الأخلاق والإدارة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القيادة نشاط يمارسه القائد بالتخطيط والتنظيم والمتابعة بالإشراف على العاملين لتحقيق الهدف الإداري، وتقاس كفاءة الإدارة بمقدار نجاحها في معرفة قدرات أفرادها وقدرتها على توجيههم الصحيح لتحقيق أهداف المؤسسة.

 

وللإدارة الحديثة نظريات عديدة منها نظرية السماتº والتي تركز على الصفات الفسيولوجية والنظرية السلوكية وينطوي تحتها النمط الإنساني، والنظرية الشرطية، والإدارة بالحالات وغيرها.

 

وتحرص المؤسسات والشركات على تحقيق أهدافها الإدارية ومعدلات إنتاجها برفع كفاءة العاملين لديها، فتعقد لهم الدورات التدريبية والتثقيفية والتي تصب في غالبيته في رفع الكفاءة الإنتاجية والفنية.

 

ويسود اعتقاد خاطئ لدى الكثير من الإداريين مفاده أن المعاملة بالأخلاق مع الزملاء والجمهور تتعارض مع تحقيق أهداف الإدارة الناجحة، وأنه يصعب عليهم الجمع بين حسن المعاملة وتحقيق أهداف المؤسسة أو الشركات، ومن ثم تجدهم في إدارتهم لا يرعون للإحساس أو الشعور البشري اعتبارًا، فالفيصل هو: كم أعطك وكم تعطني، وكأن الإنسان آلة تحركها الحوافز المادية وحدها.

 

أما ما حض عليه الإسلام في الإدارة من مراعاة الأخذ بالعلم مع الشجاعة والعدل والشورى والحلم والرفق واللين والتثبت والصدق والأمانة وغيرها، فيرى كثيرون أنها عائق عن تحقيق الأهداف المرجوة.

 

ولقد قدم لنا الإسلام نماذج خالدة في الإدارة التي تأخذ بالحزم مع اللين والشفقة والرحمة ومراعاة اختلاف الكفاءات والقدرات، وأن كل إنسان ميسر لما خُلق له، وقد يخفق إنسان في عمل ما ويكون بارعًا لا نظير له في عمل آخر، وعبقرية الإدارة تكمن في حس تقدير الإداري لمن يعملون معه ومعرفة كفاءاتهم وصفاتهم، وكيف يمكنه أن يحصل من النفس البشرية العاملة معه على أفضل ما لديها من جهد وفكر وتفان مع الحب والإخلاص.

 

وهاهو نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - يقدم للبشرية نموذجًا للقيادة البشرية الرشيدة، فيحقق مع مرءوسيه من الصحابة رضوان الله عليهم مبدأ الشورى، وينزل أحيانًا عن رأيه لرأيهم، إذا لم يكن في الأمر وحي من السماء، كما حدث في غزوة بدر وأحد والخندق، ثم هو - صلى الله عليه وسلم - يشارك مرءوسيه وصحابته في العمل ولا يلقي الأوامر من برج عاجي، فحين اعترضتهم الصخرة الصلبة في حفرهم للخندق نزل بنفسه - صلى الله عليه وسلم - وكسرها بمعوله.

 

ثم هو - صلى الله عليه وسلم - يقدم القدوة الحسنة، فلا يميز نفسه عنهم بحظ من حظوظ النفس أو المال، فيرحم ضعيفهم ويكرم عزيزهم ويعلم جاهلهم، ويختار لكل عمل من يناسبه من أصحابه، فيولي معاذ بن جبل القضاء، وما ولاه قيادة الجيش، ولما طلب منه أبو ذر الإمامة ـ مع حبه الشديد له ـ يرفق به ويقول: \"يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة\"، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. بل إنه وضع مبدأ ليت الإداريين يفطنون إليه: \"إنا لا نولي هذا الأمر أحدًا حرص عليه\".

 

لقد كان من الصحابة من يحمل من الصفات التي تؤهله لقيادة الجيوش، ومنهم من هو مؤهل للقضاء أو للقيام على الشؤون المالية وغيرها.

 

إن الإدارة عبادة إذا كانت لله، وكما أن الإدارة محاسَبة على تحقيق أهدافها المادية وفق خطتها المعتمدة، فهي في ذات الوقت محاسبة على أخلاقها التي عاملت بها من هم تحت يدها من العاملين، ولا تناقض بين تحقيق أهداف الإدارة وتحقيق أوامر الشرع بحسن الخلق ورفع الظلم وتحقيق العدل، وتلك عظمة الإسلام.

 

والقارئ للتاريخ الإسلامي يجد الكثير من النماذج السامية التي حققت الأهداف الإدارية والاجتماعية والأخلاقية، وهذا ما يحاول الغرب الآن لاهثًا أن يجمع بين الإدارة الناجحة وفي ذات الوقت تحقيق الأهداف الاجتماعية.

 

ولن يجدوا ما أجهدهم البحث عنه إلا في شريعة الإسلام، وفي سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله - تعالى -رحمة للعالمين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply