مجازر إقليم وان


  

بسم الله الرحمن الرحيم

5 جمادى الآخرة 1333 هـ ـ 20 أبريل 1915م:

لقد عاشت العديد من الأقليات العرقية والدينية في كنف الدولة العثمانية ورعايتها الكاملة حيث الأمن والأمان والحرية في الاعتقاد والعمل والتملك، والضمان الكامل لكافة الحقوق والواجبات, ولكن هذه الأقليات لم تشعر يوماً أنها تابعة للدولة العثمانية، بل كانت في حالة تربص واستنفار دائم، واستعداد كامل للخطة التي ستأتي وتتاح لهم فيها فرصة إفراغ شحنات العداوة والحقد, بل إن هذه الأقليات كانت تدين بالولاء والتبعية الكاملة لبني دينهم حتى ولو اختلفت الأجناس والألسنة، وكان لهذه الأقليات دور بارز - وربما كان الأبرز - في إسقاط الدولة العثمانية([1]).

ومن أكثر الأقليات حقداً وحسداً وتربصاً بالعثمانيين المسلمين، وتعصباً عليهم، وأكثرهم ثورة وخروجاً على الدولة العثمانية هم «الأرمن», وكانوا يسكنون في إقليم «وان» أقصى شرق الأناضول، وهم من النصارى الأرثوذكس، وكانوا أكثر الأقليات انغلاقاً وتقوقعاً على أنفسهم، فهم يرفضون التحدث بغير لغتهم، ولا يتزوجون من غيرهم، وعلى صلات وثيقة بجمهورية أرمينيا المجاورة لهم، والتابعة للسيطرة الروسية، وكان الروس يمدونهم بالمساعدات والأسلحة لكي يثوروا مرة بعد مرة ضد الدولة العثمانية، وكانت منطقة «كيليكيا» تحديداً منبع الثورة الأرمينية، وتشكلت بها عصابات أرمينية مسلحة تهدف لإثارة القلاقل والاضطرابات، والدعوة لطرد الأتراك، وإقامة دولة أرمينية الصغرى.

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى وجدت الدولة العثمانية نفسها غارقة لأذنيها في هذه الحرب بسبب حماقات رجال الاتحاد والترقي المسيطرين على الحكومة العثمانية، ووجدت الدولة نفسها محاطة بالأعداء من كل مكان, فالروس من الشرق، والإنجليز والفرنسيين من الغرب، وحمقى الثورة العربية في الشام جنوباً وهكذا.

وبعد فشل محاولات الجيوش العثمانية على جبهة الشام وقناة السويسº قامت الأساطيل الإنجليزية بمحاصرة مضيق الدردنيل استعداداً للهجوم على إستانبول واحتلالها، فاتجهت معظم الجيوش العثمانية غرباً لمنع نزول الحلفاء بالدردنيل، وأصبحت الجبهة الشرقية في مقاطعة «وان» شبه خالية من الجنود العثمانيين.

وفي يوم 5 جمادى الآخرة سنة 1333هـ - 20 أبريل 1915م، وبالتنسيق والاتفاق مع الحلفاء انطلقت العصابات الأرمينية على مسلمي المقاطعة كالذئاب الكاسرة، وارتكبوا مجازر مروعة بحق المسلمين وخاصة الأتراكº وذلك لوضع العثمانيين بين شقي الرحى، وقد قتل في هذه المجازر المروعة عشرات الآلاف من المسلمين.

الجدير بالذكر أن هجوم الحلفاء على الدردنيل قد فشل بعد ذلك بعدة أيام، فالتفت العثمانيون - وخاصة جمال باشا وزير البحرية - وأنزلوا بالأرمن هناك مذبحة رهيبة قتلوا فيها حوالي نصف مليون أرمني، وشردوهم في بلاد الشام والعراق وروسيا وذلك جزاءً وفاقاً على جرائمهم الفظيعة، وعلى نفسها جنت براقش، وما زال الأرمن لوقتنا الحالي يطالبون تركيا بتعويضات ضخمة عن هذه المجازر, وتركيا ترفض بشدة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply