أساليب إدارة اللقاءات التربوية المغلقة ( 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

سبق وتحدثنا في الجزء الثاني من المقال حول بعض الممارسات التربوية المختلفة داخل اللقاء وهي (بين الحزم واللين) و(عدم اتخاذ الأحكام المسبقة) و(إدارة الشورى))وأوضحنا ما ينبغي أن نهتم به بخصوص كل نوع من تلك الممارسات..واليوم نكمل حديثنا حول بعض الممارسات التربوية داخل اللقاء التربوي المغلق وهي (التأثيرات النفسية المتبادلة بين المربي والأفراد و القدوة الحقيقية والقدوة المفتعلة).

 

التأثيرات النفسية المتبادلة بين المربي والأفراد:

تعتمد الإدارة الناجحة في اللقاءات التربوية المغلقة على أمرين هامين للغاية أولهما هو الشفافية والنقاء النفسيين للمربي, وثانيهما هو حسن التخلص من المواقف ذات الأثر النفسي السلبي .. فإن هناك تأثيرات نفسية تتبادل في مواقعها وآثارها بين شخصيات الموجودين في اللقاء نتيجة للتفاعل النفسي والشخصي بين الأفراد مع بعضهم البعض من جهة، وبين الأفراد ومربيهم من جهة أخرى، وقد ينتج عن هذا التفاعل آثارا سلبية أو إيجابية، فإن ردود الأفعال على المواقف وطريقة الأداء في الثواب والعقاب وأساليب الحزم والجزم وطرائق التقويم التي يمكن للمربي أن يمارسها تتكون لها بشكل مضاد دفاعات نفسية في نفس الأفراد، وكذا فإن المواقف المختلفة والناتجة عن التواجد والتنافس ومواقف التكيف المختلفة بين الأفراد, كذلك ينتج عنها ردود أفعال نفسية داخلية في نفوس كل فرد على حده، وتختلف التأثيرات الناتجة سلبا أو إيجابا، ونحن هنا نهتم بأمرين في ذلك: الأول هو النتائج السلبية والثاني هو تقويم النتائج الإيجابية ومحاولة الاستفادة منها تعتمد, الإدارة الناجحة في اللقاءات التربوية المغلقة على أمرين هامين للغاية: أولهما هو الشفافية والنقاء النفسيين للمربي, وثانيهما هو حسن التخلص من المواقف ذات الأثر النفسي السلبي.

مثال ذلك: إذا حاول المربي أن يعاقب أحد متربيه على سلوك رآه المربي خطأ ويراه المتربي صوابا واتخذ المربي في ذلك أسلوبا شديدا كالتوبيخ العام أمام الجميع وطلب من المتربي عدم الرد أو التبرير أو الدفاع، عندها تتكون لدى هذا الفرد مشاعر سلبية تتراكم بصورة سريعة جدا في تلك اللحظات التي يراها في تصوره أشد اللحظات سوءً وسوادً عليه داخل هذا اللقاء ويتمنى ساعتها ألا يكون قد ارتبط بهذا الجمع، بل إنه يرى كل الخطوات اللاحقة تصب في شكل سلبي تجاهه وليس الأمر في حقيقته كذلك .

مثال آخر: إذا وقع صدام ما بين فردين من أفراد اللقاء ورأى المربي أن الصواب مع أحدهما في حين يرى البعض عكس رؤيته ومن ثم فقد اتخذ المربي بعض الإجراءات التربوية الردعية في ذلك لعدم تكرارها ووقّع بعض العقوبات على من رآه مخطئا وعلى بعض من صححوا موقفه، فههنا أيضا تتكون لدى هؤلاء الأفراد حالة نفسية رافضة للعقوبة ورافضة للرضا بالحكم الذي يرونه أقرب للظلم منه إلى العدل ومن ثم فيرفضون كثيرا مما يحدث في اللقاء من تفاعلات أخرى متأثرين بذلك الموقف الذي أنتج لديهم رفضاً كلياً أو جزئياً للقاء ومربيه بل ربما ومنهجه..

مثال ثالث: إذا حصل خطأ بين ظاهر من المربي ذاته مما يتفق عليه الجميع وخرج من الأفراد من ينكر عليه فعله بصورة ما فغضب المربي من ذلك وبدأ في معاملة هذا الفرد معاملة خاصة واجتنبه وبدأ في الحديث عنه بالحديث السلبي فعندئذ تهتز صورة المربي في عين الأفراد ويصبح سلوكه الغضبي المتتابع هو سلوك يصب في غير مصلحة اللقاء بل يصبح ذا أثر فاشل سلبي..

وفيما يخص النتائج النفسية الإيجابية فأضرب لذلك مثلا واحدا، إذا كان في المجموعة أحد الأفراد قد اشتهر عنه الضعف العلمي ثم إذا به يحصل على نتيجة درجات عالية في اختبار عقده المربي للجميع، وعندئذ سارع المربي بتشجيع ذلك الفرد تشجيعا كثيرا أمام الجميع وذكر كثيرا من إيجابياته السابقة وحاول أن يأخذ منه وعدا باستمرار التفوق والاهتمام بالعلم الشرعي والحفظ، فههنا حاول المربي استغلال هذا الموقف النفسي الإيجابي ليبث في الفرد هذا الشعور بالقدرة على الإنجاز في هذا المجال، فقد تكونت المشاعر الإيجابية لدى ذلك الفرد المتربي وأحب اللقاء بصورة أكبر وازداد قرباً من مربيه..

وأود أن أؤكد أن كل موقف من المواقف السلبية - السابقة وعلى الرغم من أثره الواضح على الأفراد إلا أننا يمكننا أن نتدارك أثره السلبي بمتابعة صحيحة موجهة، وكذا فيما يخص المواقف الإيجابية فإنه يهمنا بشكل كبير أن نستغلها في تقويم وتعديل شخصيات الأفراد في المجموع ... فيجب أن يتبع المربي غضبه بالحلم والكظم ثم الاعتذار، ثم يمكنه أن يتبعها أيضا ببعض المداعبات والمزح الوقورة وذكر بعض محاسن الأشخاص الذين قد وقع عليهم الموقف هذا إذا كان الخطأ من المربي نفسه أما إذا كان الخطأ من الأفراد وكان خطأ المربي في المعالجة فحسب فإن على المربي ههنا أن يتجنب المزاح والمداعبات وأن يؤكد على الصوابية في الإجراء مع توضيح وبيان عدم تعمد الأشخاص بعينهم ومن ثم يذكر بعضا من ميزات وإيجابيات الأشخاص في غير ذلك الموقف، ولكن ليحذر المربي دائما أن يتبع هذا بذاك وإنما يجب أن يفرق بين العلاج والمشكلة بعض الوقت يعطي فيها المربي الفرصة لنفسه ولغيره للمراجعة وتخطيط ما سيفعله للعلاج ... وننصح ههنا المربين بالتعامل مع أفرادهم في اللقاءات بصورة نفسية شفافة يملؤها الصفح والعفو ويغلب عليها الرحمة والغفران ويكسوها الشعور الدائم بتربية وتعليم الأفراد بعيدا عن ذاتية المربي واعتباراته الشخصية .. فلكم أوذي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أناس خنقوه وآلموه وآذوه بالكلمات والأفعال وهو يحلم عليهم ويعلمهم، ثم يبين إنما مثله ومثل هؤلاء كرجل فرت منه دابته فجعل الناس يتبعونها فلا يزيدونها إلا نفوراً فقال لهم: خلوا بيني وبينها وأخذ من حشاش الأرض فقربه إليها فجاءت فأخذ بخطامها.

 

القدوة الحقيقية والقدوة المفتعلة:

يبين من خلال التعامل والتعايش بين أفراد الفريق الواحد الصفات والسمات الحقيقية التي تغلب على الأشخاص، ومن خلال التفاعل والتعامل الطويل والمتبادل يظهر حقائق الطبائع الشخصية خصوصا إذا كان يجمعهم عمل قريب قد يحتاج إلى معايشة قريبة، وههنا قد يلجأ البعض من المربين إلى إخفاء بعض صفاتهم السيئة وسماتهم المنتقدة ببعض السلوكيات والحيل المختلفة، وهم في ذلك لا يحاولون تعديل أنفسهم تعديلا حقيقيا أو علاج أمراضهم علاجا تاما، والأفراد في اللقاء دوما يشعرون بكثير مما يخفيه هؤلاء المربون من صفات شخصية قاسية أو سلبية، فهي تظهر في سقطات اللسان والفعال وتظهر حين الغضب وتظهر حين طلب البذل والمسارعة إلى العطاء وتظهر حين الاختيار بين صالح الأفراد وصالح المجموع وهكذا ورحم الله الإمام ابن القيم إذ يقول:

 

ومهما تكن لدى امرئ من خليقة  * * * وإن خالها تخفى على الناس تعلم

والدور التربوي في اللقاءات المغلقة لا يتحمل هذا النوع من المربين الذين يخفون تلك الصفات السلبية من الأثرة وحب الذات وسرعة الغضب والانتصار للنفس والبخل بالبذل والعجب بالشخصية وغيره، وإنما تنجح تلك اللقاءات بالمربين الذين يكونون قدوة حقيقية سواء في داخل أنفسهم أو في خارج سلوكياتهم، ولسنا هنا نزعم أن تلك عملة متوفرة من المربين إنما هم قلة ولكنهم هم الذين يستحقون اسم \" المربي \" أما الآخرون الذين يعلمون عن أنفسهم الحاجة إلى التقويم فأنصحهم ألا يتعرضوا للعملية التربوية داخل الفريق إلا بعد أن يقوموا أنفسهم ويربوا ذواتهم ويتقربوا إلى الله - سبحانه - بالتوبة والإنابة والدعاء أن يجعلهم صالحين مصلحين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply