخلوق وكل مخلوق يموت فقال المعتصم: قهرنا أحمد قهرنا أحمد
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد