هو الأستاذ العلامة المحدث أبو الأشـبـال الشيخ أحمد بن محـمـد شاكر بن أحمد ابن عبد القادر. ولد - رحمه الله - بعد فجر يوم الجـمـعـة فـي الـتـاسـع والعشرين من شهر جمادي الأخـرة سـنـة 1309هـ المـوافق 1892م بمنزل والده بالقاهرة، ثـم ارتـحـل مـع والـده إلـى السودان حيث كان قد عُينَ قاضياً فيها.
درس الشيخ أحمد شاكر فـي الـسـودان بكـلـيـة »غـوردن« ثم بـعـد رجـوعـه إلـى مصر درس بالإسكندرية، ثم التحق بالأزهر الذي صار والده وكيلاً لمشيخته سنة 1328هـ.
وانـتـقـال الشيخ إلى الأزهر كان بداية عهد جديد من حياته، فقد استطاع أن يتصل بكثير من العلـمـاء وطلـبة العلم الموجودين في القاهرة ثم بدأ ينتقل في مكتبات القاهرة ويستفيد من العلماء ويكثر مـن الـمطالعة وقد حاز على الشهادة العالمية من الأزهر سنة 1917م وعمل في التدريس لمدة أربعة أشهر فـقـط، ثـم عـمـل في سلك القضاء حتى أحيل على التقاعد سنة 1951م.
ولم ينقطع خلال فترة اشتغاله بالقضاء عن المطالعة والتصنيف، بـل إنـه أثـرى الـمـكـتـبـة الإسلامية بأبحاثه القيمة وتحقيقه لأمهات الكتب المفيدة.
وكانت وفاته في السادس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1377هـ الموافق 1958م.
أشهر شيوخه:
تربى الشـيـخ أحمـد شـاكـر في بيئة علمية، فوالده كان وكيلاً للأزهر، وجده لأمه العالم الجليل هارون عبد الرزاقº بالإضافة إلى وجود الأزهر الذي كان يستقطب كبار العلماء من شتى بلدان العالم الإسلامي مما أتاح للشيخ فرصة أن ينهل من معين العلم والعلماء.
ومن أشهر العلماء الذين استفاد منهم:
1 - والده العلامة محمد شاكر، وكان أعظم الناس أثراً في حياته.
2 - الشيخ عبد السلام الفقي، وقد تعلم منه كتب الأدب واللغة والشعر.
3 - الشيخ محمود أبو دقيقة، وتعلم منه الفقه وأصوله بالإضافة إلى أنه تعلم منه الفروسية، والرماية، والسباحة.
4 - علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي.
5 - علامة المغرب ومـحـدثـهـا الـشـيـخ عبد الله بن إدريس السنوسي، وقد أجازه برواية صحيح البخاري وبقية الكتب الستة.
6 - الشيخ طاهر الجزائري من كبار علماء الشام.
7 - العلامة محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وغيرهم من جهابذة العلم.
جهوده في خدمة السنة:
أهم المصنفات التي حققها وعلق عليها:
1 - تحقيق كتاب الرسالة للإمام الشافـعـي تحقـيـقـاً علمـياً نافعاً ينم عن غزارة علمه وسعة اطلاعه، وهو أول كتاب عرف به الشيخ أحمد.
2 - تحقيق (الجامع) للترمذي عن عدة نسخ، وصل فيه إلى نهاية الجزء الثالث.
3 - تحقيق وشرح مسند الإمام أحمد بن حنبل، وقد شرع بخدمة هذا الكتاب من 1911م حتى بدأ بطباعته سنة 1946م، فهرس أحاديثه حسب الـمـوضوعـات، وخرجها وشرح مفرداته وعلق عليه تعليقات هامة ومفيدة، ولكنه لم ينته من تخريج كامل أحاديث المسند بل وصـل إلى ثلـث الكتاب تقريباً، وعدد الأحاديث التي حققها [8099] وقـدم للـكـتـاب بنقل كتابين جعـلـهـمـا كالـمقدمة بالنسبة للمسند هما: »خصائص المسند« للحافظ أبي موسى المديني »والمصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد« لابن الجزري.
4 - تحقـيق مختصر سنن أبي داود للحـافـظ الـمـنـذري، ومـعـه مـعـالم السنن للخطابي، وتهذيب ابن قـيِّـم الجوزية، بالاشتراك مع الشيخ محمد حامد الفقي، وطبع الكتاب في ثمانية مجلدات.
5 - تحقيق صحيح ابن حبان: حقق الجزء الأول منه فقط.
6 - شرح ألفية السيوطي في علم الحديث، وطبع الكتاب في مجلدين.
7 - الباعث الحثيث شرح »اختصار علوم الحديث« للحافظ ابن كثير.
8 - تحقيق كتاب »الإحكام في أصول الأحكام« لابن حزم.
9 - عـمـدة التفـسـيـر عـن الـحـافـظ ابـن كثير اختصره وحذف منه الأسانيد، والـروايـات الإسرائيلية والأحاديث الضعيفة، وتفاصـيـل الـمـسائل الكلامية، وهو أفضل المختصرات التي طبعت لتفسير ابن كثير.
10 - تخريج أحاديث من تفسير الطبري: شارك أخـاه محـمـود شاكر في تخريج أحاديث بعض الأجزاء من هذا التفسير وعلق على بعض الأحاديث إلى الجزء الثالث عشر.
11 - تحقيق كتاب »لباب الآداب« للأمير أسامة بن منقذ المتوفى سنة 584هـ.
12 - تحقـيـق كـتاب شرح العقيدة الطحاوية. هذا بالإضافة إلى كتب أخرى قيمة في الأدب واللغة، وبحوث مـفـيـدة في الفـقـه والقضايا الاجتماعية والسياسية كتبها في مجلة »الهدي النبوي« حينما كان رئيس تحرير لها، وقـد جمـعـت بـعـض هذه المقالات ونشرت في كتاب بعنوان »كلمة الحق«.
جهوده في المجال السياسي والاجتماعي:
عاش الشيخ أحمد شاكر في فترة امتازت بكثرة الأحداث وتواليها، والدول الإسلامية تئن تحـت نـيـر الاستعمار الإنكليزي والفرنسي، وخور المسلمين وعجز معظم العلماء عن القيام بواجبهم، بـل كـانـوا يشعرون بالانهزامية والصغار أمام هجمات الصليبيين وتلامذتهم من المستشرقين الفكرية وطـعـنـهـم فـي هــذا الـدين، والتركيز على مصر المركز العلمي للعالم الإسلامي، واليهود يخططون لاحتلال فـلسـطين، وأحكام الشريعة الإسلامية أقصيت عن حياة الناس، بفعل الفساد والتخطيط الصـلـيـبـي الماكر ضد هذه الأمة، حتى صار التدين والتمسك بدين الإسلام، وصمة عار وتخلفاً ورجعية.
وأمام هذه الموجات المتلاطمة والعواصف الجارفــة التي تهب بالفساد وقمع الصالحين من العباد، ونصبوا لذلك رايات في كل هضبة وواد.
فلا يقوى على الصمود والمواجهة إلا العظماء من الـرجــال، وما دام أنه كما يقال: لكل زمان دولة ورجال، فقد هيأ الله - سبحانه وتعالى - الشيخ لـيـذود عــن حـيـاض هــذه الأمة ويدافع عن شرفها وعزتها التي لا تكون أبداً إلا بتمسكها بكتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، فانبرى الشيخ للتصدي لكل الأفكار الهدامة متمسكاً بكتاب الله ملتزماً بعقيدة السلف، يقارع الأعداء وتلامذة الغرب من المستشرقين دون أن تلين له قناة أو تخور له عزيمة، مع قلة من أمثاله من الرجال.
وصار يـدبـج ببراعه مقالات نفيسة وتعليقات مفيدة على بعض ما حققه من الكتب، ومن ذلك تعليقاتــه عـلـى تفـسـيـر ابـن جرير الطبري، وعمدة التفسير مفصلاً القول عن آيات الحاكمية وتكفير من لا يحكم بشريعـة الله، وتعـليـقـاته لا تزال مصدراً هاماً لمن جاء بعده من العلماء المجاهدين الذين فتح الله بصيرتهم ولا أريد للقارئ لمقالتي هذه أن يعيش في جو التصور النظري، بل أنصح والدين النصيحة بالاطلاع عـلـى كـتـاب »كـلمة الحق« فليس من سـمـع كمن رأى وعندها يتعرف القارئ على مدى مقدرة الشيخ على البيان وفـصـاحـتـه، ودفاعـه عن هذا الدين الحنيف، وتصديه للمبتدعين، والخرافيين وللمستشرقين وغيرهم.
وأريد أن أخـص بالـذكـر مـن بـيـن المقالات الهامة للشيخ ثلاثة مقالات هي: »أيتها الأمم المستعبدة«، »بيان إلى الأمة المصرية خاصــة وإلـى الأمم العربية والإسلامية عامة«، والثالثة »تحية المؤتمر العربي في قضية فلسطين«.
ستلاحظ من خلالها مواقفه الحازمة وبغضه لأعداء الله، وتـحـريـض الأمـة علـى جـهـاد المستعمر الذي نهب خيرات البلاد ونشر في الأمة الفساد.
منهجه في تصحيح الأسانيد:
غـلــب على الشيخ في مجال البحث العلمي الاهتمام بتخريج الأحاديث ودراسة أسانيدها خاصة في تخريجه لأحاديث المسند.
وعند تتبع الأسانيد التي حكم عليها بالصحة، يلاحظ أن أهم القواعد التي يسير عليها في تصحيح إسناد حديث ما هي كالآتي:
1 - إذا ذكــر البخاري الراوي في »تاريخه الكبير« وسكت عنه، ولم يذكره في الضعفاء فإن الشيخ يعتبر سكوته توثيقاً للراوي.
2 - إذا ذكـر ابن أبي حاتـم الــراوي فـي »الجرح والتعديل« وسكت عنه أيضا، فإن الشيخ يعتبر سكوته عن الراوي توثيقاً له.
3 - كان يعتمد على توثيق ابن حبان فالرواة الذين ذكرهم ابن حبان في كتاب »الثقات« ثقات عند الشيخ أحمد شاكر.
4 - توثيقه لـ (عبد الله بن لهيعة) بإطلاق.
5 - توثيقه للمجهول من التابعين قياساً لحالهم على حال الصحابة.
ومما أخذ على الشيخ أمور:
الأولى: معظم الكتب الهامة التي قام بتحقيقها أو شرحها لم يكد يتممها وكأنه كان يشتغل بأكثر من كتاب في وقت واحد، فالترمـذي والـمـسـند وصحيح ابن حبان وتفسير ابن كثير وتفسير الطبري، وغيرها، لم تكتمل، ولو أكملها لكانت الفائدة أوسع وأكثر، فلا تكاد تجد من يسد هذا الفراغ الذي تركه الشيخ، فمنهجه وأسلوبه يختلف عمن جاء من بعده.
الثانية: في نقد منهجه في تصحيح الأسانيد بناء على أهم القواعد المذكورة آنفاً. فالبخاري في »التاريخ الكبير« وكذا ابن أبي حاتم في »الجرح والتـعـديـل« لا يعـتـبـر سكوتهما عن الراوي تعديلاً له، فقد يذكر البخاري في كتابه راوياً ضعيفاً ويسكت عنه، وقد يسكت عن بعض الرواة المجـهـولـيـن، ويـسـكت أحياناً عن بعض الرواة الذين لم يعرفهم ولم يـفـرق بـيـن أسمائهم. وأما ابن أبي حاتم فقد يسكت عن الرواة الذين لم يتمكن من معرفة أحوالهم فقد قال في مقدمة كتاب الجرح والتعديل:
»على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل، كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روي عنه العلم وجاء وجــود الجرح والتعديل فيهم فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله - تعالى - «.
أما اعتماده على توثيق ابن حبان، فابن حبان كان متساهلاً في التوثيق فما كل من ذكرهم في »كتاب الثقات« بثقات.
وقد تكلم عن تساهل ابن حبان في الـتـوثـيـق العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني في كتاب »التنكيل« وكذا الشيخ ناصر الألباني في مواضع من السلسلة الضعيفة. فكان مما قاله الألباني: »إن ابن حبان متساهل في التوثيق، فإنه كثيراً ما يوثق المجهولين حتى الذين يصرح هو بنفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه«.
وتساهله نابع من اصطلاحه في تعريف العدل، فـالعدل عنده من لم يعرف منه الجرح إذ الجرح ضد التعديل، فمن لم يعلم بجرح فـهــو عدل إذا لم يبين ضده إذ لم يكلف الناس معرفة ما غاب عنهم(1).
وأما توثيقه لعبد الله بن لهيعة بإطلاق فهو موضع انتقاد أيضاً.
إذ أن عبد الله بن لهيعة ضعفه أكثر العلماء الذين يعتد بقولهم كابن معين، والنسائي وابن المديني، والجوزجاني، وابن حبان، والذهبي، وابن خزيمة، لأنه اختلط في آخر عمره بعد احتراق كتبه وأما من روى عنه قبل الاختلاط فروايته صحيحة، والذين رووا عنه قبل أن يختلط وقبل احتراق كتبه هم العبادلة. »عبد الله ابن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن المقرئ« وفي غير رواية هؤلاء عنه فهو ضعيف.
وأما توثيقه للمجهولين من التابعين فليس بصحيح، وإنما فعل ذلك قياساً لحال هؤلاء على حال الصحابة، والفرق واضح، فالصحابة مشهود بعدالتهم وثقتهم وقد - رضي الله عنه - م ورضوا عنه، وليس حال التابعين كذلك، قال الحافظ ابن حجر: »ثم إن من بعد الصحابة تلقوا ذلك منهم وبذلوا أنفسهم في حفظه وتبليغه، وكذلك من بعدهم إلا أنه دخل فيمن بعد الصحابة في كل عصر قوم ممن ليست لهم أهلية ذلك وتبليغه،فأخطأوا فمما تحملوا ونقلوا، ومـنهـم مـن تـعـمـد ذلك فدخلت الآفة فيه من هذا الوجه، فأقام الله طائفة كثيرة من هذه الأمة للذب عن سـنـة نـبـيـه - صلى الله عليه وسلم - فـتـكـلـمـوا فـي الـرواة عـلـى قصد النصيحة«(2).
لكن الشيخ أحمد شاكر إذا مر بتابعي وكان مجهولاً، فكثيراً ما يكرر العبارة الآتية: »وهو تابعي، فأمره على الستر والعدل حتى يتبين فيه جرح«.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد