إعداد جيل يعتمد عليه ليس مسؤولية ولا نتاج المربيات والخادمات


  

بسم الله الرحمن الرحيم

مطلوب إدراج مادة منهجية تدرس في المدارس عن (الأسرة والاهتمام بها)

من الأمانة تطهير بيتك من المنكرات وإلزام أهل بيتك بالفرائض والواجبات

العلاقة الزوجية تقوم أساسا على علاقة بالمعروف تسودها المحبة والود واللين والحكمة والصبر وليس على العناد والتحدي بين الزوجين

الأسرة مطالبة بحماية نفسها بنفسها.. والحياة الزوجية لا تصفو دائما بل هي معرضة للسراء والضراء

 

متابعة: سليمان الصالح

في الوقت الذي تنحدر فيه الأسرة في الغرب وتتبدل فيه مفاهيم وقيم راسخة عند جميع الأمم بمفاهيم وتصورات علمانية متطرفة، وفي الوقت الذي يعيش فيه الغرب مآسي اجتماعية ونفسية نتيجة تخليه عن نظام الأسرة، في هذا الوقت ترتفع الأصوات ناصحة ومحذرة من جانب العلماء والباحثين والتربويين بضرورة الحفاظ على نظام الأسرة كما أراده الخالق - جل وعلا - للبشرية وليس كما يراه دعاة التحلل من أن الأسرة هي علاقة بين رجل وامرأة وقد تكون علاقة بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة.

فضيلة الدكتور ناصر الأحمد حاضر حول الأسرة المسلمة بين الثوابت والمتغيرات، وحذر من اتباع المجتمعات الغربية في التخلي عن الأسرة، ودعا إلى تماسك أفراد الأسرة واستقرار الأسرة نفسيا واجتماعيا، لأن في ذلك استقرارا للمجتمعات المسلمة ووصف الأسرة المتماسكة المؤمنة بجهاز المناعة الذي يحمي المجتمعات من الفوضى والانحلال والتلاشي.

 

الأسرة اللبنة الأولى:

يؤكد الدكتور ناصر الأحمد في البداية أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، ويوضح فضيلته أن الإسلام لهذا أحاط الأسرة بسياج من النظم والتشريعات حدد بموجبها الحقوق والواجبات لكل من الزوجين والآباء ذكورا وإناثا، ووزعت الاختصاصات بما يتفق مع القدرة الجسمية والحالة النفسية لكل فرد..

وهذه النظم والتشريعات التي جاء بها الإسلام تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تصلح ولا تفسد، وبذلك يتحقق للمجتمع المسلم الطمأنينة والاستقرار والبعد عن أسباب التفكك والانهيار..

ويضيف: لقد اهتم الإسلام اهتماما لا مزيد عليه بشأن الأسرة وأسس تكوينها وأسباب دوام ترابطها لتبقى الأسرة المسلمة شامخة يسودها الوئام، وترفرف عليها المحبة قال - تعالى -:، {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.. } [الروم: 21]، ولكي تعيش الأسرة وحدة شعور وعواطف قال - تعالى -: {.. هن لباسِ لكم وأنتم لباسِ لهن.. } [البقرة: 187]، وبين القرآن للأزواج إن كلا منها ضروري للآخر ومكمل له: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها.. } [الأعراف: 189].

ويحذر فضيلته من دعوى المجتمعات الأخرى التي وصل ريحها إلى بعض المجتمعات المسلمة، وهذه الدعوى تنادي بالاستغناء عن نظم الأسرة وحل الأسر، مؤكدا أن أصحاب مثل هذه الدعوى الفاسدة لا يريدون للبشرية خيرا فلا يتصور أن تقوم حياة إنسانية على استقامة دون وجود نظام الأسرة والدليل ما نراه ونسمعه في المجتمعات غير المسلمة التي تخلت عن نظام الأسرة فحرمت من الاستقرار وحرمت من الأمن، بل وأصاب هذه المجتمعات الشيخوخة التي تعني انخفاض أو انعدام المرحلة الشبابية في المجتمع، وهو ما يهدد هذه المجتمعات اقتصاديا وتنمويا.

ثوابت تقوم عليها الأسرة:

وتحدث فضيلته عن الأسس والثوابت التي تقوم عليها الأسرة المسلمة التي تعد نموذجا واقيا للأسرة في المجتمعات الإنسانية، وما ذلك إلا لأنها التزمت بهذه الأسس والثوابت، ومن هذه الثوابت التفاهم الأسري، وممارسة الأعمال بالتشاور وأن تبني الحياة على التراضي ولنسمع للبيان القرآني الذي يجلي هذه المبادىء السامية، فعند رضاع الأولاد ولو بعد انفصال الزوجين نظم القرآن هذه القضية فقال - تعالى -: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.. } [البقرة: 233]، إلى قوله - تعالى -: {.. فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما.. } [البقرة: 233]، فإذا كان هذا التشاور والتراضي عند الانفصال فكيف والأسرة قائمة مستقرة، وكلا الزوجين يحتاج إلى الآخر، إنه توجيه رباني يصلح الأسرة وقاعدة أساسية لا يمكن للأسرة المسلمة أن تغفل عنها وإذا غفلت ولم تأخذ بهذه القاعدة واستبد أي من الطرفين برأيه حدث الانشقاق وربما بدأ الانهيار للبيت المسلم، ومن هذه الثوابت رعاية الحقوق بين الزوجين من خلال المعاشرة بالمعروف وفتح آفاق واسعة للمشاعر الطيبة المتبادلة التي تقوي الرابطة الزوجية، وهنا يجد الأزواج السكن النفسي الذي وصى عليه القرآن، ويمثل هذا الرسوخ تؤمن الأسرة من التصدع وحتى إذا نشأ الخلاف البسيط فإن المشاعر المتبادلة والمحبة الصادقة والمعاشرة بالمعروف والمودة تذيب هذه الخلافات.

وقد جاءت توجيهات القرآن بهذه المعاشرة الطيبة وبتجاوز الخلافات في قوله - تعالى -: {.. وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} [النساء: 19].

ولهذا ننصح بعدم استبدال المودة والمعاشرة بالمعروف بمشاعر العناد والتحدي بين الزوجين التي هدمت بيوتا كثيرة، فالخلافات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة، والخلافات الكبيرة تغدو باللين والحكمة والصبر صغيرة. وكم نسمع عن تصدع أسر وهي في مهدها ولم يكتمل بناؤها بعد بسبب العناد والتحدي، فالأسرة المسلمة مطالبة بحماية نفسها قبل حدوث الشقاق، والحياة لا تصفو دائما، بل هل معرضة للسراء والضراء، ومن هذه الثوابت والأسس:

 

إقامة حدود الله:

إن الأسرة المسلمة لا بد أن تدرك أن لها في هذه الحياة وظيفة عظيمة أهمها إقامة حدود الله وتطبيق شرعه ومرضاته بتأسيس البيت المسلم قال - تعالى -: {.. فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به..}  [البقرة: 229].

وأيضا إعداد النسل المسلم وتربيته من وظائف الأسرة المسلمة، بل هي المدرسة الأولى التي يتلقى الولد في جنباتها أصول عقيدته ومبادئ إسلامه وقيمه وتعاليمه، ولا يقوم مقامها في هذا الدور المربيات والخادمات، ولا يمكن مقارنة تربية الأم لابنها وشموله بالحنان والرعاية بالاعتماد على الخادمات والمربيات بالأطفال، إذ ليس هناك مسالب وسلبيات وآثار سيئة مثل وضع أبناء المسلمين بين أيادي الخادمات والاعتماد عليهن في تربية الناشئة.. فهل تمارس أسرنا اليوم وظيفة التربية والتنشئة على قيم وتعاليم الإسلام؟ وهل الأسرة المسلمة بالقوة والتعليم والمعرفة بالدين ما يؤهلها لمقاومة العولمة والتغريب؟ وهل يجلس أفراد الأسرة في هذا الزمان على موائد القرآن أم على مشاهد العصيان؟ وهل يتلقى أبناؤنا التعاليم الراسخة والقيم السامية التي علمها لنا ديننا بحيث تقيهم رياح العلمنة والتغريب؟

إن أي تقصير أو إخفاق أو إهمال في قيام الأسرة بدورها التربوي ستكون له عواقب وخيمة على سلوك الأبناء والبنات، ومن ثم على المجتمع في بنائه وفكره، بل وحتى في أمنه..

من الأمانة تطهير بيت المسلم من المنكرات وإلزام أهل البيت بالفرائض والواجبات، وحثهم على الفضائل والمستحبات، كذلك من الأهداف الرئيسة للأسرة إقامة رابطة قوية بين أبناء الأسرة والمسجد، ذلك لأن المسجد في حياة المسلم جوهري وأساسي، والتردد على المساجد عمل تربوي جليل عميق الأثر يغرس في النفوس الفضائل والقيم والآداب، لقد استطاعت الأسرة المسلمة التي قامت على الإيمان بالله - عز وجل - وتمسكت بأخلاق الإسلام، وتعلقت بالمساجد استطاعت بنور القرآن أن تخرج للأمة أبطالا وعلماء وعبادا زهادا وقادة مخلصين ورجالا صالحين، ونساء عابدات كتبوا صفحات من الإنجازات في حياة هذه الأمة.

واليوم يحاول أعداء الأمة ومن لف لفهم القضاء على هذه المنجزات عن طريق تحطيم نظام الأسرة وزعزعة كيانها ومحاربة قيمها والدعوة إلى نشر الإباحية والأخلاق الذميمة بين أبنائها، ولو تحطمت الأسرة المسلمة لا قدر الله فلن تبقى أمة ولن تبقى مجتمعات مسلمة!

ولكن ينبغي الحذر وعدم الركون إلى السرعة بعد أن وصلت مخططات الأعداء إلى الأسرة المسلمة، في كثير من المجتمعات المسلمة وحاربوها بكل الوسائل والمغريات الإعلامية والمادية وسقطت بكل أسف في حمأة التقليد الأعمى لكل ما هو غربي والانسياق وراء دعواتهم الباطلة، وكثرة حالات الطلاق، وتفككت كثير من الأسر وعزف كثير من الشباب عن الزواج بسبب الانحلال والمتعة الحرام!

 

 تقليص دور الأسرة

 

لقد عملت وسائل الإعلام المعادية في البداية على تقليص دور الأسرة وتفريغ وظيفتها التي نادى بها الإسلام من محتواها، وشغل الأب والأم عن دورهما الأساسي، وكل ذلك وغيره تمهيدا للقضاء على الأسرة نهائيا، وكلنا يرى ما تبثه الفضائيات من برامج ومسلسلات وتعمل على محاربة الفضائل، وتنادي بتقليد الغرب حتى في تخليه عن نظام الأسرة.. لقد أصبحت هذه الفضائيات منذ زمن تزاحم دور الأسرة في تربية الأبناء والبنات بعد أن أصبحوا يقضون معظم وقتهم أمام أجهزة التلفاز، وبعد أن انشغل الآباء والأمهات فماذا ينتظر من أبناء تربيهم هذه الفضائيات التي تحركها إما أهداف تجارية بحتة وإما أغراض خبيثة مبيتة!

 

الهدف إذا هو القضاء على الأسرة المسلمة ومسخها، وتفكيك عراها تمهيدا للقضاء على المجتمع المسلم.. دعوات باطلة كثيرة أصبحت تملأ سماء المجتمعات المسلمة عن طريق الفضائيات التي وظف كثير منها إمكاناته في محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة تأخير سن الزواج.. الاختلاط.. تحديد النسل.. ولم يكتفوا بذلك، بل أصبحت المؤتمرات تعقد لما هو أخطر من ذلك، وهو إنكار نظام الأسرة واستبداله بنظم وعلاقات محرمة بين (الرجل والمرأة) وهي علاقات مشينة سموها صداقة..

 

إن أعداء الأمة ومن يتبعهم من علمانيين ودعاة تغريب يعلمون جيدا أن الأسرة المؤمنة المتمسكة بدينها المحافظة على أخلاقها بمثابة جهاز المناعة للمجتمع المسلم، وكما كان المجتمع يتكون من هذه الأسرة المؤمنة لا يعرف الانحلال، ولا يعرف الأخلاق الرديئة، ولا يعرف السقوط في الرذيلة، ولا يعرف الأمراض الفتاكة التي نجم عن المعاشرة المحرمة، ولأنهم يعرفون ذلك سلطوا سهامهم وأسلحتهم إلى الأسرة المسلمة المتمسكة بدينها ودعوها إلى التحرر وترك الفضيلة تحت شعار حرية المرأة، وتحت شعار حقوق المرأة فنادوا بترك الحجاب ونادوا بالاختلاط، ونادوا بالصداقة بين الشباب والفتيات ونادوا بالعزوف عن الزواج.

 

حماية الأسرة المسلمة

 

وإزاء هذه الأخطار المحدقة بالأسرة المسلمة التي يحذر منها علماء الأمة ودعاتها، ومنها هذه المحاضرة التي بين أيدينا إزاء ذلك يقترح فضيلة الدكتور ناصر الأحمد الاهتمام بالأسرة المسلمة، وضرورة وضع مادة دراسية منهجية تدرس للطلاب والطالباتº مؤكدا أن مشروع حماية الأسرة المسلمة هو مسؤولية الدولة والمجتمع والفرد، ومتى ما قام كل بدوره فلن تخترق جيوش العولمة والإباحية خطوطنا الأمامية وبناء الأسرة على الوجه السليم الرشيد ليس أمرا سهلا في زمننا المعاصر، بل هو واجب جليل يحتاج إلى إعداد واستعداد، فمن الضروري، بل من الأسس والثوابت أن يعلم الزوجان مقاصد الزواج وأن يعلما المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهما، ولا ينبغي أن تنشأ الأسرة المسلمة على قاعدة هشة من الجهل بالحقوق والواجبات وتبعات الزواج حتى لا يحدث السقوط المريع عند أول مشكلة، وحتى لا تكون الأسرة الجديدة مهددة بأول رياح من رياح العولمة والتحديات المعاصرة. ويختتم فضيلته بالتأكيد من جديد على أن الأسرة المسلمة تمثل قاعدة المجتمع الإسلامي، وكانت ولا تزال تمثل حصن هذه المجتمعات وقلعته، ومنذ أن اكتشف الأعداء أنهم لا يمكنهم الإجهاز على الأمة الإسلامية بالوسائل العسكرية عمل الأعداء على تغيير وسائلهم وتحول عن المواجهة العسكرية إلى المواجهة الفكرية والسلوكية، وكان أهم أدواته في ذلك إنشاء جيوش من المنصرين والمستشرقين وتأسيس كراسي للدراسات الاستشراقية التي لم تدع أمرا يتعلق بالمجتمع والأسرة المسلمة إلا ودست أنفها فيها، فإذا عرفوا مواطن الضعف في الأمة اخترقوها وجاءوا من الثغور التي أهمل المسلمون سدها وكان تقصير الكثيرين من حراس هذه الثغور سببا في اختراق المجتمعات المسلمة والأسر المسلمة الأمر الذي يحتاج من المسلمين اليقظة، وإعادة ترتيب حياتهم، والاستعداد لهذه المواجهة الخطيرة التي تستهدف الدين والوجود..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply