الدعوة الإصلاحية المباركة التي قام بها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وتولى نشرها الأئمة المصلحون من آل سعود حتى أتت ثمارها الطيبة أطيب ما تكون الثمار، وأجزلها نفعاً، هذه الدعوة لا يزال تاريخها في حاجة إلى دراسات عميقة، تعتمد على مختلف المصادر، لأن الباحث متى تعمق في البحث وجد من المصادر على اختلافها ما يضيف إلى تاريخ تلك الدعوة جوانب هامة فيها العبرة وفيها الإعجاب بالمثل العالية وبما قام به رجال تلك الدعوة من علماء وملوك وقادة من أعمال مجيدة. لقد كتب عنها كثير من الكتاب وتناولها المؤرخون من جوانب مختلفة غير أن أكثر من كتب عنها يرتكز أقوى ما يرتكز على مصادر تنظر إلى تلك الدعوة النظرة الصحيحة وفات كثير من مؤرخيها أن من استكمال عملهم الرجوع إلى مختلف المصادر أيّاً كانت نظرتها إلى تلك الدعوة فالحق يتضح عند معرفة الباطل (وبضدها تتميز الأشياء).
ولقد مضى الزمن الذي كان يخشى فيه من تأثير بعض المؤلفات المناوئة لتلك الدعوة الكريمة بعد أن أصبحت أرفع ما تكون عزة وإنتصاراً، واتضح لكل الناس أنها هي عين ما دعا إليه محمد - عليه الصلاة والسلام - من التوحيد الخالص، لا يماري في ذلك إلى من أعمى الله بصيرته. {ومن يضلل الله فما له من هاد}.
إن في بعض المؤلفات التي كتبت عن تلك الدعوة والتي لم تدرس الدراسة الوافية مواقف لا يصح إغفالها لمن يحاول أن يعرف تاريخها متكاملاً.
هذا بالإضافة إلى إبطال كل ما ألصق بها من باطل، وإظهار زيفه، وإبراز الجوانب المفيدة، في أي مصدر كان، ومن الأمثلة على ذلك أن مؤرخ مصر أثناء قيام حكامها بمحاربة القائمين بالدعوة ونشرها والاستيلاء على قاعدة بلادهم (الدرعية) وقتل أئمتهم من علماء ورؤساء، ونفي آخرين عن أوطانهم، كان ذلك المؤرخ يسجل تلك الحوادث وهو بين سمع ألدّ أعداء الدعوة وبصرهم، ويعيش في كنفهم، وتحت سيطرتهم ونفوذهم، ومع ذلك سجل أشياء لا يصح إغفالها للمعنيين لا بتاريخ الدعوة نفسها بل بتاريخ المسلمين عامة في مختلف أقطارهم في ذلك العهد.
والجبرتي وإن كان يكتب عن تلك الدعوة كتابة المؤمن بها، وبأنها هي الحق إلا أنه وهو يكتب عن تأثير الحركات التي قام بها محمد علي للقضاء عليها وما جرَّته على بلاد مصر وغيرها من الخراب والدمار في الحياة الاقتصادية يبرز ناحية هامة جديرة بعدم إغفال المؤرخين لها.
إن الجبرتي يكتب عن الدعوة الإصلاحية كتابة المؤرخ المنصف ولا يقلّل هذا كلمات نابية تخللت بعض نصوصه، نرى عدم صحة نسبتها إليه، ولن نقول مع القائلين بأنه كان يتخذ منها (تقية) فقد صرح في مواضع كثيرة برأيه تصريحاً لا مواربة فيه.
وما كتبه هذا المؤرخ المنصف وصرح به في أحرج أوقات تلك الدعوة شدها بلاء عليها في عنفوان سيطرة أعدائها وانتصارهم وقوتهم يعتبر موقفاً رائعاً لهذا المؤرخ. يرتفع به إلى مصاف المجاهدين.
ولا غرابة إذن أن يتصدى صديقنا الأستاذ محمد أديب غالب لاستخلاص ورد في مؤلف ذلك العالم من أخبار هذه الدعوة وأهلها، وما يتصل بها، والتعليق عليه وتقديمه للقاريء، مرتباً على السنوات مجموعاً في كتاب، ليتسنى دراسته والاستفادة منه، واستخلاص العبرة من أن صولة الباطل مهما بلغت من القوة ستضمحل، وأن النصر دائماً للحق.
وعمل الأستاذ هذا جدير بأن يجد التقدير من كل معنيٍّ, بتاريخ هذه الدعوة الإصلاحية، بل بتاريخ الأمة الإسلامية في عصورها المتأخرة، اعتبار تلك الدعوة المباركة أبرز حركات التطور الإسلامي وأقواها وأعمقها في حياة المسلمين عامة.
وليس عمل الأستاذ بالأمر اليسير، إذا نظرنا إلى قيمة الوقت نظرة صحيحة، فتصفح كتاب يقع في أربعة مجلدات لاستخلاص تلك النصوص، وجمعها، مع التعليق عليها يحتاج إلى زمن لا يتوفر لكل باحث. يضاف ذلك أن الأستاذ محمد أديب أوضح من حياة المؤرخ الجبرتي بما أورد نصوصه جانباً ما كان واضحاً إلا لقليل من الباحثين من مناصري دعوة الحق والإصلاح، وممن قرأ كتابه، كمؤلف هذا الكتاب، زاده الله توفيقاً وعوناً.
والحمد لله أولاً وآخراً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد