بسم الله الرحمن الرحيم
هزّت الصحف السعودية بداية العام الحالي عدّة حوادث تداولتها عن هروب بعض الفتيات، كان لها وقع الصاعقة في قلوب الكثيرين، خاصةً في مجتمع محافظ، متمسك بثوابته الدينية!!
منها على سبيل المثال:
فتاة في السابعة عشرة تهرب من عائلتها في عسير، يذكر أن عسير شهدت قبل عدة أسابيع هروب فتاة من منزلها، ولم تتمكن الجهات الأمنية من العثور عليها جريدة (المدينة) عدد 1424.
هروب فتاة في العشر الأواخر من منزلها أثناء إعداد والدتها المسنة لوجبة السحور، ويذكر أن الفتاة تعاني من حالة نفسية، ولم تبلغ السلطات إلا في تاريخه (جريده الرياض عدد 23ذي الحجة 1425).
وهروب الفتيات ليست ظاهرة وليدة اليوم كما يدّعي البعض بل ورد في التاريخ الإسلامي بعض الحالات، فعندما كانت الروم تحاصر الأندلس المسلمة كان لأحد الأندلسيين بنت ففقدها فأُخبر أن كبيراً من رؤوس الروم خرج بها فتبعه أهلها وشكوه إلى صاحب مملكتهم فأحضره فقال الرومي: لا تعجل عليّ فإنها فرّت إلى ديننا، وجيء بها فأنكرت أبويها وارتدت!!
مما يدلل أن النفسية التي تتعامل بها الفتاة مع محيطها هي واحدة على مرّ الأزمان.
وقبل أن نُنحى باللائمة تماماً على الفتاة، لك أن تنظر في هذه الإحصائيات من واقع مجتمعاتنا:
ذكرت جريدة الإتحاد، أن مراكز الشرطة في دبي خلال عام 2001 سجلت هروب (79) مراهقة (المجلة الإلكترونية).
أما في اليمن، ففي صنعاء خلال أسبوع واحد اختفت عشر فتيات، وفي صنعاء أيضاً خلال ثلاثة أشهر(45) حالة، أما الحالات المبلغ عنها من قبل أهاليهن على أنها هروب فكانت (20) حالة(جريدة الرياض 5 ربيع الثاني 1423عدد 12413)
وفي جمهورية مصر فقد قال الدكتور أحمد المجدوب الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية: لقد أثبتت الدراسات الميدانية ارتفاع معدل هروب الفتيات ففي القاهرة كان المعدل من سن (12-17) سنة (28) حالة عام 1991، و(95) حالة عام 1994، أما في جميع المدن ففي الأعوام، 98، 97، 96 قد بلغت الحالات (7340) حالة.
أما في السعودية فتشير إحصائيات وزارة الداخلية إلى أن حالات هروب الفتيات قد سجلت منحنى خطيراً، حيث بلغ إجمالي حالات الهروب والتغيب المبلغ عنها(3285) من الجنسين، عدد الإناث(850) (جريدة الوطن عدد1537).
وإذا كانت بيانات التركيب العمري للسكان السعوديين قد أشارت إلى أن نسبة الأطفال في السعودية ممن يبلغ عمرهم (14) عاماً أو أقل حسب آخر تعداد 49. 23 % فلك أن تقدّر أعداد المراهقين والمراهقات في مجتمعنا خلال جيل قادم!!
أنواع الهروب:
هروب معنوي: وهو الأكثر شيوعاً وذلك لطبيعة المجتمع المحافظ، ولخوف الفتاة من الأسرة، فتنعزل الفتاة نفسياً وتبقى في غرفتها مدةً طويلة، حيث تجعل لنفسها عالماً آخر من خلال الأحاديث الهاتفية، أو المحادثة عبر الإنترنت، فتملأ هذه المحادثات عقلها ووجدانها، يطمئن فيها الوالدان بأن أبناءهم وبناتهم يواكبون العصر أمام شاشة الكمبيوتر، وهذا بنظرهم آمن من الخروج للنزهات؟!! وقد تستيقظ الأسرة ذات صباح على فاجعة هروب الفتاة!!
وشكل آخر من أشكال الهروب: وهو المشاكسة، حيث ترفض بعض الفتيات أي موضوع يطرح لها سواءً كان سلبياً أم إيجابياً، ليس بهدف الوصول إلى نتيجة ولكن بغرض الحب في المعارضة التي تأتى في هذا الإطار رغبة منها في إثبات الذات!!
هروب مادي: حيث تقذف الفتاة بكل المبادئ والفضائل، التي نشأت عليها وتنساق وراء رغباتها التي في الغالب تقودها إلى الوقوع في الرذيلة!!
وفي دراسة قامت بها عايدة سيف الدين الباحثة في مركز دراسات المرأة والطفل في (مصر) أن 15% من الفتيات هربت بدافع الحب لشاب رفضته الأسرة، وفي بعض الأحيان تكون البنت قد أخطأت معه!
ومن الأمثلة أيضاً ما حكته عائشة الشهري أخصائية الطب النفسي بوزارة الشؤون الاجتماعية من أن إحدى الفتيات التي عايشت قصّتها، والتي تبلغ من العمر (25) كانت على علاقة بأحد الشباب، وصلت لأمور غير شرعية وبعد رفض أهلها للزواج به، هربت الفتاة معه إلى خارج السعودية لإجبار أهلها على الموافقة، وبعد عودتها قام والدها بتطليقها منه؟! (جريدة الوطن)عدد1537
هروب مادي: (تُساق إليه الفتاة قسراً) بسبب كثرة الرفض من الأهل لمتطلبات الفتاة، وكثرة الجدال، يؤدي إلى الإحساس بعدم إشباع حاجتها النفسية من الحب والتقدير، فتزداد الفجوة بينها وبين عائلتها، وقد تُصاب الفتاة بالاكتئاب، وتصل في نهاية المطاف إلى فكرة الهروب حيث تتلقاها الأيدي غير النظيفة!! واللوم هنا لا يقع على هؤلاء الفتيات الهاربات! بل تتحمل الأسرة غياب (الحوار الأسري)º لأن الفتاة لم تنشأ منذ الأساس على الرضا بالواقع بأنّ كُلّ شيء مقسوم في الحياة، وأن الناس خُلقوا طبقات شتى، فتجنح بخيالها، وتبتغي تغيير الواقع بالطرق الملتوية غير المشروعة؟!
أسباب الهروب:
ضعف الوازع الديني
التفكك الأسري: ومثاله ما ذكرته مجلة الأمل التابعة لمستشفى الأمل للصحة النفسية(عدد 36) عن إحدى نزيلاتها التائبات من الإدمان، وكان بدايته انفصال والديها ومكوثها عند جدتها المُسّنة، فأجبرها والدها على الزواج من صديقه، وعمرها (14) عاماً!! فهربت منه إلى إحدى صديقاتها التي استغلتها لتهريب المخدرات، ثم زواجها مرّة أخرى بأحد الذين يتعاطون معها، وموت ابنتها أثناء تعاطيهم جميعاً للمخدرات؟!
صديقات السوء: يستطيع الأهل النظر في رفيقات الفتاة من خلال مقابلتها شخصياً أو بسؤال المدرسة، ومن متابعة أحاديث الفتاة الهاتفية معهنّ بشكل غير مباشر!!
التقليد الأعمى لو سائل الإعلام: لعبت وسائل الأعلام دوراً كبيراً في تغيير أفكار فتياتنا من خلال أحاديث الفنانات التي دائماً تشير إلى أن سبب نجاحها، هو هروبها من منزل أسرتها لتحقق رغباتها الشخصية، وأيضاً من عرض المسلسلات الأجنبية التي لا تتفق مع تعاليم ديننا حيث تزين لهنّ الحرية والانطلاق للعالم الخارجي دون قيود؟!
هامشية دور المشرفة الاجتماعية: لكون الفتاة تقضي وقتاً طويلاً في المدرسة، وتتشكل شخصيتها من خلال عالمها المدرسي، كان الأجدر بمن تتولى مهمة الإشراف المدرسي، تفعيل دورها وتطويره من خلال عقد الدروس والإجابة عن استفسارات الفتيات النفسية، وحصر الفتيات المشاكسات لتلقّي برنامج حواري فعّال؟!
التدليل الزائد: هو سلا ح ذو حدين، وسريعاً ما تُصاب الفتاة بالملل من حياتها الرتيبة بنظرها!! وتنشد الإثارة من خلال اقتحام المجهول أياً كان؟!
الضغط على الفتاة بالزواج من رجل مُسنّ:
غياب الرقابة المنزلية: بداعي الثقة تغيب الرقابة عن الفتاة، فتصبح أداة لأهل السوء على كافة مراتبهم! سواء في المنزل أو خارجه!!
الحلول:
- كفّ الممارسات الذكرية المتسلطة على الفتاة من قبل إخوانها وأحياناً والدها!
- اقتراب الأم من ابنتها برفق، وجمعها بين اللين والحزم مع المراقبة بطريق غير مباشر! وغالباً ما تقع في هذا التقصير الأمهات العاملات لابتعادهن عن بناتهنّ فترات طويلة!!
- مراعاة التركيبة النفسية والهرمونية للفتاة، وخاصة فترة الامتحانات والدورة الشهرية!
- توعية الأسرة بأساليب التربية السليمة!
- تفعيل دور الأخصائية الاجتماعية في المدارس!
- دور الإعلام الهادف في محاربة المخدرات، والمعاكسات الهاتفية!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد