وقفات مع التُراث


 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا بابٌ نقف فيه سوياً وقفاتٍ, سريعة مع صفحاتٍ, مُلوَّنة من تراثنا الزاخر، نترك للقارئ فيه مهمة التفكٌّر والنظر، لا بِغَرَض استخلاص المعاني والعظات والعِبر فقط، وإنما للتبصٌّر في مناهج الفهم والفقه الكامنة وراء المواقف والكلمات والأقوال …

 

· كان الخليفة هارون الرشيد في بعض حروبه فألَحَّ عليه الثلج ليلةً، فقال له بعض أصحابه: أما ترى ما نحن فيه من الجهد والنصب ووعثاء السفر والرعيَّةُ قارَّةٌ وادعةٌ نائمة؟! فقال الرشيد: اسكت، فللرعية المنام، و علينا القيام، و لا بد للراعي من حراسة الرعية و تحمٌّل الأذى … وفي ذلك قال الشاعر:

 

 غضِبَت لِغضبتكَ الصوارمُ والقَـنا لمَّا نَـهضتَ لِنُصرةِ الإسلامِ

 

 ناموا إلى كَـنَفٍ, بِـعدلكَ واسعٍ, وسهرتَ تحرسُ غفلةَ النٌّوامِ

 

· قال يحيى بن معاذ: جاهد نفسك بأسياف الرياضة، والرياضةُ على أربعة أوجُه: القوتُ من الطعام، و الغَمضُ من المنام، و الحاجةُ من الكلام، وحملُ الأذى من جميع الأنام. فيتولَّدُ من قِلَّةِ الطعام موت الشهوات، ومن قلة المنام صفو الإرادات، ومن قلة الكلام السلامةُ من الآفات، ومن حمل الأذى البلوغُ إلى الغايات …

 

· رُوي عن أبو عثمان الحيري أنه اجتاز يوماً سِكَّةَ فطُرِحت عليه إحانةٌ (أي قِدرٌ) من رَماد، فنزل عن دابّته فسجد سجدة الشكر ثم جعل ينفض الرماد عن ثيابه ولم يقل شيئاً، فقيل له: ألا زجرتَهم؟ فقال: إن من استحقَّ النار فصُولِحَ على الرّماد لم يجز له أن يغضب …

 

 ·  زار رابعة العدوية قومٌ فذكروا الدنيا وأقبلوا على ذمِّها، فقالت: اسكتوا عن ذكرها فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها، ألا من أحبَّ شيئاً أكثرَ من ذِكره …

 

·  قال الفضيل: لأِن يصحبَني فاجرٌ حسنُ الخُلُق أحبٌّ إلي من أن يصحبني عابِدٌ سيِّء الخُلُق …

 

·  قال الجُنيد: أربعٌ ترفع العبد إلى أعلى الدرجات وإن قَلَّ علمهُ و عمله: الحِلمُ والتّواضع والسَّخاء وحُسن الخُلُق وهو كمال الإيمان …

 

·  قال أبو يحيى الورَّاق: من أرضى الجوارح بالشهوات فقد غرس في قلبه شجر النَّدامات …

 

·  قال جعفر بن حميد: أجمعت العلماء والحكماء أن النَّعيم لا يُدركُ إلا بترك النَّعيم! …

 

قال الشيخ الجليل و الإمام الورع \"السِّري بن مُغلِّس السقَطي\" في المحبة: لا تصِحٌّ المحبةُ بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر: يا أنا …واشترى هذا الإمام الذي كان تاجراً كبيراً - يوماً كُرَّ لوزٍ, (و الكُرٌّ مقياسٌ للوزن) بستين ديناراً، وأثبتهُ في زرنامجهِ (أي دفتر حساباته) وكتبَ أمامه: ربحُهُ ثلاثةُ دنانير. فلم يلبث أن غلا السعرُ فبلغ تسعين ديناراً، فأتاه الدَّلالُ الذي كان اشترى له اللوز فقال: أريد ذلك اللوز، فقال الشيخ: خذهُ، قال: بكم؟ قال: بثلاثةٍ, وستين ديناراً.وكان الدّلال رجلاً صالحاً فقال: إن اللوز قد صار الكر بتسعين، فقال السري: ولكني عَقَدتُ بيني وبين الله عقداً لا أُحِلٌّه فلست أبيع إلا بثلاثةٍ, وستين ديناراً، فقال الدّلال:وأنا عقدتُ بيني وبين الله عقداً لا أحلهُ ألا أغشَّ مسلماً فلا أشتري منك إلا بتسعين، فلا الدّلال اشترى منه ولا السري باعه! …

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply