التأديب بالضرب بين الإسلام والفكر الغربي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

سافر الشاب المسلم الحريص على دينه إلى الولايات المتحدة واستقر به المقام هناك وتزوج أمريكية وأنجب منها..وكبر الأبناء وأصبح أحدهم في المرحلة الإعدادية. ذات يوم تغيب عن المنزل فقلق عليه أبوه قلقاً شديداً.. وجاء الابن في اليوم التالي وأخبر أباه أنه كان في رحلة مع أصدقائه.. الأب رغم أنه أصبح أمريكي الجنسية إلا أن الإسلام مازال يسيطر على فكره وشخصيته.. فلم يعجبه هذا العوج من ابنه فوبخه وضربه ليقومه.

وفي اليوم التالي ذهب الابن للمدرسة وعليه آثار الإرهاق وحينما سألته المعلمة عن سبب ذلك عرفت منه أن أباه ضربه فارتعدت فرائسها وقالت له لقد انتهى عهد العبودية وأبلغت الشرطة التي استدعت بدورها الأب لتنذره أنه إذا تكرر منه ذلك فسوف تدفع بالابن إلى مدرسة داخلية وتنهي العلاقة بينه وبين أبيه.

فالمجتمع الأمريكي والغربي عموماً كما يزعمون - يرفض الضرب الذي يذكرهم بالعبودية، لكن هل قضت القوانين والحريات المتاحة حقاً على ظاهرة الضرب هذه؟.

تقول الإحصاءات إن في أمريكا كل 15 ثانية يضرب أحد الأزواج زوجته ضرباً مبرحاً، وفي فرنسا توجد وزارة لشئون المرأة تطالب بتشريعات جديدة وبتكوين شرطة خاصة لإبلاغها بضرب الزوجات والأولاد ويطالبون أيضاً بمحاكم أسرية خاصة.

أما في إنجلترا فأصبحت ظاهرة الضرب [ضرب الأزواج للزوجات] محلاً للشكوى، وفي وروسيا انتشرت الظاهرة على نطاق واسع.. لكثرة عدد الأزواج العاطلين ونتيجة للحياة الاقتصادية الصعبة وأصبح الأزواج ينفثون عن أنفسهم بضرب زوجاتهم. وهكذا فرغم النفور الشديد من الضرب سواء ضرب الزوج لزوجته أو ضرب الأب لأبنائه في الغرب ورغم القوانين التي تمنع ذلك لم تتوقف الظاهرة بل تزداد انتشاراً.        

وطبعاً استوردت الجمعيات النسائية في مجتمعاتنا الأفكار الغربية.. باعتبار الزوج الذي يؤدب زوجته بالضرب غير آدمي.. ويطالبون المرأة أن ترفع عليه قضية طلاق.. وكذلك يطالبون بألا يضرب الأب ابنه.. بل لابد في عرفهم أن يعتذر ويتأسف الأب لابنه إذا أخطأ في حقه.

 

الغيظ يملأ قلوب الغرب ضدنا

تقول د. زينب منصور أستاذ مناهج التربية: إن الشريعة الإسلامية فيها التوسعة حسب الأحوال فالبشر بطبعهم مختلفون ما يصلح لأحدهم لا يصلح للآخر.. فلو قلنا بعدم الضرب نهائياً يمكن أن يظل قطاع عريض من النساء على نشوزهن وتمردهن.

إن القرآن يتدرج حسب كل حالة فهناك من تتأثر بمجرد نظرة العين وربما يؤثر فيها الكلام الزائد تأثيراً عكسياً، وهناك من تتأذى بالهجر وبالتالي يكون فيه تأديب لها وتخويف وإصلاح لاعوجاج حالها، ومن النساء وكما هو مجرب في دنيا الناس من لا تتأثر إلا بالضرب.. ولا يناسب جرمها واعوجاجها الكبير إلا الضرب لأنها استهانت بالعظة والهجر.. وبالتالي فإن الآية حجة للإسلام وليست حجة عليه، فبها توسعة وفيها تفصيل وفيها تدرج.

وترى د. أسماء زايد الخبيرة الاجتماعية: إن الحفاظ على شخصية الأب ضروري جداً.. فالابن لابد أن يشعر بل ويتأكد بأن هناك سلطة أبوية لا يمكنه تجاوزها.

وأن علاقته مع والديه لها حدود وضوابط لا يتعداها.. ودعوى صداقة الابن لأبيه أفسدت كثيراً من الأسر بسبب إضاعتها لهيبة وشخصية الأب.

فهناك أخطاء للأطفال لا يمكن علاجها إلا بالتخويف والضرب الخفيف.. بشرط ألا يتكرر الضرب باستمرار حتى لا يتعود عليه الطفل وبالتالي يفقد قيمته كعامل مؤثر في التقويم.

وتضيف د. أسماء زايد: إننا ينبغي أن نؤمن بكل ما جاء في القرآن.. ولا ننهزم أمام الغرب وأمام دعاوى الاستنارة وحقوق الإنسان والحرية فنلغي ديننا تدريجياً.

الضرب ورد في القرآن كمرحلة أخيرة في التأديب ينبغي أن تسبقها مراحل أخرى.. فلا يجوز أن نبدأ التأديب بالضرب.

والعجيب أن المجتمعات الغربية التي تعيب علينا وتقول إن ديننا يحض على الضرب نجد أن أسرهم مفككة محطمة.. والغيظ يملأ قلوبهم من ترابط أسرنا وهم يعلمون أن سبب ذلك هو ديننا.. فيصدرون إلينا أفكارهم لتفكك هذه الروابط.

والغريب أن العلمانيين والمتغربين الذين آمنوا بهذا الفكر الغربي هم أكثر القطاعات في مجتمعنا تعاني التفكك الأسري.. فلو لم يكن الزوج عندهم يضرب زوجته باستمرار.. نجد أن الزوجة هي التي تضرب زوجها. نحن المسلمين يجب ألا ندافع أبداً وننكمش وننهزم فنحن نؤمن بقرآننا وبمصطلحاتنا من عند السميع العليم الأعلم بكيفية إصلاح أحوال عبيده.

المفرطون في دينهم هم الذين يضربون زوجاتهم

يرى د. محمد همام الفلسفة الإسلامية أن موضوع التأديب عموماً يستخدم من أجهزة الدعاية المعادية للإسلام في غير موضعه. فالغرب من حيث المبدأ لا يرتب حقوقاً للزوج على الزوجة فنظام الزواج عندهم سواء كان دينياً يتم في الكنيسة أو مدنياً يتم في الشهر العقاري لا يرتب للزوج حقوقاً من قبل زوجته كما في الإسلام. والتأديب في الإسلام يتم في إطار حقوق الزوج من ناحية وفي إطار مسئولياته من ناحية أخرى. والإسلام لا ينظر للتأديب على أنه حق للزوج على الزوجة ولكن على أساس مسئوليته، فالزوج مسئول عن نظام الأسرة ومراعاة شئونها وتأديب أفرادها وضبط سلوكهم. في الغرب تنحصر مسئولية الزوج في الرعاية.. وهذه الرعاية عندهم مفهومها مبهم وغير محدد. ونتيجة لهذا الاختلاف الأساسي في المفاهيم يعتبر الغرب التأديب في حد ذاته امتهان للحقوق الإنسانية.

وإذا قال الغرب إن ضرب المرأة يسبب لها ضرراً فهل يتساوى هذا الضرر مع إباحة الشذوذ الجنسي للمرأة والذي يسبب لها ضرراً فعلياً حيث إنها لن تتزوج ولن تنجب أطفالاً ولن تروي أمومتها.

ويضيف د. محمد همام إن الفتاة لو تربت على خلق قويم وبأسلوب تربوي جيد فهذا سيجعلها تشعر بالمسئولية وسيبني شخصيتها على رجاحة العقل وبالتالي فحينما تتزوج فسوف يكون بينها وبين زوجها أرضية مشتركة ولن يحتاج الزوج في تقويمها إلى التوبيخ أو الضرب. أما إذا لم تحظ الفتاة بهذا القدر من التربية الإسلامية والخلق الإسلامي وكانت على قدر من المشاكسة والشراسة والنفور فإن التشاور والنصح الهادئ سوف يكون غير مجد، وبالتالي يضطر الزوج إلى الاختيار من البدائل الأخرى. والزوج العاقل لا يستخدم البدائل العنيفة أولاً بل يبدأ كما نصحه القرآن بالتدرج التصاعدي وينظر لطبيعة الزوجة وسلوكها وإلى أنجع الطرق للتعامل معها.       

وينبه د. محمد همام إلى نقطة هامة وهي أن هناك فئة من الآباء والأزواج لا تلتزم بالفرائض والقيم الإسلامية فهم لا يصلون ولا يصومون ويشربون الخمر والمخدرات ويأتون السلوك الفاحش، وهؤلاء يضربون زوجاتهم وأولادهم ويحتجون بحقهم الشرعي. وبالتالي فنحن يجب أن نفرق بين رجل مسلم واع يلجأ إلى الرخصة الإسلامية بقدرها وفي وقتها وبشروطها وبين شخص آخر غير ملتزم بالإسلام ولكنه يستخدم الإسلام في تبرير سلوكه العدواني ضد زوجته وأولاده. فالضرب حالة استثنائية أي أنه يستخدم في حالات معينة ويمارس بقدره وبغرض الإصلاح. أما هؤلاء الفاشلون فيمارسون الضرب في كل وقت وبأسلوب عنيف وشرس ويهدفون إلى الإيذاء والإذلال والحط من كرامة الزوجة وليس بهدف الإصلاح.

 

انتقادات الغرب لنا يجب أن تزيدنا اعتزازاً بديننا

أما د. أحمد المحجوب أستاذ علم الاجتماع فيقول: إن للغرب أن يعتقد ما يشاء من العقائد وأن يتصرف بأي نوع من أنواع السلوك وأن يقيم مجتمعاته ونظمه كما يريد. فإذا شاء أن يجعل الأسرة عبارة عن امرأة تتزوج امرأة أو رجل يتزوج رجلاً أو رجل يتزوج امرأة ويعيش معه رجل آخر في المنزل فله ذلك. وإذا أراد أن يعطي الفتاة مطلق الحرية الجنسية بعد الزواج وقبله وكذلك الفتى وأن يجعل كما يحدث الآن للزوجة يوماً تترك فيه بيت زوجها لتذهب لصديقها وأن يجعل للزوج يوماً مثله فله ما يريد.

لكن المشكلة أن الغرب يريد أن يصدر إلينا هذه الأنماط المشوهة من العلاقات الاجتماعية ويجعلنا نؤمن بها وننفذها في بلادنا. إن الغرب في غيظ شديد من تماسك الأسرة المسلمة.. ويعلمون أنها أقوى الأسر تماسكاً في العالم، وهذا التماسك ناتج عن فلسفة إسلامية معينة في بنائها، ومنها حق الزوج في تأديب زوجته وأولاده.

 

وهذا الحق استثنائي ومشروط بشروط، فمن الأخطاء ما لا ينفع معها إلا الضرب.

إن الغرب وأتباعه في بلادنا كثيراً ما يتهجمون على الإسلام ونحن ينبغي ألا نهتز من ذلك بل يزيد اقتناعنا بالإسلام الذي حفظ أسرنا ومجتمعاتنا هذه المئات من السنين، ولا ننتظر من غرب الحملات الصليبية والاستعمار الحديث وراعي الصهيونية أن يفعل غير هذا.

ويضيف د. أحمد المجدوب: إن أسلوب بناء الأسرة في الغرب سيكون هو نهاية الحضارة الغربية كلها، فحالات الطلاق وعدم الزواج وعدم الإنجاب والانصراف عن تكوين الأسرة والشذوذ. الخ. كل ذلك هو السوس الذي ينخر في عظم الحضارة الغربية وسوف يقوضها بأسرع مما نظن.

إن المرأة عندما تجد الضرب مشوبا ومصحوبا بحنان الضارب فهي حينئذ ستطيعه من نفسها، لأنها ستدرك بذلك أن المسألة ليست استذلالا إنما إصلاح.

هذا هو الفهم الإسلامي الصحيح لقضية الضرب بأنه التأديب المصحوب بعاطفة المؤدب المربي وهو الزجر وليس بمعنى الإيلام والإهانة، لذا فلتنكس سهام كل أولئك الذين هاجموا الإسلام واتهموه بأن علاجه للمشاكل الزوجية علاج صحراوي جاف لا يتفق مع طبيعة التحضر الذي يعمل على تكريم الزوجة وإعزازها. وقد جاراهم في ذلك بعض من أبناء الإسلام الذين طاروا وراء أفكار الغرب، وما علموا أن الإسلام لم يأت لجيل معين ولا لجماعة خاصة أو إقليم خاص أو بيئة محددة إنما هو إرشاد وتشريع عام لكل جيل وبيئة وعصر.

 

الموقف الشرعي

ويوضح د. عثمان مشهور الأستاذ في جامعة الأزهر هذه القضية بقوله: لقد استغل أعداء الإسلام مصطلح [الضرب] كما ورد في حق الزوج بتأديب زوجته، ليشيعوا بأن الزوجة في الإسلام مخلوق يتوجب على الزوج ضربه باستمرار وبسبب وبدون سبب، وأن الزوجة وسيلة تنفيث عن غضب الزوج، وتمتلئ كتب المستشرقين بالكتابات الحاقدة التي تصور الرجل المسلم لا يتوانى عن سلخ جلد زوجته بدون أي سبب في حين يعطف على ناقته، أي أن المرأة في الإسلام أقل قيمة من الناقة!!

وبالطبع لسنا هنا في صدد الرد على كتابات الحاقدين على الإسلام والمسلمين، بقدر ما نحن أمام توضيح حقيقة مفهوم الضرب التأديبي ضمن العلاقة الزوجية، فقد أباح الشرع للزوج أن يضرب زوجته لتأديبها، ولكن هذه الإباحة لا تصبح حقاً للزوج إلا بعد أن يستنفذ أسلوبي التأديب، وهما: الوعظ أولاً، ثم الهجر في المضجع ثانياً، وبعد أن يستنفذ الزوج هاتين الوسيلتين ويتأكد من عدم نجاحهما في تأديب زوجته، وبالتالي فللقاضي الذي تعرض عليه حالة ضرب زوج لزوجته أن يتأكد إن كان الزوج قد لجأ أولاً إلى الوعظ ثم إلى الهجر، فإن ثبت لديه أنه لم يلجأ إليهما وبدأ بوسيلة الضرب أولاً فله أن يحكم لصالح الزوجة ويعاقب الزوج. وقد وضع الشرع قيوداً كثيرة على حق الزوج في استعمال الضرب لزوجته كأسلوب تأديب.

وأولها: القيد النفسيº وهو: أن الزوج إذا قدّر بأن تأديب زوجته لا يكون إلا بالضرب الشديد المؤلم فلا يجوز له الضرب، كما لا يجوز له الضرب إذا كان غاضباً أو في حالة عصبية أو نفسية شديدة، بل يجب أن يستعمل حق الضرب وهو بحالة نفسية واعية وهادئة وبتقدير مسبق أنه لا يضرب زوجته بهدف إهانتها أو إيذائها، بل بهدف تقويمها وتأديبها وإعادتها إلى جادة الصواب وبما يقوي الحياة الزوجية والأسرية.

القيد الثاني هو: ألا يكون الضربُ مبرّحاً، وهو ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: \'فاضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضرباً غير مبرح\'، وهو تأكيدٌ على أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضرباً عند نشوزها ضرباً مبرحاً، حتى لو كانت لا يمكن أن تترك نشوزها إلا بالضرب المبرح، وبالتالي يجب أن يكون ضربه لها ضرباً بسيطاً لا يُغير لوناً أو يسبب كسراً أو جُرحاً ولا يسيل دماً.

ثم يأتي قيد وسيلة الضرب، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الضرب يجب أن يكون باليد أو بمنديل لا غير، وذهب آخرون إلى جواز استعمال السوط أو العصا شرط أن يكون الضرب خفيفاً، أي على مبدأ التلويح بالعصا أكثر من الضرب بها.

وهناك قيدٌ يتعلق بمكان الضرب، إذ يجب ألا يكون على الوجه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \'ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّح.. \'، ونهى - عليه الصلاة والسلام - عن ضرب المواقع الحساسة كالرأس والصدر والثديين والقلب والبطن والفرج، لما في الضرب على هذه الأماكن من خطر الإيذاء، وذهب عدد من الفقهاء إلى أن الضرب يجب ألا يزيد على عشر لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \'لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله\'º وهناك من يرى ألا يتجاوز الضرب ثلاثاً.

وهكذا نجد أن الشرع قد وضع قيوداً كثيرة على الضرب، كوسيلة تأديب للزوجة، فجعله بعد الوعظ والهجر، وجعله في إطار أن يكون الرجل حسن النية في تأديب زوجته وإصلاحها، بما يُرضي الله ويحافظ على العلاقة الأسرية والزوجية في إطارها الصحيح والمتين، وهو ما يعني أن الزوج لو استهدف من وعظه أو هجره لزوجته الانتقام أو الإهانة، أو حملها على معصية معينة، أو إنفاق مالها في وجه لا ترضاه، فإن فعله في هذه الحالة لا يُعدّ تأديباً وللقاضي أن يعتبر فعله جنائياً يستوجب العقوبة الجنائية، كما أن الضرب لو أدى إلى أذية جسدية أو عاهة مؤقتة أو مستديمة فإن الزوج يعتبر قد تجاوز حقه المقرر له في الشرع ويستوجب العقاب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply