بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كثر الكلام حول مقتل الشهيد - السعيد السيد السبط- الحسين بن علي (عليه السلام) فطلب مني بعض الأخوان أن أذكر القصة الصحيحة التي أثبتها الثقات من أهل العلم ودونوها في كتبهم فأجبتهم ما يلي:
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد بن معاوية وذلك سنة 60 هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك أنهم لا يريدون يزيد، ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر إنهم لا يريدون إلا علياً وأولاده، وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب. عند ذلك أرسل الحسين (عليه السلام) ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور، ويتعرف على حقيقة البيعة و جليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين فبايعه الناس على بيعة الحسين، وذلك في دار هانئ بن عروة، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة ليعالج هذه القضية، ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين (عليه السلام) فدخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وأخذ يتحرى الأمر، ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة. فأرسل إلى هانئ بن عروة وسأله عن مسلم بعد أن بيّن له أنه قد علم بكل شيء، قال هانئ بن عروة قولته المشهورة التي تدل على شجاعته وحسن جواره: والله لو كان تحت قدمي هاتين ما رفعتها فضربه عبيد الله بن زياد وأمر بحبسه.
فلما بلغ الخبر مسلم بن عقيل خرج على عبيد الله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه وذلك في الظهيرة.
فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش من الشام، ورغبهم ورهبهم، فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فقط. وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد.
فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن عبيد الله وهذا نص رسالته: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني، وليس لكاذب رأي.
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل وذلك في يوم عرفة وكان مسلم بن عقيل قد أرسل إلى الحسين (عليه السلام) أن أقدم فخرج الحسين من مكة يوم التروية، وحاول منعه كثير من الصحابة، ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد الخدري وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم فهذا أبو سعيد الخدري يقول له: يا أبا عبد الله إني لك ناصح، وإني عليكم مشفق قد بلغني أن قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهمº فإني سمعت أباك يقول في الكوفة: والله قد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز بهم بالسهم الأخيب، والله ما لهم من نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف. وهذا ابن عمر يقول للحسين: إني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة منه، والله ما يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله مسلم فهمّ الحسين بالرجوع فامتنع أبناء مسلم وقالوا: لا ترجع حتى نأخذ بثأر أبينا فنزل الحسين على رأيهم.
وكان عبيد الله بن زياد قد أرسل كتيبة قوامها ألف رجل بقيادة الحر بن يزيد التميمي ليمنع الحسين من القدوم إلى الكوفة فالتقى الحر مع الحسين في القادسية. وحاول منع الحسين من التقدم فقال له الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك. فقال الحر: والله لو قالها غيرك من العرب لاقتصصت منه ومن أمه ولكن ماذا أقول لك وأمك سيدة نساء العالمين - رضي الله عنها-.
ولما تقدم الحسين إلى كربلاء وصلت بقية جيش عبيد الله بن زياد وهم أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد فقال الحسين: ما هذا المكان؟ فقالوا له: إنها كربلاء، فقال: كرب وبلاء.
ولما رأى الحسين هذا الجيش العظيم علم أن لا طاقة له بهم وقال: إني أخيّركم بين أمرين:
1- أن تدعوني أرجع.
2- أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام.
فقال له عمر بن سعد: أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله فلم يرسل الحسين إلى يزيد. وأرسل عمر إلى عبيد الله فأبى إلا أن يستأسر الحسين له. ولما بلغ الحسين ما قال عبيد الله بن زياد أبى أن يستأسر له، فكان القتال بين ثلاثة وسبعين مقاتلاً مقابل خمسة آلاف وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً على رأسهم الحر بن يزيد التميمي ولما عاب عليه قومه ذلك. قال: والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار. ولاشك أن المعركة كانت غير متكافئة من حيث العدد فقتل أصحاب الحسين (رضي الله عنه وعنهم) كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقي وحده وكان كالأسد ولكنها الكثرة وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنى لو غيره كفاه قتل الحسن حتى لا يبتلى بدمه - رضي الله عنه- حتى قام رجل خبيث يقال له شمّر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً. ويقال أن شمّر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي - والله أعلم-.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاً وغير ذلك من الزيادات - التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر- فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني ولاشك أنها قصة محزنة مؤلمة، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه، وباء بغضب من ربه، وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء والترضي.
من قتل مع الحسين في الصف:
من أولاد علي بن أبي طالب: أبو بكر، محمد، عثمان، جعفر، العباس.
من أولاد الحسين: علي الأكبر، عبد الله.
من أولاد الحسن: أبو بكر، عبد الله، القاسم.
من أولاد عقيل: جعفر، عبد الله، عبد الرحمن، عبد الله بن مسلم بن عقيل.
من أولاد عبد الله بن جعفر: عون، محمد.
وأضف إليهم الحسين ومسلم بن عقيل (رضي الله عنهم أجمعين). عن أم سلمة قالت: كان جبريل عند النبي - صلى الله عليه وسلم- والحسين معي، فبكى الحسين فتركته فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم- فدنى من النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقال جبريل: أتحبه يا محمد؟ فقال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياها فإذا الأرض يقال لها كربلاء.. أخرجه أحمد في فضائل الصحابة بسند حسن. وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دماً وأن الجدر كان يكون عليها الدم أو ما يرفع حجر إلا ويوجد تحته دم، أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.
حكم خروج الحسين:
لم يكن في خروج الحسين - عليه السلام- مصلحة لا في دين ولا دنيا ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه وهو قد هم بالرجوع لولا أولاد مسلم، بل بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى قتلوه مظلوماً شهيداً. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ولكنه أمر الله - تبارك وتعالى-، وما قدر الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قدم رأس يحي - عليه السلام- مهراً لبغي، وقتل زكريا - عليه السلام- وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى: " قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين".
وكذلك قتل عمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين-.
كيف نتعامل مع هذا الحدث:
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه - رضي الله عنهم- أن يقوم بلطم الخدود وشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ليس منا لطم الخدود وشق الجيوب.. أخرجه البخاري. وقال: أنا بريء من الصالقة [1] والحالقة والشاقة.. أخرجه مسلم. وقال: إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب وسربالاً من قطران.. أخرجه مسلم.
والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمره الله تعالى: " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".
وما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر - رضي الله عنهم- ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى أنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
موقف يزيد من قتل الحسين:
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين، ولا نقول هذا دفاعاً عن يزيد، ولكن دفاعاً عن الحق، فيزيد لا يهمنا من قريب ولا بعيد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسبِ لهم حريماً، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول: إنه أهين نساء آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأهن هناك، هذا كلام باطل، بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف من فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها فهم كانوا يعظمون بني هاشم ولم تسب هاشمية قط. انتهى
رأس الحسين:
لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة، ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه - عليه السلام-.
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] الصالقة: هي التي تصيح بصوت مرتفع.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد