من الظواهر السلبية على الساحة الإسلامية الحماس المتزايد لنوع معين من النشاط الديني أو الدعوي على حساب الأنواع الأخرى، فتجد طائفة من المسلمين تهتم بالإسلام التعبدي، فتعنى بقيام الليل، وكثرة الذكر، والإكثار من النوافل والطقوس الدينية، وقد تضيف إلى ذلك بعض الترتيبات التي لا أصل لها في الشرع، وربما تسرب إليها شيء من التصوف الانعزالي الباطل، وطائفة أخرى تهتم بالإسلام السياسي، فجهادها في ميدان تكوين الأحزاب السياسية وإبرام التحالفات، وحشد الأنصار، بغية الفوز في الانتخابات، والدخول إلى المجالس النيابية والبرلمان، وتربية الشباب على الجهاد السياسي، وتجد طائفة ثالثة تعنى بالإسلام العلمي والأكاديمي، فهي تتعلم السنة والحديث، وتشتغل ببيان صحيحها من سقيمها، وتحذر الناس من رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة وقد يصحب ذلك شيء من الجفاء والغلظة، أو صفة التعبد أو الغفلة عن واقع الأمة وما يحاك ضدها، وطائفة أخرى تصرف جل مجهودها في الجهاد ضد الكفار، وتدريب الشباب على الجهاد المسلح، وطائفة أخرى تبذل كل طاقاتها في محاربة فكرٍ, ضالٍ, معين كالتصوف والعقلانية أو الديموقراطية وما شابه ذلك، وطائفة وطائفة... وجميل جداً أن يوجد في الأمة أناس من هذا النوع وذاك، فكل منا على ثغرة من ثغور الإسلام، ولكن الأمر عندما يتجاوز إلى التعصب لأي لون أو نمط من النشاط الديني فتلك هي الكارثة بعينها... فالدين جاء ليحكم شؤون الحياة كلها، على مستوى الفرد والجماعة، وفي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والعلمية وغيرها، والتحزب على جزء من الدين ونسيان الأجزاء الأخرى هو من ميراث الأمم الهالكة. قال - تعالى -:(( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة )) (المائدة: 14).
ثم إن الطاقة البشرية محدودة وإنها إذا صرفت لشيء معين زائد عن قدر الحاجة فربما بخست شيئاً آخر، أو أضرت به، فضلاً عن أن ما فطر عليه الناس من الطبائع والنظريات ونوعية الاهتمامات قد يجعل الإنسان بطبعه أميل إلى أحد هذه الأمور، وإن من سنن الله في خلقه أنه لا يوجد إنسان كامل يُفتح عليه في كل شيء غير الأنبياء، ولذلك فإن الإنسان قد يفتح عليه في باب دون آخر، فتجد من الناس من يفتح عليه في باب العناية بالقرآن الكريم، فهو شغله الشاغل وهمه الأكبر تعلماً وتعليماً وإتقاناً وضبطاً له، وقد يكون في الإنسان زهد ونسك وخير كثير لكنه لم يرزق آلة العمل الشرعي، ومن الناس من يفتح عليه في باب التأليف فيجعل جهده في إخراج المؤلفات والكتب للناس، ومنهم من يُفتح عليه في باب الوعظ فهو يحسن وعظ الناس والتأثير فيهم، ومنهم ومنهم...
طرق الخير وأنواع البر كثيرة، وكان من أصحاب النبي الفارس المقاتل الشجاع كخالد بن الوليد وعمر بن الخطاب إلى جوار العالم المجتهد الفقيه كابن عباس وابن مسعود، إلى جوار المتعبد الزاهد كأبي ذر وأبي الدرداء.
ومن مجموع هذه الشخصيات يتكون البناء الإسلامي المتكامل، ويجب على كل واحد أن يسد ثغرة أخيه، فالكمال لله وحده، ويجب ألا يكون تنوع الاهتمامات مدعاة للتطاحن والتباغض، وإياك أخي المسلم أن تتحزب على جزء من الدين وتحارب من يهتم بجزء آخر، اشكر من قام به عنك إذا قصرت في أمر، واعلم أن لكل أناس مشربهم، وكلاً ميسر لما خلق له.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد