بسم الله الرحمن الرحيم
عفواً أيها الإخوة فسوف أبدأ حديثي بهذه الكذبة:
خرج أمير المؤمنين الوليد بن يزيد بن عبد الملك من مخدعه ذات مساء ثملا فرأى في طرقات القصر بنتا له معها وصيفتها فلم يكن منه إلا أن اعتدى عليها قالت الوصيفة منكرة: إنها المجوسية فأجاب أمير المؤمنين:
من راقب الناس مات هما *** وفاز باللذة الجسور
قال أبو الفرج الأصفهاني بعد رواية هذه القصة: وهذا خبر باطل لأن البيت لسلم الخاسر ولم يدرك الوليد بن يزيد.
خرج أمير المؤمنين الوليد بن يزيد بن عبد الملك من مخدعه ذات مساء ثملا فرأى في طرقات القصر بنتا له معها وصيفتها فلم يكن منه إلا أن اعتدى عليها
ولا يخفى منصفا أن الخبر يحمل تكذيبه في طياته ولو كان البيت لجرير أو الفرزدق.
وكتب الأدب مليئة بمثل هذه القصص عن الخليفة الذي انتشرت الحكايات عنه في حياته بل وقبل توليه الخلافة إذ كان عمه هشام يسعى لخلعه من ولاية العهد ولم يكن ذلك ليتسنى إلا إذا جعل من ولي العهد رجلا سيء السمعة.
والرجل آنذاك شاب صغير بل هو أصغر ولي للعهد في الدولة الإسلامية حتى حينه مما جعله محلا للحسد من أكفائه في البيت الأموي ولعله أيضا كان على قدر من المجون يجعل سيرته قابلة للإلصاق كما كان المجتمع قابلا للغيظ مما هو أقل مما أشيع لاسيما في أوائل القرن الثاني من القرون المفضلة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وتولى الوليد الخلافة وقام فيها قياما أغاظ أعداءه فلم يشهد عليه انتقاض في أطراف ولايته ولم يأخذ عليه الناس شيئا في أنفسهم ولا أموالهم.
وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك أحد من ملأه الغيظ من الخليفة فهو كما قال عن نفسه كفؤه في الحسب وابن عمه في النسب، فألب عليه من استطاع من الأمراء والقواد وليس بين يديه حجة لما يدعو إليه إلا تلك الشائعات التي ساهم هو وأبناء عمه هشام في ملء الأسماع بها.
ولم تكن الحكمة غائبة عن العقلاء و من أبرزهم العباس بن الوليد بن عبد الملك أخو الثائر الذي توعد أخاه بدفعه لأمير المؤمنين إن عاد لمثل هذه الدعوة.
وقد وعظ العباس هذا بني أمية بمواعظ كثيرة خلاصتها هي ثمرة دراسة هذه الحقبة من التاريخ وهي مقصدي في هذا المقال.
فإن الأمم إذا ظلمت حكامها كمثل الحكام إذا ظلموا أممهم لا يأمن كلاهما سوء العاقبة، وقد عاجلت العاقبة السيئة بني أمية حيث لم تقم لهم بعد الوليد قائمة وأفنوا على يد غلاة بني العباس بعد قتله بسبع سنين فقط، كما عاجلت العاقبة السيئة بني العباس عندما ظلموا الخليفة المتوكل وأصبحوا بعده لعبا في أيدي عبيدهم، أما الأمة التي وقفت مع الظالم أو سكتت عنه فقد توقف امتدادها الديني والسياسي ولم تحقق أي فتح جديد بعد سقوط تلك الدولة العظيمة حتى جاء بنو عثمان الذين لم يكن لفتوحهم من الأثر الثقافي ما كان للفتوح في عهد الملكية الأولى في الإسلام.
ونظير الوليد بن يزيد العديد من الحكام الذين تعجل المتحمسون بالثورة عليهم وتصديق الشائعات فيهم وجعلها مبررات للخروج عليهم وبعدهم لم تشهد أممهم إلا من هم أسوأ منهم.
كان مشهدا شنيعا مشهد قتل الخليفة الذي حوصر في قصره وطلب من خصومه من يأتي لمناظرته فانتدب له يزيد بن عنبسة السكسكي وتتفق الكتب على رواية نص المناظرة على شكل يسقط حجج الثائرين ولكن بعد أن سبق السيف العذل.
قال الخليفة لمحاصريه: أما منكم رجل رشيد أكلمه؟
فخرج إليه يزيد السكسكي فقال له الخليفة: ألم أخدم زمناكم؟ ألم أزد أعطياتكم ألم أدفع الموت عنكم ألم أعط فقراءكم؟
قال السكسكي: والله ما ننقم عليك في أنفسنا ولا أموالنا شيئا ولكنك تنتهك المحارم وتشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله - عز وجل -.
قال الخليفة: حسبك يا أخ السكاسك لقد أكثرت وأغرقت وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرته ثم قال: أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم ولا يلم شعثكم ولا تجتمع كلمتكم.
ورجع إلى القصر ولم يقاتل وأخذ مصحفه وقال: ميتة كميتة عثمان.
وقال له أول من تسور عليه القصر نح سيفك قال الوليد لو أردت القتال لكان غير هذا.
وقتل الوليد وصدقت نبوءته ونبوءة العباس بن الوليد في ما سيكون بعده من الوبال على قاتليه.
ولو كان تصحيح الأحاديث وتضعيفها يصلح بمجرد مطابقتها للواقع لصح ما روي عن أم الدرداء أنها قالت: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما لم يزل طاعة مستحف بها ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد