بسم الله الرحمن الرحيم
28 شعبان 456هـ:
هو الإمام الكبير، المجتهد المطلق، البحر العلاّمة، ذو الفنون والمعارف، أكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً بعد الطبري، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي، الفارسي الأصل، الفقيه الظاهري الصلد، ومجدد القول به، بل محيي المذهب بعد زواله في الشرق، والمتكلم الأديب، والوزير السياسي، والناقد المحلل، وأكبر علماء الأندلس على الإطلاق.
وُلد ابن حزم في سلخ رمضان سنة 384هـ في بيت عز وثراء، ووجاهة ورياسة، فقد كان أبوه أحمد بن حزم من وزراء الحاجب المنصور بن أبي عامر أعظم حكام الأندلس، فارتاح باله من كد العيش، والسعي وراء الرزق، وتفرغ لتحصيل العلوم والفنون، وقد رزقه الله - عز وجل - ذكاءً مفرطاً، وذهناً سيالاً، وقد ورث عن أبيه مكتبة ذاخرة بالنفائس، وقد اشتغل في شبابه بالوزارة في عهد «المظفر بن المنصور العامري»، ثم ما لبث أن أعرض عن الرياسة، وتفرغ للعلم وتحصيله، وكان في بادئ أمره شافعياً يناظر عن مذهبه، ثم قاده اجتهاده إلى التحول إلى المذهب الظاهري، فنفى القياس نفياً كلياً، وحرَّم التقليد، وأوجب الاجتهاد والعمل بظاهر النصوص، ورغم أنه كان ظاهرياً في الفروع إلا إنه تخبط بشدة في باب الأصول، وأوَّل الصفات تأويلاً كبيراً، وخرج عن الحق في كثير من مسائل الأسماء والصفات، والسبب في ذلك دراسته للمنطق وعلم الكلام والفلسفة في مقتبل حياته، ففسد بذلك حاله في باب الصفات، وضر مكانته العلمية.
يعتبر ابن حزم من أكثر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً، فلقد كان مجتهداً مطلقاً، ولقد أحيى المذهب الظاهري بعد أن كاد أن يندثر، وكأن المذهب الظاهري قد أصبح باسم «ابن حزم»، وليس «داود بن علي» مؤسس المذهب في العراق، وقد ألف ابن حزم قرابة أربعمائة مجلد في ثمانين ألف ورقة، وهو بذلك يحتل المكانة الثانية بعد ابن جرير الطبري، وكان مؤلفاته في شتى فروع العلم، الفقه، الحديث، الأصول، الأدب، والشعر، والبلاغة، حتى الطب، ويعتبر كتابه «المحلى بالآثار» من أفضل كتبه على الإطلاق وفي الإسلام عموماً، ولم يترك ابن حزم باباً من أبواب العلم إلا طرقها وألف فيها.
ومما حط كثيراً من مكانة ابن حزم عند العلماء هو لسانه الذي كان يضرب به المثل في الحدة، فقيل عنه: «سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان»، فلقد كان ابن حزم يبسط لسانه في علماء الأمة وخاصة خلال مناظراته مع المالكية في الأندلس، وهذه الحدة أورثت نفوراً في قلوب كثير من العلماء عن ابن حزم وعلمه ومؤلفاته، وكثر أعداؤه في الأندلس، حتى نفوه من قرطبة، وأحرقت كتبه في محاضر عامة بأمر من المعتضد بن عباد، وصار ابن حزم ينتقل من مكان لآخر حتى مات طريداً شريداً في قرية «لبلة» غربي الأندلس في 28 شعبان 456هـ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد