أساليب إدارة اللقاءات التربوية المغلقة (1)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تعد اللقاءات التربوية المغلقة أو ما يمكن أن يسميه البعض - اللقاءات التربوية الخاصة- محاضن تربوية مؤثرة تعتمد عليها الكيانات التربوية المختلفة وترى فيها وسيلة مؤثرة في التأثير التربوي في الأفراد لإشباعهم بالمادة التربوية الموجهة، وتساعد هذه اللقاءات إذا أحسن استخدامها في تطوير الأفراد تربويا ومنهجيا والانتقال بهم من مرحلة إلى أخري بصورة تدريجية سلسلة، كما يستطيع المربي من خلالها الوقوف على أهم العوائق والعقبات الموجودة في التكوين النفسي والتربوي للأفراد ومن ثم اختيار الأسلوب المناسب في علاجها أو إصلاحها، كما أنها تعد أسلوباً مهماً أيضاً في اكتشاف بعض الأمراض التربوية في الجماعة المسلمة واختبار أساليب العلاج الناجع لها، وقد أحسنت بعض الكيانات التربوية في استخدام هذا الأسلوب التربوي في حين أن هناك الكثير من السلبيات التي تأثرت بها تلك اللقاءات فلم تعد تجدي نفعا تربويا كما يرجى منها بل أصبحت ذات أثر سلبي مضاد على المسيرة التربوية لكثير من جماعات العمل الإسلامي ومؤسساته..

تعد اللقاءات التربوية المغلقة محاضن تربوية مؤثرة تعتمد عليها الكيانات التربوية المختلفة وترى فيها وسيلة مؤثرة في التأثير التربوي في الأفراد لإشباعهم بالمادة التربوية الموجهة.

ونحاول أن نلقي الضوء على تلك اللقاءات من عدة مناحي مختلفة ساعين لإسداء بعض النصائح التربوية وبيان بعض المحاذير فيها..

أولاً: توصيف اللقاء التربوي المغلق:

نقصد به ذلك اللقاء الذي يختار أعضاؤه اختياراً دقيقاً، ويقوم بتوجيهه أحد المربين الأكفاء، ويتناول فترة زمنية محددة من اليوم، وقد يتكرر دوريا على مدار الأسبوع أو الشهر، ويهدف المربي من خلاله إلى توصيل رسالة تربوية تخص الكيان التربوي الذي يعمل من خلاله..

ويختلف اللقاء التربوي بهذا الوصف عن اللقاء الإداري الذي يكون اختيار أفراده على أساس الهدف الإداري من حيث كونهم مسئولين إدارياً أو أنهم يهيئون لمسؤولية إدارية معينة، كما يختلف عن اللقاءات الترفيهية العابرة التي يكون الهدف منها التعارف أو الترفيه وكذلك يختلف عن اللقاءات التي يكون الهدف منها الإعداد الثقافي أو العلمي أو غيره من أنواع التدريب، وقد يجمع اللقاء التربوي كل هذه المعاني السابقة والواردة في اللقاءات سابقة الذكر ولكن ليس على وجه التخصص، فقد يكون في اللقاء التربوي لمحات إدارية وتوجيهات علمية وأوقات ترفيهية ولكنها ليست المقصودة بذاتها من اللقاء ولكنها تأتي على هامش العملية التربوية الموجهة في اللقاء.

ثانيا: القائم بالعملية التربوية في اللقاء التربوي المغلق:

ينبغي أن يقوم بالعملية التربوية في اللقاءات التربوية المغلقة مرب يتصف بعدة صفات هامة من أهمها الخبرة التربوية الطويلة والعلم بالعملية التربوية وأهدافها وأساليبها وطرق توصيل المفاهيم وأساليب التعامل مع الأفراد وكذلك طرق التعامل مع المشكلات التربوية الطارئة في تلك اللقاءات، وينبغي أن تكون تلك الخبرة وذلك العلم قد اتصف يهما المربي بنجاح في أدائه التربوي، أو بمعنى آخر أن يكون المربي القائم بتلك العملية ذا تاريخ تربوي ناجح على مستوى الإنجاز في تلك الوسيلة التربوية الدقيقة، ويتصور البعض أن كل طالب علم هو أهل لقيادة هذه اللقاءات وهو تصور خاطئ إذا أطلق، ولكن ينبغي أن يكون ذلك الطالب للعلم متصفا بالوصف التربوي الذي ذكرناه وإلا فشل اللقاء التربوي وخرج بسلبيات تفوق إيجابياته المرادة، وحري بالكيانات التربوية المختلفة سواء جماعات أو مجتمعات محلية أو مؤسسات تربوية أن تعمل على تخريج مجموعات من المؤهلين تربويا على المستوى العلمي والتدريبي والثقافي التربوي المناسب للقيام بتلك اللقاءات المؤثرة في العملية التربوية.

ثالثا: الاختيار:

يتم اختيار الأفراد في اللقاء التربوي المغلق بعناية وتركيز، بحيث يكون هناك تجانس وتناسب واضحين فيما يخص ثلاثة مناحي (العمر والثقافة والطبيعة النفسية) فأما فيما يخص العمر فيختار الأفراد من فئة عمرية واحدة ومن أعمار متقاربة ولا يحسن أن يختلط الكبير بالصغير أو الشاب بالطفل أو غيره، فإن لذلك مردود سلبي من جهات عديدة ومختلفة ليس هذا مقام ذكرها ولكننا نكتفي هنا أن نؤكد على أهمية اختيار مرحلة عمرية متناسبة ومتقاربة ولا ينبغي أن يزيد التباين العمري بين أفرادها في(مرحلة الصبا عن السنة وفي مرحلة المراهقة عن سنتين وفي مرحلة الشباب عن ثلاث سنين تقريبا ) إلا في حالات خاصة يكون المربي على دراية بها.

وفيما يخص الثقافة فأعني بها مستوي التعليم والإلمام الثقافي سواء في العلوم الشرعية أو في غيره، فيستحب أن يختار الأفراد متقاربين في هذا المستوى الثقافي والعلمي وألا يكون بينهم متميز تميزا يضر بالعملية التربوية ولا متخلف يتخلف عن أدائها أو يكون معوقا في الاستجابة.

وكذلك فيما يخص الطبيعة النفسية، وأقصد هنا بالطبيعة النفسية ذلك التكوين النفسي الذي يتصف صاحبه بعدة صفات تميزه، فيستحب اختيار الأفراد ذوي الطبيعة النفسية المتجانسة والابتعاد عن ذوي الأمراض النفسية الظاهرة، خصوصا تلك التي تؤثر على أخلاقه الظاهرة وعلى سلوكه في تعامله مع الآخر كالمنطوي والعصابي وسريع الغضب وعديم التوقير وغيرهم، على أننا نشير أيضاً أن المربي قد يختار بعض الذين يشكون من صفة سلبية معينة ليكون من بين أعضاء الفريق المشارك في اللقاء التربوي المغلق بهدف علاجي خاص وموجه ولكن ليحذر من ذلك وأنصح ههنا ألا يقوم بذلك إلا المربي ذو الخبرة في تلك المجالات.

رابعاً: المادة التربوية:

تتصف المادة التربوية المبثوثة في اللقاءات التربوية المغلقة بثلاث صفات أساسية تدور حول: (مستوى التأطير ومدى التركيز وطريقة التوجيه)، وأقصد بمستوى التأطير ههنا أن تكون في إطار تربوي مناسب بحيث تكون مادة تربوية في إطارها التربوي المعين لها، فلا تكون مادة علمية دسمة كتلك التي تدرس في دروس العلم المتخصصة ولا تكون مادة تربوية غير منتمية، وللحرص على تأطير المادة التربوية يجب أن يحرص المربي على صياغتها انطلاقا من المادة الشرعية حيث الانطلاق من المفاهيم القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين، ويمكن الاستعانة بالخبرات التربوية الأخرى التي اتفق على قبولها بين أهل العلم الأثبات، وينبغي هنا الحرص على وضوح المراد من الموضوع وتبيين جوانبه التطبيقية وتوضيح سلبيات وإيجابيات التطبيق.

وأما مدى تركيز المادة التربوية فأعني به قيمتها التربوية وكثافتها التأثيرية ونوعية اختيار مادتها من الدسامة أو الخفة ومن قوة الاستدلال أو ضعفه ومن سهولة التناول أو صعوبته حيث لكل نوعية من اللقاءات ما يناسبها من ذلك، ويرغب التربويون دائما في النوعية المركزة من المادة التربوية التي قد صيغت بدقة وحوت النفع العلمي التربوي واستخدمت المصطلحات التربوية السهلة والشائعة والمعروفة، والتي تتميز بالمنهجية والتأصيل ولاشك أن هذا أيضا قد يختلف باختلاف مستوى الأفراد في العملية التربوية.

وأما طريقة توجيه المادة التربوية فأقصد به كيف يستطيع المربي صياغتها على شكل سهم موجه نحو عقل وقلب المتلقي بحيث تستقر في ذهنه وتؤثر في مشاعره فيسعى لتحقيق مرادها المطلوب سلوكيا، وتوجيه المادة التربوية يعتمد على توجه الكيان التربوي بالعموم والأهداف التربوية العامة وأهداف الجماعة التربوية ووسائلها المعتمدة ومنهجيتها المتخذة والتي تتصف بها وتميزها، ويرى التربويون أن هناك خطأ تربويا قد يسقط فيه الكثير من المربين، حيث يغلب عليهم توجههم الأيديولوجي المعين ونظرتهم الخاصة في توجيه المادة التربوية أثناء التدريس والتعليم فيحاول التأكيد على بعض المعاني دون بعض ويحاول صياغة بعض التوجيهات التربوية في شكل يخدم مراده مهما كان سلبياً أو يحاول أن يخفي بعض الحقائق والمعاني التربوية الأكيدة ليؤكد على مراده، كأن يخفي معالم الشورى في اتخاذ القرار رغبة منه في تسليم الأفراد لقراره الأوحد، أو يضلل معنى إبداء الرأي والرأي الآخر في أثناء حديثه عن الطاعة أو غير ذلك مما هو معروف كثير مشاهد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply