التربية بالإقناع !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تربية العبيد..

لا لن تأكل بملابسك..

اذهب أولاً واخلع ملابسك ثم تعال لتأكل معنا..

الطفل: لماذا.. ولكني لا أريد أن أخلع ملابسي.. إنني جائع جداً لن أستطيع الانتظار..

الأب في حسم: ألم أقل لك اذهب واخلع ملابسك هيا اذهب فوراً.. وإلا سوف أضربك..

وفي هذه اللحظة يذهب الطفل وعليه علامات الضجر والغيظ وهو يحرك شفتيه بكلمات السخط والاعتراض... ولكنه في النهاية نفذ الأمر!!

 

تربية الإقناع..

يا بني.. اذهب واخلع ملابسك قبل أن نتناول الطعام..

الطفل: لماذا يا أبي.. إنني جائع ولن أستطيع تحمل الجوع..

الأب: يا بني.. إن هذه ملابس الخروج وإننا سنذهب إلى أولاد عمك في المساء.. ولا نريدك أن تحرم من الذهاب معنا بسبب ملابسك المتسخة.. لأنك لا تملك ملابس نظيفة غيرها اليوم.. وليس هناك وقت كي تقوم أمك بغسل غيرها..

الطفل: ولكني لست صغير حتى أسقط الطعام على ملابسي..

الأب: بالتأكيد أنت كبير ولذلك لا بد أن تكون حذراً إن الكبير هو الذي يكون دائماً على حذر أما الصغير هو الذي لا يبالي ودائماً يكون متهوراً.. وهاهو أباك الكبير قد خلع ملابسه ولبس ملابس البيت قبل أن يبدأ في الطعام،، لأنه لا يضمن أن يسقط الطعام عليه من حيث لا يشعر..

الطفل: حسناً سوف أخلع ملابسي ولكن انتظروني..

الأب: بالتأكيد نحن في انتظارك..

 

وفي هذه اللحظة يقوم الطفل ويخلع ملابسه ويلبس ملابس البيت ولكن دون ضجر أو ضيق أو سخط أو اعتراض.. وهو في النهاية نفذ الأمر.

 

التربية بالإقناع منهج قديم..

إننا إن تأملنا خطاب القرآن عزيزي المربي لوجدنا أنه يعلمنا كآباء كيف نربي أبنائنا بمنهج الإقناع لا بمنهج القهر والاستبداد..

 

فتأمل عزيزي المربي خطاب كل الآباء في القرآن لأبنائهم ستجد أنهم لم يكونوا أبداً يستخدمون مع أبنائهم إلا أسلوب الإقناع لا أسلوب القهر الفكري..

 

فها هو يعقوب - عليه السلام - عندما نصح ابنه يوسف قال له: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقصُص رُؤيَاكَ عَلَى إِخوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيدًا إِنَّ الشَّيطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوُّ مٌّبِينٌ} (5) سورة يوسف

 

وعندما نصح بنيه بعد ذلك:

{يَا بَنِيَّ اذهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيأَسُوا مِن رَّوحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيأَسُ مِن رَّوحِ اللّهِ إِلاَّ القَومُ الكَافِرُونَ} (87) سورة يوسف

 

ثم هاهو لقمان يعظ ابنه وينصحه بخير أسلوب وهو أسلوب الإقناع:

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثقَالَ حَبَّةٍ, مِّن خَردَلٍ, فَتَكُن فِي صَخرَةٍ, أَو فِي السَّمَاوَاتِ أَو فِي الأَرضِ يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (16) سورة لقمان.

 

بل إبراهيم - عليه السلام - أيضاً وهو يخاطب ابنه بأفزع خبر وهو خبر موته فقال له: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذبَحُكَ فَانظُر مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (102) سورة الصافات.

 

ونوح - عليه السلام - من قبل محذراً ابنه: \" {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ, يَعصِمُنِي مِنَ المَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ} (43) سورة هود.

 

فإننا إن تأملنا هذا الأسلوب القرآني الفذ لتعلمنا حقاًَ نحن الآباء كيف نحاور أطفالنا وكيف نخاطبهم مخاطبة الكبير للكبير لا مخاطبة الكبير للصغير.. نعم نحن نفهم عنهم ونعقل الكثير عنهم ونحن أعلم بما فيه مصلحتهم ولكن هذا لا يعطينا الصلاحية أن تكون تربيتنا لهم بالقهر والتعسف.

 

الإقناع ضرري لبناء شخصية الطفل:

في الواقع لو قمنا بتسجيل حوارنا مع أبنائنا طوال اليوم لوجدنا أن أغلبيته أوامر صادرة منا إليهم لأداء واجباتهم اليومية ولن يزيد هذا الحوار عن هذه العبارات (أسرع في ارتداء ملابسك، قميصك متسخ اذهب وارتد غيره، إنه طعامك، اجلس بطريقة صحيحة، اذهب ومشط شعرك المنكوش، رتب ألعابك، ابدأ في واجباتك المدرسية، اترك أختك، اذهب إلى النوم)

 

فإننا سنجد أيها المربي الفاضل أن جميع حواراتنا مع أطفالنا كلها أوامر..

 

ولا يوجد حوار إقناعي واحد.. والحقيقة أن الطفل لا يتعلم إلا بالإقناع ولا يستجيب إلا بالإقناع.. ولكننا نستخدم الأسلوب الذي نظن في أنفسنا أنه الأسهل والأسرع ولكنه إن كان سهلاً في البداية فسوف يورث مشاكل معقدة في النهاية..

 

فهذا الطفل الذي لا يستجيب إلا بالأوامر لن يستطيع أن يكون مبادراً بذاته بل سوف ينمو في نفسه نوعاً من الخبث ومحاولات التهرب مادام بعيداً عن الرقابة المباشرة أما الطفل الذي يتربى بالإقناع فإنه سوف يكون عنده مبادرة ذاتية لترك الأخطاء وستكون نفسه نبيلة تظهر مثلما تبطن وتغير نفسها ومن حولها حتى وإن لم يكن هناك دافع خارجي من الآباء أو غيرهم.

 

الإقناع لا يعني التسيب..

وأخيراً عزيزي المربي إننا عندما ننبه على أهمية هذا الأسلوب وهو أسلوب الإقناع لا نعني أن لا يحرك الآباء ساكنا عندما يعند الأطفال ويرفضوا الاستجابة لأوامرهم فيرفضوا عقابهم وذلك تحت مبدأ الإقناع خير وسيلة للعلاج فنحن بالتأكيد لا نقصد ذلك ولكن نقصد أن يكون الإقناع هو الأصل ولكن إذا رفض الطفل الاستجابة بعد مرات عديدة من الإقناع مع عدم وجود أسباب تمنعه من الاستجابة ففي هذه الحالة لابد من العقاب.

 

وختاماً عزيزي المربي إلى لقاء قريب ومستقبل راق لأبنائنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply