تروي كتب التاريخ عن غزو التتار عام 656 لبغداد مآسي لا تقل عما يعانيه المسلمون اليوم على يد أعدائهم، ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في كتابه \"البداية والنهاية\": أن التتار مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ.. وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسلحة حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة..
وقد اختلف الناس في كمية من قُتل ببغداد من المسلمين فقيل 800.000 وقيل 1000.000 (مليون) وقيل 2000.000 (مليونان)، وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً، ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد وتغير الهواءº فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشامº فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح.
فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون.. ولما نودي ببغداد بالأمان، خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والمقابر، كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم بعضاًº فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى.
إذ إن غزو التتار لبلاد الإسلام جاء بتحريض من الصليبيين كما جاء في كتاب \"التاريخ الإسلامي\" \"لقد خشي الصليبيون أن يسلم التتار باحتكاكهم مع المسلمين، وإذا ما حدث هذا فإن المسلمين يزدادون قوة إلى قوتهم. ويخشى على أوروبا وليس على الصليبيين في بلاد الشام فحسبº لذا يجب أن يكون عمل الصليبيين في الدرجة الأولى الحيلولة دون حدوث ذلك\". (يراجع: في ظلال القرآن3/1606).
ومن هذا المنطلق فقد أرسل الصليبيون الرسل إلى التتار وحسنوا لهم ديار الإسلام وخيراتها، وبالإضافة إلى الرسل كانت النساء النصرانية التي دخلت بيوتات التتار على شكل حليلات أو خليلات تعمل عمل الرسل بشكل مستمر، وهذا ما أوجد الفكرة عند التتار للاستيلاء على بلاد الإسلام.
هذه صورة واحدة للمأساة قال عنها ابن الأثير: \"لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثةº استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخر أخرىº فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً..\".
لقد كان الضعف في المسلمين شديداً حتى قيل إن التتري ربما لا يكون معه سلاح فيقول للمسلم: قف حتى أحضر سلاحاً لأذبحك به. فيقف المسلم بانتظار الموت.
لا تضحك أخي القارئ، فلإن كان مسلم الأمس يعلم أنه يذبح فحال المسلمين اليوم أسوأº إذ يذبح الكفار المسلمين.. ومع هذا فهم في غفلة لا يستفيقون حتى وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، ولربما استفاقوا، وأفضلنا حالاً من ينتظر دوره. إننا لا نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن: التاريخ يعيد نفسه (في فلسطين والهند وكشمير وغيرها):
فالليالي من الهموم حبالى مثقلات يلدن كل عجيبة
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد