العادات السبع للزهرات الأكثر فاعلية ( 4 ) كوني مبادرة ( 1 ) أنت الملكة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ها نحن أخيتي نلتقي ثانية في رحلتنا نحو اكتساب الشخصية الفعالة القوية، وبعد أن توصلنا في المرة الماضية إلى مركز الاهتمام الرئيسي الذي يحرك تصرفاتك في الحياة، وقمنا بتغييره إلى المركز الصحيح الذي ينبغي أن يجعله أي عاقل محورا لحياته، ألا وهو مركز القيم والمبادئ الصحيحة التي أرستها شريعتنا الغراء، وأقر بها أصحاب العقول السليمة، فأنت الآن جاهزة لكي تقطعي أول خطوة لك على طريق الفاعلية، ألا وهي اكتساب عادة المبادرة والإيجابية

قال - تعالى -: [[فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ]][البقرة: 148].

وقال أيضًا: [[وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ]][آل عمران: 133].

والمبادرة أو المسارعة في الخيرات، أخيتي الغالية، تتضمن أمرين:

الأول: المبادرة أو المسارعة إلى الخير.

الثاني: إذا عزم على الأمر وهو خيرº فليمض فيه ولا يتردد.

والمبادرة أخيتي، ضد التواني والكسل، وكم من إنسان توانى وكسلº ففاته خير كثير، ولهذا قال النبي -صلي الله عليه وسلم-: [[المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز]]. حسنه الألباني في صحيح الجامع.

فربما إذا توانيتِ عن الشيء لم تقدري عليه بعد ذلك، إما بموت، أو مرض، أو فوات وقته، أو غير هذا، وقد جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم: [[إذا أراد أحدكم الحج فليتعجلº فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، و تعرض الحاجة]]. حسنه الألباني في صحيح الجامع.

وقال أيضًا صلي الله عليه وسلم عن أقوامًا في مؤخرة المسجد لم يسبقوا ولم يتقدموا: [[لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله]]. رواه مسلم.

والشخصية المبادرة أخيتي الحبيبة، هي الشخصية التي تتحمل أي مشكلة في طريقها، وتبادر بحلها، ولا تلقي اللوم على الآخرين، فتشعر أنها [[ملكة]] في حياتها، فهي التي تختار لنفسها، وهي التي تتحمل مشكلاتها.

فهل سمعت عن ملكة تلقي باللوم على الرعية، وتطالبهم بحل مشكلاتهم؟

 

بالطبع لا، وأنت ملكة.

يقول إبراهام لينكولن رئيس سابق للولايات المتحدة: [الناس يشعرون بنفس قدر السعادة الذي يفكرون فيه ويختارونه بأنفسهم].

يحكي شين كوفي: [أحد كتاب التنمية البشرية] حكايته مع أبيه، والذي كان مؤلفا أيضًا في نفس المجال فيقول: عندما كنت أقول: [إن مدرس علم الأحياء الجديد فاشل، إنني لن أتعلم منه أبدًا أي شيء، كان أبي يقول، لماذا لا تذهب إلى المدرس وتطرح عليه بعض الاقتراحات؟ أو غيِّر المدرس، أو أحضر مدرسًا خصوصيًا إذا استدعى الأمر، إذا لم تتعلم الأحياء يا شين فهذا خطؤك أنت، وليس خطأ مدرسك، لم يكن أبي يحررني من المشكلة كان دائمًا يواجهني، يحرص على أنني لا ألوم أي شخص آخر على الطريقة التي أتصرف بها.

كانت فكرة أبي بأني مسئول عن حياتي مسئولية تامة، دواء من الصعب عليَّ -كمراهق- أن أبتلعه ولكن مع الإدراك مؤخرًا أرى الآن الحكمة وراء ما كان يفعله، لقد أرادني أن أتعلم أن هناك نمطان من الناس في هذا العالم، [المبادر والمستجيب] هؤلاء الذين يتحملون مسؤولية حياتهم، وهؤلاء الذين يوجهون اللوم للآخرين، هؤلاء الذين يصنعون الأحداث، وهؤلاء الذين تصنعهم الأحداث].

فالإنسان المبادر هو الذي يتصرف وفقا للمبادئ والقيم الصحيحة، فيفعل ما يجب فعله، ويقول ما يجب قوله، ويتحمل مسئولية قراراته، وتصرفاته، لذلك فهو يختار حياته وفقا لما يريد في إطار من المبادئ الصحيحة، وأما المستجيب، الرد فعلي، فهو الإنسان السلبي الذي يترك للآخرين والظروف مهمة تشكيل حياته، وتحديد تصرفاته وخياراته، فيلقي باللوم دائما على الأقدار والظروف والناس، معللا بذلك فشله وإخفاقه.

لقد سبق وتحدثنا في المقالات السابقة عن العادات السبع للزهرات الأكثر فاعلية، وها نحن أمام العادة الأولى [كوني مبادرة] والتي هي مفتاح جميع العادات الأخرى، هذا هو السبب وراء كونها الأولى، إن هذه العادة تقول لصاحبتها: [أنتِ الملكة، أنتِ القوة، أنتِ قائدة حياتك، يمكنك اختيار مواقفك، أنتِ مسؤولة عن سعادتك أو تعاستك الشخصية ].

هل يمكنكِ حل تمارين الجبر قبل تعلم الجمع والطرح؟ لن يحدث هذا، نفس الشيء ينطبق على العادات السبع، لن تستطيعي ممارسة العادات 2، 3، 4، 5، 6، 7 قبل ممارسة العادة [1]º هذا لأنه لا شيء آخر يمكن أن يحدث حتى تشعري أنكِ مسؤولة عن، ومسيطرة على حياتكِ الخاصة.

هل يمكن فعلًا أن يحدث شيء بدون ذلك؟ ما رأيك....؟!

وقد أكد الله - جل وعلا -أخيتي- في أكثر من موضع في كتابه الكريم عن ذلك، فانظري للآيات الكريمة التي تتحدث عن يوم القيامة وأحوال الناس فيها:

قال - تعالى -: [[فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ [33] يَومَ يَفِرٌّ المَرءُ مِن أَخِيهِ [34] وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [35] وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [36] لِكُلِّ امرِئٍ, مِّنهُم يَومَئِذٍ, شَأنٌ يُغنِيهِ]][عبس: 33: 37].

وقال أيضًا - سبحانه وتعالى -: [[يَومَ لَا تَملِكُ نَفسٌ لِّنَفسٍ, شَيئًا وَالأَمرُ يَومَئِذٍ, لِلَّهِ]] [الإنفطار: 19].

هذا أختي الحبيبة بالنسبة لمن حولك، وتحاولين أن تلقي عليهم بمسؤولية حياتك، واتخاذ قراراتك، وها قد سمعتي الله - عز وجل - قد برأهم من المسؤولية، وجعلك وحدك المسؤولة عن حياتك، ووحدكِ من سيحاسب عنها يوم القيامة.

قال - تعالى -: [[يَومَ تَجِدُ كُلٌّ نَفسٍ, مَّا عَمِلَت مِن خَيرٍ, مٌّحضَرًا وَمَا عَمِلَت مِن سُوَءٍ,.... ]] [آل عمران: 30].

وقال أيضًا - سبحانه - جل وعلا -: [[فَكَيفَ إِذَا جَمَعنَاهُم لِيَومٍ, لاَّ رَيبَ فِيهِ وَوُفِّيَت كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ]][آل عمران: 25].

وقال - تعالى -: [[يَومَئِذٍ, يَصدُرُ النَّاسُ أَشتَاتًا لِّيُرَوا أَعمَالَهُم [6] فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, خَيرًا يَرَهُ [7] وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ, شَرًّا يَرَهُ]] [الزلزلة: 8].

فسوف تقفي وحدك أمام الله - عز وجل - يوم القيامة.

وسوف تأخذين وحدك صحيفتك عند تطاير الصحف.

وسوف تمرين وحدك على الصراط.

فإذا كانت هذه الحقيقة وسوف تحاسَبي عن كل لحظة في حياتك، وعن كل قرار فيها، وعن كل موقف، وعن...، وعن...، فكيف تتركيها للآخرين يصنعونها لك؟

أخيتي... إذا كنت لا يشغلك مصيرك في الدنيا وتساوت عندك الاختيارات، فهل تغامري بمصيرك في الآخرة؟

 

مبادرة أم مستجيبة...، الخيار لكِ:

لديكِ، ولدي، ولدينا جميعًا في كل يوم ما يقرب من [100] فرصة للاختيار أن تكوني مبادرة أو مستجيبة، في أي يوم معين الطقس سيء، لا تجدي أدواتكِ المدرسية، أحد صديقاتك تتحدث عنك من وراء ظهرك بما يسيء لك، استيقظتِ من نومك متأخرة، لن تلحقي بالمحاضرة الأولى، أخفقتِ في أحد الامتحانات، إذًا ما الذي ستفعلينه حيال كل ذلك؟ هل أنتِ تمارسين عادة الاستجابة برد فعل تجاه هذه الأنماط من الأمور اليومية.

لو أنكِ مبادرة؟ الخيار لك، إنه كذلك حقًا، لا يجب عليك أن تستجيبي بالطريقة التي يستجيب بها كل شخص آخر، أو بالطريقة التي يعتقد الناس أنه يجب أن تستجيبي بها.

كم مرة فعل فيك أخواتكِ الصغار أو زميلاتك المقالب المضحكة، المعروفة وسط الفتيات، والتي تثير غضبك؟ ترى ماذا ستفعلين؟ هل ستفقدين السيطرة على أعصابك وتسبينهم؟ أم ستصنعين فيهم نفس المقلب؟ أم لن يصدر منك أي رد فعل وتكوني مكتئبة طوال اليوم؟ أم أنك تجعلين الأمر يمر؟ وتضحكين عليه وتواصلي يومك، الخيار لكِ....

الأشخاص المستجيبون أصحاب ردود أفعال يحددون خياراتهم بناء على الواقع، إنهم - أخيتي- مثل علبة الصودا الغازية الفوارة، إذا هزتهم الحياة قليلًا ينشأ الضغط وينفجر فجأة.

أما المبادرون فيحددون خيارتهم بناء على القيم والمبادئ، إنهم يفكرون قبل أن يتصرفوا، ويدركون أنه لا يمكنهم السيطرة على كل شيء يحدث لهم، ولكنهم يمكنهم السيطرة على تصرفاتهم حيال هذا الذي يحدث، وعلى عكس المستجيبين الممتلئين بالغازات الكربونية الفوارة، فإن المبادرين يشبهون الماء، هزيهم كما يحلو لكِ وانزعي غطاء الإناءº لا يحدث شيء، لا فوران، ولا فقاعات، ولا ضغط، إنهم هادئون، رابطوا الجأش، مسيطرون على أنفسهم، وعلى انفعالاتهم.

وهذا ما قصده نبينا الحبيب صلي الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- قال: [[ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب]]. متفق عليه.

وقال أيضًا صلي الله عليه وسلم في حديث معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: [[من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله - سبحانه وتعالى - على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء]]. رواه أبو داود والترمذي، الحور العين بالنسبة للرجال، أما أنتِ أخيتي فلكِ ثوابكِ.

وقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف نتخلص من الغضب، فقال - عليه الصلاة والسلام -: [[إني لأعلم كلمة من قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب منه ما يجد]]. متفق عليه.

وخذي الآن أحد المشاهد التي يمكن أن تمري بها في حياتك، وسوف أقدم لك ردود أفعال الشخصية المستجيبة حيال هذا المشهد، وكذلك الشخصية المبادرة حيال نفس المشهد.

 

المشهد:

استمعت قَدَرًا إلى أفضل صديقة لديك تتحدث عنكِ بما يسيء إليك أمام مجموعة من الزميلات، وهي لا تعلم أنكِ تستمعين إلى الحوار منذ خمس دقائق فحسب، وقد كانت نفس هذه الصديقة تتحدث إليكِ بكلام لطيف جميل، فأنت الآن تشعرين أنتِ بالأذى والخيانة وعدم والوفاء وتُصدمين في صديقتك المفضلة.

 

خيارات المستجيبة:

توبخين صديقتك بالسب والشتم.

تدخلين في حالة من الاكتئاب العميقº لأنكِ تشعرين بمشاعر سيئة للغاية تجاه ما قالته عنكِ.

تقررين أنها كاذبة ومنافقة ذات وجهين، وتعاملينها معاملة جافة صامتة.

تنشرين عنها شائعات مغرضة سيئة، فلقد فعلت معكِ نفس الشيء.

 

خيارات المبادرة:

تستعيذين بالله من الشيطان الرجيم.

تذهبين إليها بكل أدب وتشكرينها أنها منحتكِ من حسناتها عندما فعلت ذلك.

تشرحين لها بهدوء شعورك تجاه هذا الأمر، وموقفها أمام الله - عز وجل -.

تتجاهلين الأمر وتمضي يومك بنفسية هادئة.

تسامحينها وتعطينها فرصة أخرى، فإنها إن أخطئت فأنت بشر ويمكن أيضًا أن تخطئي، فيمكنك أن تفعلي نفس الأمر، وإن لم تكوني تقصدين الضرر.

ترى أخيتي، إن حدث لكِ هذا المشهد من ستكونين؟

مبادرة.... أم مستجيبة؟؟!!! وإذا أردت أن تحددي بدقة أكبر إلى أي الفريقين تنتمين، فعلينك أن تنصتي إلى لغتك الخاصة... وهو ما سنلتقي حوله في المقالة القادمة إن شاء الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply