لست أعلم لماذا تنعدم الصلة بين الشيخ والتلميذ إذا ما فارق التلميذ حلقة الدرس أو سافر وبعُد، فنسي الشيخ صورة هذا التلميذ المغلوب على أمرهº وصوته، ولو أن هذا المسكين تمطى يوماً فحاول الاتصال بشيخه بالهاتف..فإن أجاب شيخه على الاتصال فهذه معجزة أولى، والمعجزة الأخرى إن أسهب الشيخ معه في السؤال عن حاله وأموره، والكرامة التي لا تتوقع هو أن يوصيه الشيخ بوصايا تنير دربه وتعصمه من الزلل ولا عاصم إلا الله..والكرامة المثيرة هو أن تفوه الشيخ بكلمه \" أتريد مالاً أبعث لك به.. أتريد كذا أتريد كذا.. \" وهذا في الغالب ما لا يكون بكل أسف، ولو فعل فإن التلميذ لو كان أفقر من فقراء الصوفية في القرون الماضية الذين اتخذوا الفقر غاية للوصول إلى الحضرة الإلهية كما يقولون فإن هذا التلميذ لن يجرؤ على طلب شيء أو الموافقة على هذا العرض ويكفيه أنه يكاد رأسه يلمس الثريا من فرحه باهتمام الشيخ به.
كل هذه أحلام جميلة لا وجود لها في الواقع إلاَّ ما ندر، وهو كالغراب الأعصم، ولست أتجنى على أحدٍ,، ولا أقول إن كل تلميذ يستحق الاهتمامº لأنه قد لا يكون مؤهلاً لحمل علم الشيخ، وله دوافع أخرى ومئارب لست أذكرها الآن قصداً، لعدم علمي بمقاصد النياتº لأنني لم أتلمذ على شيوخ يأمرون تلاميذهم بالدخول في نيات العباد، والإيقاع بينهم وبين أولى الأمر، بحجة أنهم يريدون الخروج عليهم.. ولله الأمر من قبل ومن بعد..
* * *
أين كثير من المشائخ عن اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وتفقد أحوالهم حتى من لا يعرف منهم، وبين الصحابة كثيرٌ ممن ليست شهرة أبي بكر وعمر أو من هو دونهم في الشهر ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرفه ألم يبعث عن جليبيب[1] بين القتلى في غزوة بدر.. فلما وجده قتيلاً مضرجاً بدمائه بكى وأبكى لفراقه وبشّر بمصيره؟! ألم يكن يتفقد الجيش وفيه الآلاف فلا يرى فيه فلاناً فيسأل عنه أصحابه، سأل عن كعب بن مالك في غزوة تبوك؟! وقال لطيفِ رجلٍ, قادمٍ,: كن أبا خيثمة[2].
أين التطبيق لما نسمعه من المحاضرات التي تفور من أفواه بعض المشايخ عن العلاقة بين المشايخ والتلاميذ واهتمام بعض السلف بمن حولهم. أم أن النظرية تكفي لإلقائها ليقوم الناس بتطبيقها ويعفى منها قائلها..
قد يكون إحجام التلميذ عن السؤال عن شيخه لأمور لا يستطيعها هذا المسكين.. كان تكون أخلاق الشيخ (كذا وكذا) كما يعبر إخواننا المصريون وأنا بين أظهرهم! - أو يغلب الخجل على التلميذ وتضعف شخصيته أمام الشيخ، خصوصاً إذا توّجها الشيخ بمساعدة تلميذه على هذا الإحجام بعد الاهتمام.. أو بالاقتضاب الشديد في الكلام، هذا سجع جاء بلا قصد فاقبلوه على علاته!.
* * *
كم هي عظيمةٌ فرحة التلميذ عندما يفاجأ يوماً برؤية اسم شيخه على شاشة هاتفة الجوال يتصل به.. وكم هي أعظم لو سمع منه النصائح الغالية في طلب العلم أو المساعدة على نوائب الدهر؟!
قد يقول متفلسف ولماذا لا تكون المبادرة من التلميذ نفسه فالشيخ ليس (بفاضي)!! ولديه أشغال كثيرة؟!
وأقول وهل شغله بالأمة كلها، كالرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ أو أقل من ذلك كابن تيميه وابن القيم.. ومع ذلك فقد كانوا شديدي الاهتمام بمن يطلبون العلم عليهم العلم، أما هذا الشيخ \"فنعم الشيخ هو.. لو كان \"..
10/5/1425هـ
------------------
[1] في صحيح مسلم: عن أبي برزة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا ثم قال هل تفقدون من أحد قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا ثم قال هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكني افقد جليبيبا فاطلبوه فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي عليه فقال قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه قال فوضعه على ساعديه ليس له الا ساعدا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلا.
[2] - في صحيح ابن حبان: قال فبينا هم كذلك إذا به السراب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة \\3369\\
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد