الدولة الأموية نموذجا لتشويه التاريخ الإسلامي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

كثر اللغط على دولة بني أمية فأدعى البعض أنهم أرهقوا البلاد وظلموا العباد وهذا الإدعاء فيه مبالغة شديدة، ولعل بعضهم قد قارن بين خلافتهم وبين الخلافتين الراشدة والعباسية، فظنوا أنها لم تقدم أي تطور للحياة الإسلامية بمفهومها الحضاري غير تلك الفتوحات التي إمتدت شرقا وغربا. وبالغ بعض مؤرخينا المعاصرين والمتأثرين بالنظرة الاستشراقية في تفسير أحداث التاريخ الإسلامي، فاعتبروها دولة مغتصبة للخلافة، متوقة للزعامة، قامت دعائمها قوية وطيدة بعد أن شردت آل البيت وأبعدتهم عن الحياة السياسية، ثم حولت الخلافة إلى ملك عضوض يتوارث، والأنكى من ذلك أن يذهب بعض هؤلاء المؤرخين إلى الاعتداء على خلفاء تلك الدولة بالتجريح والتشريح لمواقفهم وأفعالهم \" كمعاوية بن أبى سفيان \" الصحابي الجليل - رضي الله عنه - وإبنه \" يزيد بن معاوية\" \"وعبد الملك بن مروان \".... وغيرهم. ثم يقفون عند \"عمر بن عبدالعزيز\" - رحمه الله - ويعدونه النقطة الوحيدة المضيئة في تلك البقعة الزمنية المظلمة، ناسين أو جاهلين أدوار الخلفاء الآخرين في نشر الإسلام وإعلاء كلمته في أرجاء الدنيا. ولنا مع هؤلاء وقفة بسيطة...

فإذا نظرنا إلى الخلافتين السابقة واللاحقة لعهد بني أمية لوجدنا الآتي: الخلافة الراشدة: وهى السابقة لعهد بني أمية فقد كانت فترة ربانية بحق لما فيها من ولع بالدين، وحب للعلم، وشغف بالدراسة، وزهد في الدنيا، \" فرعاياها تلاميذ مدرسة النبي - صلى الله عليه وسلم - \" فأعظم بها من مدرسة!!!!. وخلفاؤها (أبو بكر وعمر وعثمان وعلى)، - رضي الله عنهم أجمعين -. فكم يتوق الناس لتلك الخلافة!!!.

الخلافة العباسية: وهى اللاحقة لخلافة بني أمية، وقد امتازت بالبحث العلمي والنهضة العلمية والأدبية وذلك بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقا وغربا وحدث الامتزاج والذوبان بين الحضارات القديمة ليبرز في النهاية الحضارة الإسلامية بصورتها الرائعة وبريقها الأخاذ، وفى تلك الخلافة تم تدوين التاريخ وكتابته، فإن كانت إرهاصاته قد ظهرت في آخر عهد بني أمية إلا أن حركة التأليف والتأريخ ظهرت بوضوح في ذلك العصر. ويكفينا أن نعرف أن تاريخ بني أمية قد كتب في عهد بني العباس \" ألد أعدائهم \" فكان في هذا نظرة ظالمة مجحفة لهم.

ومما سبق نجد أن لكل حقبة من التاريخ مزاياها الخاصة فدولة راشدة عادلة ثم دولة فتوحات ودراسات ثم دولة حضارية بالمعنى المادي والمعنوي، فما الثانية إلا نتيجة للأولى وما الثالثة إلا خلاصة المرحلتين الأولى والثانية.(1) ونعود لمؤرخينا و كتاباتهم، فنجد أن ما كتبوه مستمد من مصدرين:

الأول: كتابات المستشرقين الحاقدين على الإسلام وتاريخه حضارته وخاصة تلك الدولة التي أدخلت الإسلام شرقا وغربا وما حصار القسطنطينية وفتح الأندلس عنا ببعيد!!!.(2)

الثاني: الروايات الشيعية الملفقة والموضوعة في كتب التاريخ الإسلامي، كتلك التي نقلها \" الطبري - رحمه الله -\" عن أبى مخنف ذلك الشيعي الكذاب، وغيرها كثير.(3)

ثم كيف لهؤلاء المؤرخين يجهلون قدر تلك الدولة العظيمة التي اتسعت رقعتها من حدود الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا كل هذا تحت خلافة واحدة تعلي كلمة التوحيد وتنشر الإسلام في كل مكان، فإن كان لبعض خلفائها هنات فلا نقف عندها لنحلل ونعطي الأمر أكثر مما يستحق ثم نذهب نعمم ونقول للناس أنهم كانوا ظالمين ومعتدين، فهذا الخطأ البين والخطب الفادح، وتلك النظرة المغلوطة للتاريخ الإسلامي قد بدت جلية واضحة في القرن الماضي حيث العلمانية تطبق ذراعيها على العالم الإسلامي، أما الآن ومع تلك الصحوة الإسلامية التي لاحت بوادرها في الأفق، فإننا نأمل كتابات إسلامية صادقة لتاريخنا تذهب للحق فتحقه وتدنيه، وتذهب للباطل فتبطله وتقصيه.

 

ــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلافة الراشدة حدثت فيها الموجة الأولى من الفتوحات الإسلامية، كفتح الشام والعراق وفارس ومصر، ولكني اقتصرت بإبراز السمة الأساسية لتلك الخلافة \"ربانية عادلة \" ثم بلغت الفتوحات الإسلامية الذروة في عهد بني أمية بفتح بلاد السند وإفريقية والأندلس..... وكان العهد الأموي زاخرا بالدراسات الإسلامية في الفقه والحديث وعلوم الدين الأخرى وظهر في الموالي الكثير من الوعاظ والمحدثين.

(2) تم فتح الأندلس بقيادة\" موسى بن نصير\"و \" طارق بن زياد \" في عام 92 هجرية في خلافة \" الوليد بن عبد الملك \"

(3) كان لرواة الشيعة ومؤرخيهم دور بارز في تشويه التاريخ الإسلامي في كتاباتهم مثل \"نهج البلاغة \" لابن أبي الحديد و \"مروج الذهب \" للمسعودي وغيرها...

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply