معركة البويب الطاحنة .. انتقام الأسد الجريح


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الهزيمة الطارئة:

منذ أن رفعت راية الجهاد على الجبهة العراقية في بداية السنة الثانية عشرة من الهجرة على يد القائد المظفر خالد بن الوليد، وخاض المسلمون معارك طاحنة هائلة، وكلها متقاربة في التوقيت، واستطاع المسلمون بفضل الله - عز وجل - وحده أن يحققوا النصر فيها كلها، حتى جاء يوم الجسر بعد أن تغيرت القيادة لحاجة الجبهة الشامية للعبقرية الخالدية، وأصبح القائد الجديد هو أبو عبيدة الثقفي، ولم يكن على نفس المستوى الفني لقيادة الجيوش المسلمة بالعراق، فحقق عدة انتصارات، حتى وقع في غلطة عسكرية كبيرة أثناء معركة الجسر أدت لهزيمة المسلمين لأول مرة من الفرس، ومما ساعد على مضاعفة حجم الخسائر تهور أحد الجنود المسلمين حين قطع الجسر الذي كان يمثل خط الرجوع الوحيد للمسلمين، مما أدى لغرق كثير من المسلمين بنهر الفرات، وإصابة الكثير من المسلمين بجراحات خطيرة أثناء محاولاتهم إعادة ربط الجسر المقطوع، ومن هؤلاء المصابين القائد المثنى بن حارثة، والذي تولى قيادة المسلمين بعد استشهاد أبي عبيدة الثقفي.

 

كان لوقع هذه الهزيمة الطارئة على المسلمين أثر بالغ في سياسة الخليفة عمر بن الخطاب من حيث إرسال الإمدادات، وتجهيز الجيوش المسلمة، خاصة بعد أن فر كثير من الجنود من أرض معركة الجسر، وهاموا على وجوههم خجلاً وحزناً من مصابهم، ولم يبق مع الأسد الجريح المثنى بن حارثة سوى ثلاثة آلاف فقط، فسمح الخليفة ولأول مرة لمن سبقت ردته بالاشتراك مجاهداً في سبيل الله، وذلك بعد أن حظر عليهم الاشتراك في الفتوحات، وكان كثير منهم يتحرق شوقاً لذلك تكفيراً عن خطيئته السابقة، وقام الفاروق أيضاً بتجميع قبيلة بجيلة وكانت متفرقة بين القبائل وذلك بناء على طلب سيدهم الصحابى الجليل جرير بن عبد الله البجلي، وصارت تلك القبيلة عماد الجيوش الإسلامية بالعراق، وبذلك استطاع الخليفة عمر بن الخطاب أن يسد الفراغ الناشئ بعد الهزيمة الطارئة بمعركة الجسر.

 

أليس الصغرى:

دائماً يظن أعداء الإسلام أن المسلمين أضعف وأقل من أن يفيقوا من الضربات التي توجه إليهم، ولكن جند الإسلام المخلصين لا توهنهم أمثال هذه العثرات الطارئة، فهم على استعداد تام لتلقين الأعداء الدرس تلو الآخر، ففي اليوم التالي لمعركة الجسر مباشرة خرج قائدان من أكبر قواد الفرس وهما جابان ومرادنشاه للتنزه على ظهور الخيل فرحاً بانتصارهم على المسلمين، وهم يحسبون أن المسلمين قد فروا بلا رجعة من العراق، ولكن أسد الله الجريح المثنى قد بث عيونه وجواسيسه بالمنطقة خوفاً من أن تصل إمدادات فارسية جديدة للمنطقة، بينما المسلمون عددهم ثلاثة آلاف فقط، وبالتالي يكون على استعداد تام لمواجهة كافة الاحتمالات.

 

نقلت هذه الاستخبارات خبر خروج جابان ومرادنشاه للنزهة في قلة من حراسهم، نقلوا ذلك للقائد المثنى الذي قرر توجيه ضربة موجعة للفرس، حتى لا يتمادوا في طغيانهم، فقاد المثنى مجموعة مختارة من فرسانه للقيام بعملية فدائية ضد جابان ومرادنشاه، وبالفعل استطاع المثنى أن يأسرهما، وفي الحال قرر المثنى إعدامهما فوراً، وقال لهما في غيظ: أنتما غررتماه وكذبتماه واستفززتماه ثم ضرب عنقيهما بيده في الحال، ليعلم أعداء الإسلام أنه لا رحمة في قلوب المسلمين تجاه أعدائهم، وكانت هذه الضربة المؤلمة عند منطقة أليس، وقد جعلت الفرس يفيقون من سكرتهم ونشوتهم بالنصر الطارئ الذي حققوه على المسلمين.

 

 الكافر بن المؤمن:

كان القائد الكبير رستم بحكم خبرته العسكرية الكبيرة والطويلة يعلم أن الهزيمة الطارئة يوم الجسر لا تمثل تغييراً كبيراً في ميدان القتال، فقرر التجهيز والتحضير لجيش جرار للقضاء على جيش المسلمين الصغير بالعراق، لذلك طلب الاجتماع مع ملكة الفرس بوران بنت كسرى، وكانت ذات حكمة مشهورة، ومن أذكى النساء وأدهاهن، وأعلمهن بشئون الحرب، اجتمع بها كي يطلب منها اعتمادات مالية ضخمة لتجهيز جيش جديد، ويكون ذلك على وجه السرعة، وقبل وصول الإمدادات للمسلمين والتي قد وصل خبر قدومها لرستم وبالفعل وافقت بوران على ذلك.

قرر رستم أن يعد جيشاً جديداً يحشد فيه أقوى الأسلحة الفارسية ألا وهو سلاح الفرسان، وجعل على قيادته القائد مهران بن باذان، والعجيب أن مهران هذا والذي يعتبر من أمهر قادة الفرس هو بن باذان، وهو من جملة الصحابة، وكان عاملاً لكسرى على اليمن، ودخل في الإسلام بعدما تيقن من نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأبلى باذان في حروب الردة بلاءً حسناً حتى مات مسلماً في جملة الصحابة، فكان هذا القائد الجديد مهران يستحق وصف الكافر بن المؤمن، فالأب مؤمن يحارب في سبيل الله ونصرة الإسلام والابن كافر، قائد لجيوش الكفر، يحارب في سبيل المجوسية وعبادة النار.

 

بالفعل تم إعداد جيش فارسي من أقوى الجيوش التي أعدت لحرب المسلمين، ويتكون من مائة ألف فارس، وخمسين ألفاً من المشاة، يقودهم أمهر القادة الفرس: مهران بن باذان، مدعوماً من القيادة الملكية الفارسية، وموعوداً بأعظم المكافآت والإقطاعات في حالة النصر على المسلمين.

 

استراتيجية القيادة الإسلامية:

كان القائد المثنى بن حارثة من أمهر وأقدر وأخبر القادة المسلمين بالعقلية الفارسية والبيئة العراقية، لأنه من قبيلة شيبان المجاورة للفرس، فهو يعلم تماماً كيف يفكر الفرس، ويعلم تحركاتهم وردود أفعالهم، لذلك اتبع استراتيجية عسكرية حكيمة، فقرر نقل مركز القيادة المسلمة من الحيرة إلى منطقة البويب غرب نهر الفرات، حتى لا يصبح صيداً سهلاً للجيش الفارسي الجرار، وكان اختيار البويب دليلاً على العبقرية الفذة، فالبويب تقع على أطراف الصحراء العربية، وهو مكان واسع المطرد يصلح لحرب الصاعقة التي يجيدها أبناء الإسلام العرب، وفي نفس الوقت أرسل المثنى إلى قادة الإمدادات الإسلامية القادمة ليتوجهوا إلى منطقة البويب بدلاً من الحيرة على وجه السرعة، مما جعل قادة الإمدادات يقررون ترك النساء والذرية خلفهم فى منطقة القادسية، مع ترك حامية خاصة للدفاع عنهم، وهذا الفعل جعل حركة الإمدادات في منتهى السرعة.

 

لم يكن المثنى مخطئاً في تصرفه هذا، فما كادت الإمدادات تصل لأرض البويب حتى طلع الجيش الفارسي العرمرم على ضفة نهر الفرات الشرقية، ولنا أن نتخيل هذا اللقاء الدامي بين جيش الفرس الذي يقدر بمائة وخمسين ألفاً من الفرسان والمشاة، جاءوا في أفضل تسليح، وكانوا في غاية الحنق والغيظ ضد المسلمين، وكذلك في غاية الكبر والتيه لانتصارهم الطارئ في معركة الجسر، وجيش المسلمين المكون من أثنى عشر ألفاً من المقاتلين الأشداء الذين يتحرقون شوقاً للشهادة في سبيل الله، وللانتقام لقتلاهم يوم الجسر، والتكفير عن ذنب الفرار من المعركة يومها، وهي معادلة من وجهة النظر المادية المجردة من أسباب السماء محسومة لصالح الفرس المتفوقين في كل شيء إلا الإيمان، والذي لا ترجح معه أعظم قوة في العالم.

حاول القائد الفارسي مهران استدراج القائد المسلم المثنى لأن يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه قائد معركة الجسر أبو عبيدة الثقفى، وعرض عليه أن يعبر المسلمون النهر الفرات، لتكون أرض المعركة في الضفة الشرقية، وبالتالي يكون المسلمون محاصرون بين الضغط الفارسي أمامهم ومياه النهر في ظهورهم، وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بعد يوم الجسر قد أوصى قادة الفتح بوصية نافعة، فقال: {لا يعبر المسلمون بحراً ولا جسراً إلا بعد ظفر}، فامتنع المثنى من تكرار غلطة أبي عبيدة، وعمل بنصيحة أمير المؤمنين، ورفض أن يعبر النهر، وطلب من الفرس أن يعبروا هم النهر إلى البويب.

 

***[يجب على المسلمين أن يتعلموا من أخطائهم السابقة، ليستفيدوا في مواجهات المستقبل التي مازالت تتكرر وتقع على المسلمين، عملاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين} والعجيب أن المسلمين ما زالوا يكررون أخطاء الماضي، في غفلة غريبة وذهول مريب كأنه ما من دماء أريقت ولا أرض ضاعت ولا مقدسات سلبت، مازال المسلمون يصدقون أعدائهم، ويثقون فيمن لا عهد له ولا ذمة، والضحية الحقيقية لهذه الغفلة هي أمة الإسلام].

 

طلب القائد المثنى بن حارثة من جيش المسلمين أن يفطروا، لأن المعركة كانت في شهر رمضان، والصوم يضعف قوة المقاتل في المعركة، فنادى في الجند: {إنكم صوام، والصوم مرهقة مضعفة، وإني أرى من الرأي أن تفطروا، ثم تقووا بالطعام على قتال عدوكم}، فأطاع الجند وأفطروا جميعاً.

 

**[وهكذا تكون الجندية طاعة كاملة لأوامر القائد الحكيم الفقيه، إذ ربما يعترض البعض ويؤثر الصيام على الفطر، فيضعف عن القتال، وربما يكون سبباً للهزيمة، وحالهم يشبه من قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما رفضوا الفطر، وأصروا على الصيام فأضعفهم: {أولئك العصاة، وقال - صلى الله عليه وسلم - :{ليس من البر الصيام في السفر}].

لما تهيأ الفرس للهجوم كان لهم زجل وهمهمات، وأصوات عالية مشوبة بالكبر والخيلاء والغطرسة، يؤدونها على صورة الأناشيد والأهازيج العالية، فلما سمعهم المثنى بن حارثة قال لجنوده: إن الذي تسمعون فشل، فالزموا الصمت، وائتمروا همساً، وكان مهران يقصد من وراء ذلك إضعاف الروح المعنوية للمسلمين، وما درى أن تلكم الروح الثابتة مصدرها العقيدة السليمة، والإيمان بالله - عز وجل -، وهو سلاح لا يقهر، وكان للقائد المثنى فرس شموس لا يركبها غيره، وكان لا يركبها إلا عند القتال، فاستوى على ظهرها، رغم جراحه الشديدة التي مازال يعاني منها من معركة الجسر، ووقف يسوي الصفوف، وأثناء ذلك رأى جندياً من المسلمين يحاول أن يستقل، فخرج عن الصف قبل الالتحام فقال المثنى: ما بال هذا؟! فقالوا له: هو ممن فر من الزحف يوم الجسر وهو يريد أن يستقتل يعني تكفيراً عن فعلته، فقرعه المثنى بالرمح تأديباً له على إخلاله بالانضباط، ثم قال له: لا أباً لك ألزم موقفك، فإن أتاك قرنك فأعنه عن صاحبك، ولا تستقتل.

 

* في ذلك درس عظيم لهؤلاء الذين يستعجلون من أجل مصلحة ومنفعة على حساب المصلحة العامة، فهذا الجندي يريد أن ينال الشهادة ليكفر بها عن خطيئته، من الممكن جداً أن يكون سبباً للهزيمة، وسريان روح التسيب وعدم الالتزام بالأوامر والنظام، ولربما يقتدي به غيره، فالمصلحة العامة، وطاعة القائد المسلم مقدمة على المصلحة الخاصة وهوى ورغبات النفس، وإن كانت في الشهادة نفسها

 

 المعركة الطاحنة:

استعد الفريقان للصدام المرعب بالبويب، الفرس في أكثر من مائة ألف، والمسلمون في أثنى عشر ألفاً لا غير، وكانت تعليمات المثنى بن حارثة ألا يهجم المسلمون إلا بعد ثلاث تكبيرات، ولكنه ما إن كبر التكبيرة الأولى حتى هجم الفرس بكل قوتهم، وعاجلوا المسلمين في ثلاث صفوف ضخمة، ومعهم سلاح الفيل، وهم يرفعون أصواتهم بالزجل والأناشيد المجوسية، وكان الالتحام شديداً للغاية، وتوازنت الكفتان أول الأمر لصبر الفريقين، وهذا الصبر جعل أمر القتال يطول نسبياً، دون حسم من أي من الطرفين، والمثنى يجول على فرسه الشموس يراقب سير المعركة، ويشد أزر المسلمين في القتال، وأثناء ذلك رأى خللاً في صفوف قبيلة بني عجل، وكان القتال عند المسلمين على أساس قبلي لإثارة الحمية والحماس، فأرسل إليهم رسولاً يقول لهم: إن الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لا تفضحوا المسلمين اليوم، فاعتدلوا في القتال حتى صاروا من أشد الناس في القتال.

 

خالط المسلمون الفرس، والتحم القلبان، واشتد القتال بصورة لم ير المسلمون والفرس مثلها، وكان مسعود بن حارثة أخو المثنى هو قائد الفرسان، وكان من أشجع الناس في القتال، فنادى في الناس وكأنه شعر بدنو أجله، واشتم رائحة الجنة، ورآها رأى العين فقال: إن رأيتموني قتلت فلا تدعوا ما أنتم فيهن فالزموا مصافكم، وأغنوا غناء من يليكم وفعلاً نال ما طلبه، وفاز بما سعى إليه، وسقط شهيداً، ولما رأى أخوه المثنى مصرعه، وتضعضع المسلمين نادى فيهم بأعلى صوته: يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخي، فإن مصارع خياركم هكذا .

 

تطور القتال:

رأى القائد الحكيم المثنى أن أمر القتال سيطول جداً، وأن الفرس يقاتلون بمنتهى الضراوة والشدة، فقرر تغير خطة القتال، ومحاولة اختصار سير المعركة وذلك عن طريق ما يلي:

1. قتل قائد عام جيش الفرس مهران وذلك أقصر طريق لإنهاء القتال، ذلك لأن مقتل القائد عادة يكون من أهم سبب في الهزيمة، وقد جرب المسلمون ذلك في عدة معارك.

2. شن هجوم مركز بقيادة المثنى نفسه على قلب الجيش الفارسي لزحزحته وإبعاده إلى الخلف، لخلخلة الثبات الفارسي في القتال، وإحداث فوضى وارتباك في قطاعات الجيش الفارسي.

 

وبالفعل قاد الأسد الجريح هجوما شرساً ومركزاً بأسلوب الصاعقة المفزع، لتحطيم النفسية الفارسية المتكبرة، وكذلك النفسية المرعبة من المسلمين، وقاد مجموعة من أفضل وأمهر فرسان المسلمين: مثل جرير البجلى وابن الهوبر وقرط بن جماح والمنذر بن حسان وغيرهم، وضغطوا على القلب بمنتهى القوة حتى أزالوه من القلب إلى ناحية اليمين، ثم واصل المسلمون ضغطهم حتى أجبروا القلب على التراجع للخلف، ثم دب الوهن في نفوس وحدات القطاع الأوسط، فتراجعت هي الأخرى عن مواقعها، وبالتالي أصبحت أجنحة الفرس مكشوفة.

 

كان قائد الفرس مهران يقاتل مع قواته الخاصة قتالاً شرساً في القلب رغم تراجعه، وكان المثنى حريصاً على قتل مهران بأية صورة، وبأي ثمن، وكان مهران على فرس وردي اللون، مدرعاً بنحاس أصفر واختلف فيمن تولى قتل مهران، هل قتله المثنى أم جرير بن عبد الله أم المنذر بن حسان والخلاصة أنه قتل في النهاية، وانهارت معنويات الفرس رغم المقاومة الشديدة من جانبهم، إلا أن ضغط المسلمين على جوانب الجيش الفارسي دفعهم في النهاية للفرار من أرض المعركة، بعد أن انفصلت ميمنة الفرس عن ميسرتها، وهجمات المسلمين الصاعقة تطحن فيهم من كل جانب، حتى عمت الهزيمة الجيش الفارسي، وصار أقصى همهم أن ينجوا بحياتهم من هذه المعركة.

 

يوم الانتقام:

سبق أن قلنا أن القائد المحنك والأسد الجريح المثنى بن حارثة لم يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه القائد أبو عبيدة الثقفى في معركة الجسر ولم يعبر النهر، وتركهم يعبرون النهر حتى صاروا محاصرين بين جيش المسلمين ونهر الفرات، فلما وقعت الهزيمة على الفرس وأرادوا الفرار من أرض المعركة بالبويب، وكانوا قد عقدوا جسراً على النهر للعبور، فلما رأى القائد المثنى هزيمة الفرس انطلق كالسهم مخترقاً صفوف الفرس المنهزمة حتى وصل إلى الجسر، وقام بقطعه، ذلك ليقطع خط الرجعة على الفرس، وبالفعل وقع الفرس بين كماشة المسلمين الطاحنة الفتاكة، ودب الفزع والذعر في قلوب الفرس، وأصابهم ما يشبه الهستيريا، وفقدوا صوابهم بعدما رأوا أنفسهم لا ملجأ لهم ولا مفر من سيوف المسلمين التي حصدتهم حصداً تاماً، واعتورتهم سيوف ورماح المسلمين حتى أبادتهم تماماً، وقتل منهم أكثر من مائة ألف، واستمر المسلمون في أعمال مطاردة فلول المنهزمين من الفرس يوماً وليلة، حتى أبادوا البقية الباقية، وانتقم المسلمون لمصابهم في يوم الجسر وبنفس الطريقة، ولكن بعد أن قتلوا من الفرس أكثر من مائة وخمسين ألفاً فداءً للأربعة آلاف شهيد يوم الجسر.

 

كان هذا الانتصار الرائع في البويب من أعظم الفتوحات والانتصارات التي حققها المسلمون في العراق، وقد فاقوا فيها كل الانتصارات السابقة، ولولا شهرة معركة القادسية لكانت معركة البويب هي أشهر وأعظم معارك المسلمين بالعراق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply