هذا عُمَرُ أيها الغُمر!


بسم الله الرحمن الرحيم

 

من مساوئ ثقافة التغريب، أنها صِيغت بمَعزِلٍ, عن الغربلة النقدية، وشِيدت بمنأىً عن مَلَكة التمحيص الحديثية، التي تتميّز بها علوم السٌّنّة النبوية، فسبّب ذلك تسرٌّبَ معانٍ, باطلة شوّهت جملة من الحقائق الناصعة لتساهل الناس في التصديق، وبعدهم عن مناهج التحقيق.

 

فكانت تلك إحدى الثمرات المُرّة لشجرة العلمانية في بلاد المسلمين (والذي خبُث لا يخرج إلاّ نكِداً وصارت الثقافة رهينة بخيالات الوعّاظ والقصاص وأخبار العشاق وأدبيات الاستشراق. والقصد من وراء ذلك إفراغ الدين من محتواه، وتشكيك المسلمين في عظمائهم لاسيما صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووزيريه الجليلين - رضي الله عنهما -  .

 

فمن هذا الباب دُسّ في عقول كثير من الناس أن الفاروق رجل غليظ القلب شديد في المعاملة، وتعمّدوا إبراز صورة منفِّرة عن المحدَّث العالم النبيل - رضي الله عنه -. مع أنّ شدّته كانت على الكفار وغلظته على المنافقين. لكنّه من أرقِّ الصحابة قلباً ومن أعظمهم عطفاً على المسلمين.

 

فدمعته قريبةº تسيل لأدنى موقفٍ, وموعظة. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة حاطب - رضي الله عنه -: (وما أدراك يا عمر لعلّ الله اطلّع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم قد غفرت لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. وروى البخاري في كتاب الأذان (باب إذا بكى الإمام) قال عبد الله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) ورُوي في مناقب عمر مشاهدة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، قال - صلى الله عليه وسلم -: (فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل لعمر فذكرت غيرتهº فولّيت مُدبراً) فبكى عمر وقال: أ عليك أغار يا رسول الله؟

 

وقد كان عمر رحيماً بالمسلمين رفيقاً بالضعفاء والمساكين. فقد روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب \"كان يأكل خبزاً بسمن، فدعا رجلاً من أهل البادية، فجعل يأكل ويتّبع وَضَر الصحفةº فقال عمر: كأنك مقفر! فقال: والله ما أكلت سمناً ولا رأيت أكلاً به منذ كذا وكذاº فقال عمر: لا آكل السمن حتى يحيا الناس أول ما يحيون\". وموقف عمر مع المرأة الغفارية يشهد بحنانه ورِقّته ووفائه، فقد روى البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الحديبية أن عمر خرج إلى السوق \"فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين! هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتادي، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرتَ لها. قال عمر: ثكلتك أمك! والله إني لأر

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply