قراءات تاريخية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال القاضي ابن شداد في وصف صلاح الدين الأيوبي:  (وكان - رحمه الله - من عظماء الشجعان، قوي النفس، شديد البأس، لا يهوله أمر، ولقد وصل في ليلة واحدة من الإفرنج إلى عكا نيفٌ وسبعون مركباً وأنا أعدها من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وهو لا يزداد إلا قوة نفس.

 وكان - رحمه الله - شديد المواظبة على الجهاد عظيم الاهتمام به، ولو حلف حالف أنه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد ديناراً ولا درهماً إلا في الجهاد وفي الإرفاد لصدق وبّر في يمينه، ولقد كان الجهاد قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيماً، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وولده ووطنه وسكنه، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح يمنة ويسرة.

 وقال القاضي الفاضل:  وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد، وقد ألف له كتب عدة في الجهاد، وأنا ممن جمع له كتاباً، جمعت فيه آدابه وكل آية وردت فيه، وكل حديث روي فيه.

 قال: وسرنا مع السلطان على الساحل طالبين عكا، وكان الزمان شتاء، والبحر هائجاً هيجاناً عظيماً، وموجه كالجبال وكنت حديث عهد برؤية البحر، فعظم أمر البحر عندي، واستخففت رأي من يركب البحر، فبينا أنا في ذلك إذ التفت إليّ وقال في نفسه: أنه متى يسرّ الله - تعالى -فتح بقية الساحل، قسمت البلاد وأوصيت وودعت وركبت هذا البحر إلى جزائرهم (الصليبيين) أتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت، فعظم وقع هذا الكلام عندي وحكيت له ما خطر لي.

فانظر إلى هذه الطوية ما أطهرها، وإلى هذه النفس ما أشجعها وأجسرها.

 اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، رجاء رحمتك فارحمه...).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply