مع الداعية الأديب الشاعر الدكتور عدنان علي رضا محمد النحوي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الاسم والنسب:

عدنان بن علي رضا بن محمد بن عبد الغني بن محمد بن عبد الغني، ويمتد النسب بعد ذلك إلى الشيخ العالم شهاب الدين أحمد الخفاجي. وامتداد النسب بعد ذلك وشجرته فقدا بعد الخروج من فلسطين مع ما فقد من تراث العائلة كالمكتبة وغيرها. أما لقب (النحوي) فقد أطلقه والي عكا حين مر بها أحد أجداده قادماً من القاهرة، متخرجاً من الأزهـر، لا يتكلَّم إلا العربية الفصحى، فسمَّاه النحوي وولاه القضاء في صفد.

 

المولد والنشأة:

ولد في مدينة صفد في فلسطين في 23/7/1346هـ الموافق 15/1/1928م. ونشأ في بيت دين وعلم، وفقه وأدب، وعطاء وجهاد. فوالده هو المجاهد والسياسي علي رضا النحوي، وأجداده وأعمامه علماء وقضاة، ومفتون ورجال قانون وإدارة، وأدباء وشعراء. فنشأ داعيتنا ينهل من هذا الجو الغني منذ طفولته، وينهل كذلك من مكتبة آل النحوي التي تحدّث عنها (محمد كرد علي) في كتابه \" خطط الشام \"، والتي زارها عدد من رجالات العرب من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها مثل: أحمد زكي باشا، محمد كرد علي، توفيق دياب، وعدد من رجال الصحافة وآخرون. وكذلك كان ينهل من أجواء الضيوف الوافدين على عائلته من العلماء والأدباء ورجال السياسة ومن مجالسهم الغنيَّة. وفي هذا الجو نشأ نشأة الإيمـان والعلم والأدب، وتزوّد بزاد كريم، أطلق مع الأيام مواهبه وقدرته، فنظم الشعر سنة 1942م، كما يظهر في دواوينه، وبرز في حياته الدراسية والعلمية، وجاءت مؤلفاته زاخرة بثمار ذلك الزاد وحصاد مسيرته كلها. يضاف إلى ذلك مدينة \" صفد \" نفسها وتاريخها العريق، والعلماء الأفذاذ الذين ظهروا فيها مثل \" صلاح الدين الصفدي \"، والجدِّ الأوَّل لآل النحوي في \" صفد \": \" شهاب الدين أحمد بن موسى بن خفاجا الصفدي \" المتوفى فيها سنة 750هـ، والذي له مسجد في \" صفد \" يُسمَّى باسمه: \" جامع الخفاجي \" وغيرهما من العلماء. يضاف إلى ذلك جمال مدينة \" صفد \"، والمناظر الطبيعية الخلابَّة التي تحيط بها مثل جبال الجليل وأعلاها جبل الجرمق، وجبال سوريا ولبنان المجلوة أمام العين، وبحيرة الحولة وبحيرة طبريا ونهر الأردن والسهول المحيطة بألوانها الرائعة المختلفة المتموجة، هذه المواقع كلها تحمل جزءاً غير يسير من عظمة تاريخ الإسلام ومعاركه الفاصلة في التاريخ، ومن مسيرة الأنبياء والمرسلين، في تاريخ حافل جعل فلسطين كلها ملكاً خالصاً للإسلام. منذ أقدم العصور.

هذه البيئة الغنية، والمناظر البهيَّة، وجمالها الساحر، وهي تسبِّح خاشعة إلى ربها وخالقها، تدفع الإنسان إلى النظر في آيات الله، والتأمل في المرابع والآفاق، فتغرس في النفس حبَّ الجمال الطاهر، وتهب القلب صفاء الفكر والتصور، وإذا التأمل والصفاء يبعث في القلب نهجاً جلياً في الحياة، يقوم على صدق الرأي ووضوحه، وقوة الفكر والتأمل، وأمانة الكلمة والفكرة، وثبات الموقف على الحق، واستقامة المسيرة والنهج، على إيمان وتوحيد بفضل من الله وهداية منه.

وقد رافقت هذه النشأة الثورات المتتابعة في فلسطين منذ مرحلة الطفولة الباكرة، مما كان يلهب المشاعر ويمتزج مع ما كان يزوده به الأهـل والبيئة، ليكوِّن حافزاً إلى الجدّ والعمل، وإلى التزودّ والإعداد. وساهم منذ طفولته كما ساهم أطفال فلسطين بالتصدّي للإنجليز واليهود ولو بالحجارة. ورافق هذه الثورات والأوضاع المضطربة ضرورة التنقل وعدم الاستقرار. وأورث هذا كله وعياً سياسياً مبكراً، وفهماً واضحاً للعدوّ وأساليبه، وإدراكاً لضعف القوة المتوافرة عند المسلمين آنذاك، مع بقاء الأمل مشرقاً في النفس والبحث المستمر عن طريق النجاة للأمة.

ولعله كان هو وزملاؤه الأطفال أول من حمل الحجارة و \" النقيفة \" و \" بارودة السيخ \" وغيرها من أسلحة الأطفال المعروفة آنذاك في تصيد الدبابات والدراجات البريطانية، ثم تبدأ المطاردات حتى يحتموا في أول بيت يلقونه.

لقد وهبت هذه النشأة داعيتنا زاداً غنياً نديّاً ظل يروي مسيرته كلها في مراحلها المختلفة: إيماناً وعلماً، ونهجاً وعطاءً.

  

الدراسة والخبرة:

أنهى دراسته الابتدائية والثانوية بين صفد وعكا، ثمّ اختير ليُتِمَّ دراسته في دار المعلمين بالقدس (الكلية العربية)، والتي كان يُختار لها الأوائل من كل مدينة في فلسطين.

وفي دار المعلمين تعدّدت أبواب الدراسة: علوم التربيـة وأصول التدريس وعلم النفس، وعلوم الرياضيات وتاريخها والفيزياء والكيمياء، واللغة العربية وفقه اللغة، ونحوها وصرفها، والبلاغة والعروض، والأدب العربيّ في عصوره المختلفة ابتداء من العصر الجاهلي، وقليل من اللغة اللاتينية، والمنطق، وتاريخ اليونان والرومان بتفصيل واسع وتاريخ أوروبا، ثم تاريخ إنكلترا بصورة موسعة ومفصلة كثيراً، واللغة الإنكليزية وتاريخها وآدابها ومذاهبها الأدبية بصورة موسَّعة جداً.

وكان في الكلَّيَّة العربية مكتبة غنية، فحبِّبت إليه المطالعة، فعكف على مطالعة أهم الروايات العالمية، وأهم الكتب الفكرية والأدبية والتاريخية، يملأ بها وقت فراغه.

وخلال هذه السنوات درس التاريخ الإسلامي بصورة موجزة في المدارس، التي كان يقرر مناهجها الانتداب البريطاني المحتلّ، المكلف بإكمال خيوط المؤامرة على فلسطين. ولكن البيت والأهل كانوا يسدّون جزءاً غير قليل من هذا النقص في دراسة الإسلام في المعاهد الرسمية الحكومية.

ومن خلال هذه النشأة ومسيرة الحياة والعوامل المؤثرة كلها حفظ القرآن الكريم ودرس تفسيره وتجويده وعلومه، ودرس السنّة من الصحاح والسنن والمسانيد، ومصطلح الحديث. كما درس الفقه من كثير من كتبه في المذاهب المختلفة، وأصول الفقه، وتابع دراسة اللغة العربية وآدابها. وظلت الدراسـة الجادة جزءاً رئيساً في حياته في مختلف العلوم، تخضع إلى منهج محدَّد يمضي عليه حياته كلها، وكذلك أُسرته وكلٌّ من رغب في النهج والتزمه. ذلك هو المنهاج الفرديٌّ الذي هو جزء من النهج العام الذي يدعو إليه.

ونال البكالوريوس في الهندسة الكهربائية قسم الاتصالات بدرجة جيد جداً مع مرتبة الشرف الثانية من مصر، ودرجة الماجستير والدكتوراه في نفس الاختصاص العلمي من أمريكا، ودرجة الزمالة من إنكلترا. كما أخذ دورات تدريبية في هذا التخصص في فرنسا لدى أكبر شركاتها المتخصصة، ودورة تدريبية في الدراسات العليا في الهندسة الكهربائية في جامعة الملك سعود. ودرس اللغة الفرنسية في دورة عامة في جامعة بيزانسون في فرنسا.

ومع مسيرة الحياة، كان يتابع دراسة الواقع والأحداث السياسية، كجزء رئيس من المنهج الثابت الذي يمضي عليه في حياته. وكانت دراسة الواقع والفكر السياسي عنده تتم من خلال أهم الكتب التي تصدر باللغة العربيّة والإنكليزية، والمجـلات المتخصصة في أبحاثها، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة، وبالإضافة إلى الصلات التي توفرها له بيئته وأهله، والنشاط الذي يتبع ذلك.

ونمت هذه الدراسات وأخذت ميادين متعددة حين انطلق في الدعوة الإسلامية في باكورة شبابه، ونمت معها الخبـرة ونما الزاد من العلوم المختلفة. كما زادته مهنة التدريس، ثم عمل في الحقل الهندسي ومسؤولياته الكبيرة، ثم العمل في المؤسسات التي أنشأها مرحلياً، والرحلات والسفر إلى بعض بلدان أوروبا وأمريكا وآسيا، والندوات والمؤتمرات، هذه كلها زادتـه خبرة وعلماً، ينضم إلى ما سبق اكتسابه في مراحل مختلفة، ليكوِّن مع الأيام تصوراً واضحاً، ينمِّي رؤية غنيَّة.

 

النزوح:

النزوح الأول عن فلسطين بحدود سنة 1937م إلى دمشق، ليلحق هو ووالدته وإخوته بوالـده الذي سبق أن خرج مع أعضاء اللجنة المركزية التي تقود ثورة سنة 1936م، اللجنة التي كان الإنكليز يطاردون رجالها لإجهاض الثورة. وكانت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي آنذاك. وكان الانتداب الفرنسي يضيق مجال التحرك على أعضاء اللجنة، ولا يسمح لهم بالإقامة في مدينة واحدة، مع المراقبة اليومية.

وكانت الحياة صعبة مع هذه الظروف. ولكنها سمحت لداعيتنا بالتعرّف على المجاهدين وعلى رجالات الثورة، ومتابعة الأخبار. ولما توقفت الثورة عاد إلى صفد، دون أن يُسمَح لوالده بالعودة. وكان الإنكليز قد نسفوا بيتهم الكبير في وسط مدينة صفد في موقع يشرف على جبل الجرمق ومواقع جميلة أخرى. وظل فيه جدار واحد قائماً. والحجارة التي انهارت ظلت على الأرض إلى تاريخ النزوح الثاني، شاهدة على جريمة المعتدين الظالمين. ولكن اليهود أزالوا بعد احتلالهم آثار الجريمة، وأقاموا مكانها عمائرهم وأقام هو ووالدته وإخوته في بيت العائلة، بيت الأجداد، البيت الذي كان يُسمَّى \" بيت القضاء \" لأن أجداده القضاة كانـوا يقيمون فيه. وكان يتمٌّ فيه دروس دينيّة للراغبين، دروس منهجيّة يتخرج منها الطالب ليزاول عملاً شرعياً.

وعندما سُمِح لوالده بالعودة، انتقلت العائلة إلى مدينة عكا. وهنالك بدأ نشاطه الاجتماعي والسياسي في النوادي الثقافية، ومع الطلاب والشباب المتعلمين، بدأ نشاطه ونشاط إخوته كذلك.

كوّن هو وبعض الطلاب من مختلف مدن فلسطين اتحاداً للطلاب، ليجمعوا الصفوف لمقاومة الإنكليز واليهود، وكان من بواكيـر أعمالهم المظاهرة الكبيرة في القدس، المظاهرة التي ضمت مختلف كليات القدس. وطافت المظاهرة شوارع القدس، وانتهت في باحة المسجد الأقصى، حيث ألقى داعيتنا خطبة في الطلاب والجماهير المحتشدة، ونجد بعض الصور لهذه المظاهرة في كتابه \" على أبواب القدس \".

وعاصر في القدس أحداثاً جساماً قامت بها الثورة آنذاك يقودها المجاهد عبد القادر الحسيني - رحمه الله -. وبعد التخرج توجه إلى عكا عبر طرق خطرة، حيث كانت الثورة قد اشتعلت. وتعرّض هو ومن معه لحادث نجّاهم الله منه.

ومن عكا كان النزوح الثاني إلى دمشق ليرافق والدته المريضة التي توفيت بعد ذلك بسنة تقريباً ي- رحمها الله -، وبقى والده وأخواه في عكا، حتى سقوط مدينة عكا، فغادروا المدينة في اللحظات الأخيرة، وأخذت المدن تتساقط واحدة بعد الأخرى، والأفواج المتلاحقة من أهل فلسطين يلجؤون إلى سوريا ولبنان وغيرهما. ولم يكن يدري النازحون أنه لا عودة لهم بعد هذا النزوح، وأن الأعداء يسيرون على خطة واضحة لديهم ينفذونها، وأن المسلمين في الأرض لا خطة لهم. وكان من أخطر ما اكتشفه هو وغيره أن المسلمين في الأرض خارج فلسطين لا يدركون أن فلسطين هي أرضهم شأنها شأن أوطانهم، وأنها مسؤوليَّتهم، وأن كل مسلم محاسَب يوم القيامة عن ضياع فلسطين. كان ما يسمى بجيش الإنقاذ من كل البلاد العربية قد دخل فلسطين لينقذ فلسطين، كما كان يقال آنذاك، وجُرِّد أهل فلسطين من السلاح، وسقطت المدن كأنها مدن مفتوحة إلا بقايا مقاومة ضعيفة. ولسقوط كل مدينة قصَّة ومأساة، وحيرة وتساؤل وذهول.

وزاد احتكاك داعيتنا مع رجالات فلسطين من خلال نشاط والده علي رضا النحوي الذي كان يبذل الجهد مع إخوته لإيقاظ الأمة وتنبيهها إلى حقيقة الخطر الذي يهدّد العالم الإسلامي كله، الخطر الذي يحمله اليهود الملتفّون كلهم حول الصهيونية والذين تدعمهم السياسة الدولية كلها.

وانتقل بعد ذلك داعيتنا إلى الكويت. وهنالك نما نشاطه السياسي والفكري، وتحدّد اتجاهه الإسلامي بشكل واضح ناضج، واستمر منهجه الدراسي. وكان يُلقى محاضرة كل أسبوع عن الإسلام أو العمل الإسلامي، أو قضاياه، مثل قضية فلسطين، وغيرها.

ومن أجل دخول الجامعة في مصر لدراسة الهندسة لم تكن تقبل شهاداته التي مر عليها أكثر من سنتين. فتقدّم لامتحان التوجيهية الكويتية ونال المرتبة الأولى بمعدل غير مسبوق، مما سهل دخوله الجامعة مع إعفائه من الرسوم بسبب معدّله العالي، وانتقل إلى القاهرة ودخل الجامعة وحافظ على تفوقه فيها. وتابع نشاطه الإسلامي. وفي هذه المرحلة أخذ يدرك بصورة أوضح المخاطر أمام العمل الإسلامي وأمام المسلمين جميعاً. قدّم نهجاً بالنسبة لقضية فلسطين، ليتولاه صفُّ واحد للمؤمنين المتقين، لأنهم هم أول المسؤولين والمحاسبين عن فلسطين، في الدنيا والآخرة. وهل يعقل أن يكون أحد أكثر مسؤولية من المسلمين المؤمنين المتَّقين؟ ولكنها كان صيحة غابت وراء الآفاق، وأجهض النهج والتصور كلٌّه، وقامت أنشطة أخرى ملأت الساحة آنذاك وطغت عليها، ونالت الدعم كله!

وكانت هذه الفترة مليئة بالنشاط، وكان الأمل ينمو بأن يهتدي المسلمون إلى الطريق المستقيم الأمثل لمجابهة الأحداث. وكانت الفرصة مواتية للانطلاق بصورة واعية تجمع القلوب والسواعد، ولكن يبدو أن عوامل التمزيق كانت أقوى.

وانتقل داعيتنا بعد ذلك إلى سوريا. وبدأت حياته الزوجية مع انتقاله إلى حمص، حيث عمل مهندساً ثم مديراً للإذاعة التي كانت في مرحلة الإنشـاء. وتعرّض لمتاعب متنوعة، كان من أهمها الغارات الجوية التي تنهال على الإذاعة مع كل انقلاب، والتي نجاه الله منها برحمته، ومتاعب أخرى متعددة، وانتقل إلى السعودية حيث عمل في وزارة الإعلام في الرياض مسؤولاً عن محطات الإرسال، ثم أنشأ أول استوديو في إذاعة الرياض افتتح في أول شهر رمضان المبارك سنة 1384هـ. ثم أصبح مسؤولاً عن المشروع الأول الكبير، مشروع محطة إرسال الميجاواط، ثم سائر مشاريع محطات الإرسال الإذاعي الكبيرة التي جعلت إذاعة المملكة من أقوى الإذاعات.

وأصبحت مسؤولية كبيرة لضخامة المشاريع، ودخل مع الشركات المنفّذة في خلافات حادة في النواحي الفنية والمالية والقانونية، وكُوِّنت من أجل ذلك لجان تحقيق رسمية، وكانت نتيجة ذلك أن أعانه الله على حفظ المشاريع من الناحية الفنية وإجبار الشركات على إصلاح العيوب والأخطاء، وعلى حفظ أموال الدولة، واستعادة الدولة حقوقها المالية من الشركات. وأصبح موضع تقدير الشركات نفسه

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply