بسم الله الرحمن الرحيم
كثير من الناس لا يرى الخير والحق إلا من جهة واحدة, فيرى أن الطريق الذي سلكه وأحبه وعمل سلام من خلاله هو الباب الذي ينبغي على الناس أن يدخلوه للوصول للجنة !!
فتجد المجاهد الذي يجاهد في الثغور ويسكن في الكهوف والخنادق يعيب غيره وينعتهم بحب الدنيا والركون إليها وأن الجنة تنتظرهم ولكنهم يأبون إلا البقاء في الدنيا الفانية, ويعيرهم بالخلود للزوجات والأولاد والأموال!
وتجد طالب العلم يسفه غيره وينصحه بترك العمل الدعوي والالتفات للقرآن والسنة وكتب الحديث والفقه, وينصح الجميع بحلقات العلم وملازمة المشايخ وترك ما سوى هذا, وتجده يدندن حول قضية العلم ورفع الجهل وتعليم الناس وأنها عمل الأنبياء, وأن العلم هو ما ورثه الأنبياء للناس.
وتجد العابد الزاهد يستصغر من لا يديم قراءة القرآن في المساجد ولا يعتكف إلا نادرا ولا يقوم من الليل إلا ركعة أو ثلاث, ويرى أن هؤلاء قساة قلوب ينبغي لهم ترك ما يشغلهم وأن يستغلوا أوقاتهم بالصلاة والصيام والقيام, وتجده يقول \"كان إبراهيم بن أدهم, وكان بشر الحافي, وكانت رابعة وكان فلان وفلان... أما أنتم فالله المستعان\"!
ومن أشغل وقته بدعوة العصاة ونصحهم يستقل جهد من يجاهد في سبيل الله ومن يطلب العلم ويقول: كيف تنشغلون بهذا عن دعوة العصاة الذين سيذهبون للنار إن ماتوا على ما هم عليه؟! وما الفائدة من الانقطاع عن الناس والبقاء في المسجد أو من الخروج لخارج البلد والجهاد في الثغور والناس بين عاص لاه لا يعرف ربه وبين كافر بالله (إلا القليل منهم)؟!
ومن اشتغل بالأعمال الدعوية يتساءل بينه وبين نفسه: كيف اشتغل الصالحون بأعمال غير تربية هذا النشء الطيب؟ وكيف ينسون أو يتناسون ما للمربي من أجر كبير حين يخرج الدعاة من مدارس التربية المحمدية؟ ألا يكفيك أن تعرف الأساسيات من الدين؟؟ ثم متى سينزل طلبة العلم للساحة إن بقوا في مساجدهم؟ ألم يحن الوقت بعد لترك هذا والاشتغال بالجانب التطبيقي بدلاً عن الاشتغال بالجانب النظري؟؟!
نعم, إن هذا ما يفعله البعض من استقلال لجهد الآخرين الذين يخالفون منهجه واهتمامه , ويظل هذا الأخ يحاول ويحاول أن يجعلهم يتوقفون عما هم فيه لميتحولوا لما هو عليه ظنا منه أن الأعمال الصالحة انحصرت في عمله هو فقط.
لقد نقل التاريخ لنا أن بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برز في الجهاد, وبعضهم برز في التفسير, وبعضهم في الفقه, وبعضهم في الحديث, وبعضهم كان جل اشتغاله في الصدقات والبذل لدين الله, وبعضهم اشتعل بالقرآن, وبعضهم اشتعل بالقضاء وبأمور العامة....... الخ. وهذه الأعمال كلها أعمال خير يثاب فاعلها.
وعلى هذا المنوال كان السلف - رضي الله عنهم - وأرضاهم.. كل يريد أن يخدم الدين من أي طريق سواء أكان بالجهاد أو الصدقة أو طلب العلم أو غير ذلك..
ومن قرأ التاريخ سيجد أن هناك عدداً لا يستهان به منهم قد جمع كثيراً من هذه الأبواب معاً, وهذا زيادة في الخير قل من يحصل عليه في هذا الزمن.
إذاً, ينبغي لكل عامل في سبيل الله ألا يحتقر أو يسفه جهد غيره, وأن يعرف أنه ((لا يلام إلا القاعد)) أما العامل لدين الله فتنطبق عليه قاعدة ((كلانا على خير)) ولا بأس من النصح وإبداء الرأي والتوجيه والإرشاد بين العاملين ولكن في حدود المعقول... وينبغي أن نوجه نقدنا لمعاشر القاعدين, ولأصحاب العقول المستريحة, والهمم الدنيوية الرخيصة... الذين وجه لهم الشاعر نصيحة مدوية يوم قال:
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له ~~~ فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد