أسباب سقوط الخلافة العثمانية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سقوط الخلافة الإسلامية: المقدمات والآثار.. نتطرق فيه إلى المحاور التالية:

1)      مقدمة لابد منها.

2)      تمهيد ولمحة عن أوضاع المسلمين قبل ظهور الخلافة العثمانية.

3)      أسباب سقوط الخلافة العثمانية.

4)      أثر سقوط الخلافة الإسلامية على مسيرة العالم الإسلامي.

 

مقدمة لابد منها:

إن التمكين في الأرض لأي طائفة كانت أو فئة إنما هو هبة من الله - تعالى- ونعمة، فالله يؤتي ملكه من يشاء، إلا أن الله - تعالى- جعل لهذا التمكين شروطاً ومقدمات لا يقوم إلا بها، فإذا استوفت أمة من الأمم الشروط والمقدمات، وجاوزت العوائق والموانعº استحقت التمكين والغلبة والظهور، ويضل بقاؤها واستمرارها على هذا التمكين مرهوناً بهذه الأسباب ذاتها، فإذا فقدت شيئاً منها، أو أخلت بها فقدت عوامل البقاء، وانحدرت إلى هاوية الذل والهوان والضعف.

والله - سبحانه - لا يحابي في سننه الكونية التي تحكم نهوض الدول وتوسعها، وتطورها وبقائها، أو تحكم ضعفها وتفككها وزوالهاº لا يحابي أحداً من خلقه مطلقاً قال تعالى: (( فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة  الله تحويلاً ))º وإذا كان الأمر كذلك فإن علينا نحن المسلمين دراسة تاريخنا الإسلامي منذ مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإقامة الدولة الإسلامية، وامتداد الفتح الإسلامي واتساعه في أرجاء المعمورة، ودراسة تلك المقومات التي تمكن بها جيل الصحابة والتابعين تحقيق مثل تلك الفتوحات في فترة قصيرة, لم يكونوا فيها فاتحين للبلاد فحسب بل ومحررين للإنسان قبل الأرض من كل قيد وأسر وضعي جاهلي، ثم دراسة عوامل الضعف ومواطن الخلل التي أصابت أمتنا الإسلامية مع طول الزمن بالهزيمة والسقوط شيئاً فشيئاً، ومقصد تلك الدراسة هي اتخاذ القدوة والمثل في عهد القوة والتمكين، والعظة والعبرة في عهد الانحطاط والانحسار، والحذر من الوقوع في المزالق ذاتها عند استئناف الحياة الإسلامية، ومسيرة الدعوة المباركةº لإقامة الخلافة الإسلامية في الأرض.

ولا يكون النهوض بالأمة إلا بمرتكزات ثلاث:

·         دراسة الماضي، واستفادة العبرة والدروس منه.

·     استيعاب الحاضر ومقدماته وموقعه الجغرافي في خريطة السنن الإلهية، والحكم عليه بالميزان الرباني الشرعي للعمل على إصلاحه.

·     التطلع إلى المستقبل بالتخطيط، ووضع البرامج كجزء غير مسيرتنا نحو الخلافة التي وعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بها أن تكون على منهاج النبوة، ولا بد أن ندرك ونحن في طريقنا للإصلاح إلى أنه لن يصلح شأن هذه الأمة إلا بما صلح به أولها من الإيمان الذي امتثله الصحابه - رضي الله عنهم - واقعاً حياً (( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ))((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.... الآية )).

 

تمهيد ولمحة عن أوضاع المسلمين قبل ظهور الدولة العثمانية:

قبل أن نتحدث عن أسباب سقوط الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية نعرج معكم على قراءة سريعة للتاريخ الإسلامي، ذلك أننا لا نستطيع أن ندرس الدولة العثمانية أو غيرها من الدول الإسلامية في معزل عن التاريخ الإسلامي جملة وتفصيلاً، فالتاريخ الإسلامي كتلة واحدة لا يمكن أن تتجزأ إلى حقب منفصلة عن بعضها البعض، مستقلة بذاتها عن غيرها.

وليس من العدل أن نقول أن أسباب سقوط الخلافة الإسلامية ترجع إلى الدولة العثمانية فقط، بل إن هذا السقوط ليس إلا نتيجة فعلية وحتمية لمجموعة من  التراكمات والترسبات لعوامل الضعف والهوان والذل على مدار الأيام، وإنما كانت أخطاء العثمانيين بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير.

نعود فنقول إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - التحق بالرفيق الأعلى بعد أن أقام للإسلام مجتمعاً ودولة، وأدى رسالة ربه كاملة: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ))، ولم يغادر - عليه الصلاة والسلام - صحابته إلا وقد دلهم على كل خير يضمن لهم النصر والرفعة في الدارين، وغادرهم وهو يخاف عليهم اتباع السنن الجاهلية، والانحراف عن الجادة، والتفرق.

فوعوا أحاديثه، والتزموا أوامره، وجاء بعده الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فساروا في الخلافة والحكم على منهاج النبوة، حتى قتل عثمان - رضي الله عنه - فتولى بعده علي - رضي الله عنه - ومن هذا العهد بدأ الخلاف، وظهرت أول فرقتين في الإسلام الرافضة ( الشيعة والخوارج )، ووقع القتل بين المسلمين.

ثم جاءت الدولة الأموية، فالدولة العباسية، وفيهما ظهرت كثير من عوامل الانحراف التي نجملها فيما يلي:

1-  ظهور البدع والمحدثات وفرق الضلالة التي اتخذت لأنفسها مصادر مغايرة للكتاب والسنة في التلقي والاستدلال، وأصولاً و قواعد تنصبها للولاء والبراء، وكان غالبها منشأه  اليهود والنصارى الذين ادعوا الإسلام وتظاهروا به، وفتن بهم الجهلة، أو كان منشأه التلقي عن ثقافات الحضارات الجاهلية القديمة، والديانات الوثنية، ومن هذه الفرق: الشيعة الرافضة، والصوفية، والخوارج، والمعتزلة، والأشاعرة.

2-  ظهور الزندقة والكفر والإلحاد وفرق الباطنية التي حرفت معاني القرآن الكريم ومدلولات الشريعة تحريفاً باطلاً أشد من تحريف فرق الابتداع السابقة، وهذه الفرق أيضاً كانت من دسائس اليهود والنصارى لمحاربة الإسلام وأهله.

3-   كثرة الفتن والقتل، والحروب الداخلية والثورات ضد الخلفاء، واستقلال الولايات والتنازع على الحكم، والتفرق إلى دول ودويلات.

4-  محاربة فرق الابتداع وطوائف الزندقة والكفر لأهل الإسلام بالأخص أهل السنة، وعملهم على إيجاد كيانات لهم، فقامت دولة الفاطميين وهم من فرق الباطنية الملاحدة في شمال أفريقيا، والقرامطة في الأحساء، ودولة الحشاشين في فارس وخراسان، وغيرها من الدول الملحدة لفرق أهل الضلال.

5-  ظهر الوضع في الحديث والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوانب الدين المختلفة، إلا أن الله قيض لها أهل الحديث وعلماء السنة.    

6-   غيب في الغالب الأعم دور العلماء في السياسة والحكم، وترك الأخذ بنصيحتهم وأقوالهم في الملمات والحوادث المستجدة.

7-  غلب على الحكم الجهلة والفسقة والظلمة ومن هم ليسوا أهلاً لذلك لا لشيء سوى تحول الخلافة إلى ملك عضوض - أي وراثي -، أو ملك جبري بقوة السلطان والحديد.

8-  قرب في المناصب المتملقين, واتخذ الحكام الظلمة أعواناً، والفسقة صحبة، والجهلة أهل مشورة ورأي، وكثر الترف في مسؤولي الدولة والخلفاء.

9-   استبد الحكام بالأمر، وفقدت الشورى بمعناها الشرعي، وغاب العدل في أحايين كثيرة.

10-   ظهر في المسلمين اللهو واللعب، والمعازف والغناء، والانصراف إلى ملذات الدنيا والتنافس عليها.

11-                 ضعف الإيمان والوازع الديني في كثير من أبناء المسلمين، وانحلال أخلاق، وارتكاب الفواحش، وإعلان المنكرات.

12-                 الانصراف إلى مظاهر العمران والبذخ، وإثقال كاهل المسلمين في الجانب الآخر بالضرائب والمكوس.

وعلى أية حال فإن هذه الأمور الآنفة الذكر لم تكن هي القاعدة المطردة، والحكم العام على جميع المسلمين في مختلف الفترات، وعلى امتداد الرقعة الجغرافية.

بل على العكس كانت أزمنة مضيئة، وبقاع طاهرة، ومجتمعات خيرة، وصفحات منيرة، وكانت لدعوة الحق بقية من أهل العلم والتقوى والورع يذبون عن هذا الدين، وينافحون عنه، ويبذلون أعمارهم وجهدهم في سبيل حفظ هذا الدين نقياً صافياً.

ولم تكن تغيب شمس الإسلام في أرض إلا وتشرق في أخرى، ولا يتخاذل قوم عن نصرة هذا الدين ويتولوا إلا حمله قوم آخرون هم خير منهم.

إلا أن هذه الإنحرافات والمذاهب والفرق كان قد اتخذت لها منهجاً، ووضعت لها أصولاَ وقواعد، ومراسيم وعادات، ومظاهر، وأشربتها نفوس وطوائف الجهل والبدع، وضربت بجذور عميقة في المجتمع، ووسعت مناطق وأقاليم، وظهر لها قادة وزعماء ودعاة يتناوبون تجديدها وبثها جيلاً بعد جيل.

ولما آلت أمور المسلمين إلى هذا الحال قصد بلاد المسلمين زحفان عسكريان: أحدهما من المشرق، والآخر من المغرب، كان طموحهم من تحركهم ذلك القضاء على الإسلام وأهله ودولته، واجتثاثه من الأرض.

فأولهما الزحف المغولي التتري الذي اجتاح الدول من قبل شرق آسيا حتى وصل زحفه إلى بلاد الإسلام، فاستولى على بلاد ما وراء النهر، وخراسان، وفارس، والعراق، والشام، وأسقط الخلافة العباسية في بغداد سنة 656هـ بخيانة أحد وزراء الخليفة الروافض.

يقول ابن الأثير عن هذا الغزو التتري لبلاد الإسلام: \" ولقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً \" أ.هـ الكامل في التاريخ.

ويقول السيوطي - رحمه الله تعالى -: \" هو حديث يأكل الأحاديث، وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ ينسي التواريخ، ونازلة تصغر كل نازلة، وفادحة تطبق الأرض وتملأها ما بين الطول والعرض \".

وقال ابن كثير أيضاً: \" حادثة التتار من الحوادث العظمى، والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلقه الله - تعالى- إلى الآن لم يبتلى بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها \" أ.هـ البداية والنهاية.

فقد هدمت مدن بأكملها، وخربت قرى بأجمعها، واختفت معالم الح

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply