الحمد لله وبعدº
كنت بصدد تحقيق قصة ذي البجادين من جهة ثبوتها وعدم ثبوتها، ولكني وجدت كتابا حقق القصة تحقيقا جيدا فاكتفيت بما في ذلك الكتاب، وإليكم التحقيق:
ذكر عبد القادر حبيب الله السندي في كتاب \" الذهب المسبوك في تحقيق روايات غزوة تبوك \" (ص 374 377) قصة ذي البجادين فقال: الفصل الرابع والخمسون.
فيما جاء في وفاة عبد الله ذي البجادين وصلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودفنه إياه في غزوة تبوك.
قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال:
قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، قال: رأيت شعلة من النار في ناحية العسكر قال: فأتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: أدنيا إلي أخاكما، فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه قال: اللهم إني أمسيت راضيا عنه، فارض عنه. قال: يقول عبد الله ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة …
قال عبد القادر السندي في الحاشية عند ترجمة محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي:
ثقة له أفراد.
قلت (السندي): إنه لم يسمع من عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وإنه عنه مرسل، وقد سألت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا الإسناد فقال إنه فيما يعلم: لم يسمع محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الله ابن مسعود، والشيخ المذكور (يقصد الشيخ عبد العزيز بن باز) له علم واسع في رجال الكتب الستة، ولو ثبت سماع محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الله بن مسعود لكان هذا الحديث بهذا الإسناد حسنا.
ثم قال: والواقدي في مغازيه إذ قال: حدثني يونس بن محمد، عن يعقوب بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد ثم ذكر النص.
قلت: هذا الحديث عند الواقدي بهذا الإسناد موضوع، لأن فيه يونس بن محمد الصدوق.
قال الحافظ في التقريب: يونس بن محمد الصدوق، كذاب من التاسعة.
وقال الذهبي في الميزان: يونس الكذوب. ومنهم من يقول فيه الصدوق على سبيل التهكم.
قلت: فالحديث عند ابن هشام في وفاة عبد الله ذي البجادين منقطع. وعند الواقدي موضوع والله - تعالى -أعلم بالصواب. ولم يصح في ذلك شيء فيما علمت. ا. هـ.
ثم ذكر السندي الطرق الأخرى التي أوردها الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة ذي البجادين، وانتقدها طريقا طريقا فقال:
ثم ذكر الحافظ للحديث طريقا آخر وقال: وأخرجه ابن مندة من طريق سعيد بن الصلت عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود وقال: فذكره.
قلت: سعيد بن الصلت ترجم له ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ولم يعدله ولم يجرحه.
وترجم له الذهبي في العبر في خبر من غبر إذ قال: هو قاضي شيراز، ومحدثها الكوفي روى عن الأعمش وطبقته.
وقال سفيان: ما فعل سعد بن الصلت، قالوا له: ولي القضاء قال: ذره واقعد في الحش، قلت: هذا الكلام يدل على الجرح، فلا حجة لنا في حديثه والله - تعالى -أعلم.
وأما ما أشار الحافظ في الإصابة إلى طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده نحوه.
قلت: كثير بن عبد الله ترجم له الحافظ في التقريب إذ قال: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني ضعيف، من السابعة، منهم من نسبه إلى الكذب.
وقال الذهبي في الميزان: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب، وضرب أحمد حديثه، وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. ا. هـ.
ثم قال السندي:
قلت: لم أجد إسنادا صحيحا سالما من الكلام في وفاته والله - تعالى -أعلم. ا. هـ.
وبعد هذا التحقيق الذي ذكره السندي يتبين أن قصة دفن ذي البجادين لا تثبت من جهة السند.
والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد