وصايا للأبناء ( في العقيدة والدعوة والأخلاق )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

 إن أبناء اليوم هم رجال الغد، وقادة المستقبل، إذا نشأوا على العقيدة السليمة، ومكارم الأخلاق، والدعوة إلى الله، كان بوسعهم تغيير حال الأمة إلى الأفضل، وإقامة مجتمع الإسلام الذي وصفه الله - تعالى -بقوله الكريم: (كنتم خير امةٍ, أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).

 وخير مكون لهذا الجيل المسلم هو كتاب الله - تعالى -بوصاياه وآدابه. ومن تلك الوصايا والآداب ما جاء على لسان لقمان الحكيم، موعظةً لابنه وتربيةً وتأديبًا.

 وإني أوصي أبنائي الطلاب بتلاوة هذه الوصايا وتدبرها والعمل بها فإنها من أعظم مقومات الشباب المسلم وهي التي تؤهلهم للتفوق والقيادة والسعادة في الدنيا والآخرة.

 

 تبدأ الآيات الكريمة بوصف لقمان بأنه حكيم آتاه الله الحكمة. والحكمة هي سداد الرأي والقول الفصل في شؤون الحياة، ولقمان كما تذكر كتب التفسير رجل صالح نوبي أسود من عامة الناس، وهذا أول الدروس، فإن الله - تعالى -لا ينظر إلى أنساب عباده ولا إلى أموالهم ولا إلى سلطانهم وجاههم، بل ينظر إلى إيمانهم وتقواهم وعملهم الصالح. كما قال - تعالى -: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

ثم تبدأ مواعظ لقمان لابنه فيقول الله - تعالى -على لسان لقمان:

1. (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُنيَّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم).

هذه هي الوصية الأولى: وهي رأس الوصايا، توحيد الله - تعالى - وإخلاص العمل له، فلا يتحرك المسلم ولا يسكن ولا يقول ولا يفعل، إلا لوجه الله - تعالى -وابتغاء مرضاته. متمثلاً قوله - تعالى -: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).

 فاحرصوا يا أبنائي أن تكون أعمالكم كلها خالصة لوجه الله - تعالى -نابعة من قلوب ملؤها الصدق والإخلاص.

2. بر الوالدين، وشكرهما بالقول والعمل. فقد قرن الله عبادته بالإحسان إلى الوالدين: (أن أشكر لي ولوالديك إليَّ المصير). وكما قال - تعالى -: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).

 فاحرصوا يا أبنائي الطلاب على بر الوالدين والإحسان إليهما ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً.

3. اتباع سبيل المؤمنين والاقتداء بالصالحين ومصاحبة أهل التقوى ومكارم الأخلاق كما قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).

 فاحرصوا يا أبنائي الطلاب على مصاحبة الصالحين ومرافقة ذوي الأخلاق الفاضلة، وابتعدوا عن المفسدين وذوي الخلق السيء، فإن الإنسان يُعرف بمن يصاحب ويرافق.

4. خشية الله - تعالى -ومراقبته: وهذا ما سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإحسان في قوله الكريم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وتتمثل هذه الخشية والمراقبة في أن نعلم أن الله لا تخفى عليه خافية وانه يعلم سرنا وجهرنا، فإذا علمنا ذلك أطعنا الله ولم نعصه سرًا وعلانية، وابتعدنا عن أسوأ الخصال وهي النفاق، وإظهار غير ما نبطن، فنكون من أصحاب الوجهين، وإن ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا.

5. إقامة الصلاة: وذلك بأدائها في أوقاتها والخشوع فيها وتدبر ما تقرأ وما تقول، والاطمئنان في حركاتها، فإن فعلنا ذلك كنا من المصلين أهل الفضائل ومكارم الأخلاق وصدق الله العظيم: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).

 فاحرصوا يا أبنائي الطلاب على إقام الصلاة بالقلب والخشوع والصدق في التوجه والقصد. فإن الصلاة عماد الدين.

6. الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: هذه هي الوصية السادسة من وصايا لقمان لابنه، بأن يكون على الدوام داعيًا إلى الله - تعالى -مبلغًا رسالة السماء، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، ولا تتكون شخصية المسلم الحقة إلا إذا كان كذلك.

 فيا أبنائي الطلاب: ادعوا إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمروا بالمعروف من طاعات وأخلاق فاضلة والتزام بأوامر الله، ثم انهوا عن المنكر ما استطعتم، فأمة الإسلام أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

7. الصبر والتمسك بسيرة الصابرين، لأن الله مع الصابرين، والصبر باب الاستقامة والثبات على الدين، واعلموا يا أبنائي الطلاب أن الصبر ثلاثة أنواع: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر عند الشدائد والمصائب. فتعوَّدوا على الصبر الذي قرنه الله - سبحانه وتعالى - بالصلاة فقال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).

8. يقول الله - تعالى -: (ولا تصعر خدَّك للناس، ولا تمش في الأرض مرحًا، إن الله لا يحب كل مختالٍ, فخور).

 هذه الوصية من أهم الوصايا في أخلاق المسلم وسلوكه مع الناس، إنها تنهي عن التكبر وعن التعالي على الآخرين، فالخلق كلهم عيال الله، وأكرمهم عند الله أتقاهم، فإذا أردتم يا أبنائي الطلبة أن تفاخروا الناس ففاخروهم بالتقوى والعمل الصالح، وبالعلم والخلق الحسن، وإياكم أن تستعلوا عليهم بمتاع الدنيا من مال وقوة وجاه وعصبية وقبلية، فإن الله نهى عن ذلك، وأمرنا بالتواضع والتسامح وعدم احتقار خلق الله. وفي الحديث الشريف: [لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ, من كبر].

9. القصد في المشي في قوله - تعالى -: (واقصد في مشيك).

 ومعنى ذلك ألا تمشي مختالاً متفاخرًا، بل يكون مشيك بتواضع وتؤدة، لأن مظهر الإنسان يدل على شيء من مخبره، فاحرصوا على ذلك يا أبنائي الطلبة، ولا تمشوا بين الناس بطريق أشرين.

10. غض الصوت في قوله - تعالى -: (واغضض من صوتك)، الآية. أي لا ترفع صوتك أثناء الكلام ولا تصخب، بل تكلم بهدوء وسكينة، فهذا أدعى لقبول الكلام عند الآخرين، وأقرب للوقار والجدية، يقول - تعالى -: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم).

 

أيها الأبناء الأعزاء:

 هذه عشر وصايا قرآنية وردت على لسان لقمان الحكيم، فاحفظوها وتدبَّروها واعملوا بها، فإنها الخير كله، وبها تُبنى شخصياتكم الإسلامية، التي يقوم عليها مجتمع الإسلام.

والله ولي المتقين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply