بسم الله الرحمن الرحيم
المهارة الأولى للياقة الذهنية
أين الإسكندرية؟
بعد أداء صلاة الفجر وفي تمام الساعة السادسة صباحًا وقفت الأسرة المتكونة من الأب والأم والابن والبنت أمام السيارة لوضع الحقائب في مؤخرة السيارة وركوب السيارة بعدها للسفر من القاهرة إلى الإسكندرية لقضاء يوم من الإجازة الصيفية هناك. كانت الخطة أن يصلوا إلى الإسكندرية وقت صلاة الظهر حيث يصلون هناك ثم يحجزن في أحد الفنادق ثم تنال الأسرة قسطًا من الراحة وبعدها يتجهون إلى البحر مباشرة حيث يقضون الوقت إلى صلاة المغرب.
وما إن ركب الجميع في السيارة وبدأت السيارة في التحرك حتى أثار الابن هذا التساؤل:
فقال: يا أبي أليس وقت السفر من القاهرة إلى الإسكندرية أربع ساعات فقط؟
فرد الوالد: بلى يا بني هكذا أخبرني أصدقائي وأنا متأكد من كلامهم على الرغم من أن هذه أول مرة أسافر فيها إلى الإسكندرية.
فقال الابن: إذن سنصل إن شاء الله في حوالي الساعة العاشرة صباحًا، فما سنفعل من الساعة العاشرة إلى الساعة الواحدة؟
فردت الأم بسرعة: هذا أفضل وقت للتسوق في هذه المدينة قبل وقت الزحام.
فوافقتها البنت مسرعة أيضًا: نعم يا أماه، أريد أن أشتري بعض الملابس من هذه المدينة المتميز سوقها.
فردت الأم ولكني أريد شراء الطعام والخضار اللازم لنا في هذه الرحلة.
فرد الابن: السوق..السوق..كل حياتكن السوق! كلا أنا صاحب هذه الفكرة من الأساس وأريد أن أذهب إلى الملاهي في هذا الوقت.
ضحك الوالد من كلامهم جميعًا ثم قال \'تكلموا كما تشاءون، ما إن أصل إلى المدينة حتى سأتوجه في الحال إلى أقرب فندق لأنال قسطًا أكبر من الراحة، وابحثوا ساعتها عمن يأخذكم إلى ما تريدون.
فانقلب الجميع ضدًا عليه: فأنت دائمًا تريد أن ترتاح! هذه رحلة ترفيهية وليست رحلة نومية، وما الذي جاء بك إلى الإسكندرية إذا كان الهدف من الرحلة النوم.
فأجاب الوالد: حكم القوي على الضعيف.
استمرت الأسرة في هذا الجدال لمدة ساعة كل ذلك والوالد يسير في طريقه مسرعًا إلى الإسكندرية
وبعد ساعة من الجدال غضب الوالد وقال: اسكتوا جميعًا أنتم تشوشون علي أثناء قيادتي للسيارة انتظروا حتى نصل إلى الإسكندرية وبعدها يحلها ألف حلال.
فسكت الجميع وأخذوا يستمعون إلى شريط القرآن الذي وضعه الوالد في المسجل واستمر الوالد في قيادته مسرعًا إلى مدينة الإسكندرية.
مر حوالي أربع ساعات ونصف ولم يصلوا بعد إلى الإسكندرية.
وكانت المفاجأة الكبرى للأسرة في النهاية أنهم وجدوا أنفسهم على أبواب مدينة المنيا بدلاً من مدينة الإسكندرية.
لقد أخطأ الوالد فاتجه إلى الجنوب بدلاً من أن يتجه إلى الشمال حيث الإسكندرية، وبالتالي ضاعت الرحلة بأكملها ولم يعد هناك وقت كافٍ, للوصول إلى الإسكندرية.
ما هي العبرة من هذا المثال؟
إن أهم سبب وراء قلة إنتاجيتنا وقلة وصولنا إلى أهدافنا يكمن في عدم وضوح أهدافنا وقيمنا، وبالتالي عدم وضوح الوجهة إلى تلك القيم والأهداف، إنه من المغري الاعتقاد بأن الأمر يرجع إلى ضعف الإرادة أو الكسل أو قلة الكفاءة، لكن وبالرغم من أن هذه الأمور قد تكون بالفعل عوامل مساهمة في إيجاد هذا الوضع إلا أنها نادرًا ما تنطوي على أهمية كبيرة.
لقد قرأ كل واحد فينا أكثر من كتاب في فن إدارة الوقت ومع ذلك لم يحظ بعد قراءته بكبير فائدة لأنه لا قيمة لهذه القواعد لاستغلال الوقت بدون المبدأ المركزي لاستغلال الوقت الذي يتم بالبساطة والعمق، فما هو ذلك المبدأ المركزي؟؟
المبدأ المركزي لاستغلال الوقت:
لتقضي وقتك في القيام بتلك الأشياء التي ترى أنها ذات قيمة لديك والتي تساعدك على تحقيق أهدافك.
كثير منا ـ وبكل أسف ـ يقضي أغلب أوقاته بعيدًا كل البعد عن قيمه وأهدافه بل يقضي أغلب أوقاته في أشياء مدفوع إليها دفعًا وفي أعمال مضطر إلى عملها اضطرارًا، وبالتالي تمر الأيام والأسابيع والشهور والسنين دون أن يحقق أهدافه ودون أن يصل إلى طموحاته.
ها هي هيلاري إحدى سيدات الأعمال الشابات كانت في ظاهرها تبدو سعيدة وناجحة، ولكنها في داخلها كانت تشعر بالقلق وانعدام السيطرة، ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين فإذا به يجد عملها سلسلة من الضغوط لا نهاية لها، مع أنها كانت تدرك كل شي عن إدارة الوقت، إذًا فأين تكمن المشكلة؟
لقد كانت هيلاري مشغولة وكانت تعمل بكفاءة لكن المشكلة أنها كانت في فترات طويلة من أوقاتها كانت تؤدي أعمالاً لا تساهم في الوصول بها إلى أهدافها الرئيسة، فلم تكن تختار أي المشروعات التي عليها أن تنفذها، وأيها تلك التي عليها أن تنبذها، وذلك في ضوء مرجعية قيمها وأهدافها. ويعود ذلك إلى أنها لم تكن تمتلك فكرة واضحة عن ماهية تلك القيم وماهية تلك الأهداف. وكانت النتيجة أنها قبلت أن تأخذ على عاتقها القيام بكل المشروعات تقريبًا والتي ألقى بها في طريقها، ولم تكن لها رؤية واضحة تمكنها من تحديد أولوياتها وانتهى بها الأمر إلى تنفيذ أي أعمال تتصف بأنها عاجلة للغايةº والحصاد: الضغط العصبي وانعدام الرضا.
وقفة مع النفس:
بداية الإصلاح إذًا أن نقف مع أنفسنا وقفة نحدد من خلالها تلك القيم والأهداف التي نريد أن نصل إليها في حياتنا، فإذا ما اتضحت تلك القيم والأهداف سهل علينا بعد ذلك أن نقضي أوقاتنا في الوصول إلى تلك القيم والأهداف.
وإليك وصفة تسهل عليك الوصول إلى معرفة قيمك وأهدافك:
تخيل أن جنازتك سوف تجري بعد ثلاثة أعوام ترى ما الذي تحب للناس أن يذكروه عنك؟ ما الذي تود أن يقوله عنك أحد أصدقائك المقربين؟
لاشك أن تذكر الموت والآخرة يعيد للإنسان صوابه ويساعده بشدة على اختيار أهدافه الصحيحة ويعطيه نور البصيرة في كيفية قضاء الوقت في هذه الحياة الدنيا، ولذا فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: [[أكثروا من ذكر هادم اللذات]].
وقال أيضًا: [[اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك، وغناك قبل فرقك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك]].
إذًا ابدأ وتأمل وتذكر وبعدها حدد الأهداف الدنيوية والدينية التي تريد تحقيقها قبل أن ترحل من هذه الحياة.
تناول فطيرة الوقت:
من الأشياء التي قد تفيدك جدًا في إدارة وقتك وحياتك هو عمل تلك الفطيرة المستديرة فطيرة الوقت. إنها رسم بياني دائري توضح عليه كم من الوقت تريد أن تقضيه في كل من النواحي الرئيسة في حياتك: عملك، أسرتك، أورادك، اهتماماتك، ترفيهك عن نفسك، هذه الفطيرة المستديرة تشكل أمرًا مفيدًا للشخص المشغول الذي يبدو أن عمله يستغرق كل حياته بمثل الفائدة التي تعود على الشخص الذي تبدو حياته وقد أتخمت بالفراغ!
فغالبًا ما تجد الشخص المنشغل قد فقد الاتصال بما هو هام فعلاً، لذا فإن كنت مشغولاً للغاية اقتطع وقتًا تقوم فيه بعمل تقريرك عن القيم والأهداف، ثم ارسم رسمًا دائريًا موضحًا فيه كم من الوقت تريد أن تقضيه في كل النواحي الرئيسة، وحاول أن تعقد مقارنة بين توزيعك للوقت في رسمك الدائري المثالي، وبين توزيعك لوقتك، في الواقع إن إحدى المشاكل التي يواجهها الشخص المشغول هو أن العمل يمكن أن يلتهم قدرًا متزايدًا إلى حد الإفراط من الوقت، وذلك على حساب العائلة، والأصدقاء.
إن من أخطائنا في الحياة أننا نضع أنفسنا كثيرًا في خانة الهام والعاجل مما يجعلنا تحت ضغط نفسي ويجعلنا لا نتقن العمل كذلك. ويسبب لنا أيضًا الهروب والتسلل من هذه الخانة إلى خانة غير هام وغير عاجل، مثل: تصفح الجرائد أو إحدى المجلات، حتى ولو كان ذلك يتم بلا متعة كبيرة إلا أنه يتم في وقت نشاء ذلك لمجرد وجودها أمامنا، وعلى سبيل الحصول على قسط من الراحة فقط.
إن الهدف الذي نريد الوصول إليه من خلال ذلك المربع أن نقضي أوقاتنا في مزاولة تلك الأنشطة ذات الأهمية بالنسبة لنا. وعلى ذلك فالهدف أيضًا هو ألا تقضي أوقاتًا في أنشطة غير هامة سواء كانت عاجلة أو غير عاجلة.
وأكثر من ذلك فالمرغوب أن تقضي أكثر ما تستطيع من وقت في الأنشطة غير العاجلة ليس فقط لأن الأمر يكون إرهاقًا في العمل في الأمور العاجلة ولكن أيضًا لأن هناك كثيرًا من الأنشطة الهامة لا تصبح عاجلة أبدًا وسوف تؤجلها دائمًا، مثل: قضاء الوقت مع الأسرة وتطوير اهتماماتك وبعض الترفيه، ومع زيادتك للوقت الممنوح للأعمال غير العاجلة فإنك سوف تقلل بالتدريج من كمية الوقت التي تحتاجها لأجل الأعمال العاجلة لأنك سوف تقوم بتنفيذها قبل أن تصبح عاجلة بالفعل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد