القاضي يضرب وكيل أم الخليفة


بسم الله الرحمن الرحيم

  

الخيزران: هي أم هارون الرشيد، وكانت قد وجهت رجلاً يشتغل في التطريز ليطرّز لها ثياباً في الكوفة. وكان والي الكوفة عيسى بن موسى فجاءه الأمر ألا يتعرض للقاضي شريك، فكان هذا القاضي حرّ التصرف لا يُعصى له أمر، ولا سلطان للأمير عليه.

وفي يوم من الأيام خرج على الناس رجل ومعه جماعة من أصحابه،عليه جبة خز وطيلسان، على برذون فاره، وإذا رجل بين يديه مكتوف، فلما مرّ بيت القاضي صاح الرجل:

واغوثاه! أنا بالله ثم بالقاضي. ففتح شريك الباب وخرج، فدعا به، فإذا ظهره مكشوف وآثار الضرب فيه، فأقعده إلى جنبه وقال له:

ما شأنك؟

قال: أنا رجل أطرّز وأعمل الوشي، هذه صناعتي، وكراء مثلي مئة في الشهر. وأخذني هذا منذ أربعة أشهر قسراً، وحبسني وألزمني بالعمل له بالقوة، لا يعطيني أجراً، ولي عيال قد ضاعوا، فهربت منه، فلحقني فضربني وكتفّني.

فقال شريك للوكيل: قم فاجلس مع خصمك.

قال: أصلحك الله يا أبا عبد الله! هذا من خدم السيدة وهذا أمرها، فاحبسه حتى يشتغل لها!

قال: ويلك! قم فاجلس معه كما يقال لك. فقام فجلس معه.

قال: ما هذه الآثار التي تظهر بظهر هذا الرجل؟ من أثرها به؟

قال: أصلح الله القاضي! إنما ضربته أسواطاً بيدي، وهو يستحق أكثر من هذا، لأنه لم يشتغل للسيدة، احبسه حتى يشتغل.. هذا أمر السيدة! فألقى شريك رداءه، وقام فدخل داره وأخرج سوطاً، وضرب بيده إلى مجامع ثوب الوكيل وقال للرجل: اذهب إلى أهلك، وجعل يضرب الوكيل..

فهمّ أعوان الوكيل أن يخلّصوه فقال: من هاهنا من شباب الحي؟

فجاءه جماعة فقال: من وقف من هؤلاء فاذهبوا به إلى الحبس، فهربوا جميعاً وتركوه..! وما زال يضربه حتى رأى أن ذلك يكفيه، فتركه، فانصرف وهو يهدده بانتقام السيدة.. وأراد الوكيل أن يركب برذونه فاستعصى عليه، ولم يكن معه من يمسك له الركاب، فجعل يضرب البرذون، فصاح به شريك، أرفق به ويلك! فإنه أطوع لله منك. فمضى ماشياً...

وهنا التفت إلى القاضي شريك أحد رفقائه وقال له: قد فعلت – والله - فعلة ستكون لها عاقبة مكروهة! من ضَربَ وكيل الخيزران فكأنه ضربها، ومن ضربها فكأنما ضرب الخليفة.

قال: أعزّ أمر الله يعزّك.

وذهب الوكيل إلى عيسى بن موسى أمير الكوفة فدخل عليه شاكياً باكياً، وكشف له عن ظهره، فارتاع الوالي وغضب وقال: من فعل بك هذا؟

قال: شريك.

قال: لا والله ما أتعرض لشريك.

قال: سأشكوك إلى السيدة.

قال: لا أتعرض لشريك.

فمضى الوكيل إلى بغداد فما رجع!!!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply