مقدمة:
يلعب الجنس دوراً رئيساً في السلوك الإنساني، فالإحساس الجنسي أصيل وعميق في الكيان البشري، وهو طاقة من أكثر الطاقات الموجهة لمشاعر الناس وسلوكهم. كما يعد الجنس من أهم مشكلات الحياة التي تصادف الفرد منذ طفولته، فقد تؤثر المشكلات الجنسية في شخصية الفرد، فتتدخل في نشاطه العقلي والانفعالي والاجتماعي، ويؤدي ذلك إلى بعض الانحرافات الجنسية والاضطرابات النفسية (قطب، 1983، ص165).
إن أهمية التربية الجنسية نابعة من مدى الارتباط الوثيق بين العامل الجنسي في حياتنا وبين العوامل الأخرى النفسية والاجتماعية والسلوكية والحضارية، وهذا الارتباط هو ارتباط تفاعلي، وهذا ما أكد عليه ماسترز وسيترز (1998) من حيث أن هناك ضرورة قصوى للتربية الجنسية إذا تحقق أمران:
1. وعي الأسرة بأهمية التربية الجنسية، وخاصة عند إجابة الوالدين أو أحدهما عن أول سؤال يتبادر إلى ذهن الطفل يكون عن كيفية مجيئه إلى هذه الحياة، وهو تساؤل طبيعي وضروري.
2. وعي المؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام بالناحية الجنسية، الأمر الذي يجعلها أكثر موضوعية وإيجابية عند عرضها للجوانب الجنسية في حياة الإنسان (صلاح، 2000، ص16).
ومن أبرز الأهداف التي تحققها التربية الجنسية في حياة الفرد والمجتمع:
1. العناية بالفرد ورعايته كي يتفهم طبيعته الجنسية ونموه الجنسي، وذلك عن طريق تزويده بالمعلومات العلمية الصحيحة.
2. تنمية المواقف والاتجاهات الجنسية الإيجابية لدى الجنسين، وذلك منعاً للشذوذ الجنسي.
3. تنمية قدرات الفرد على ضبط دوافعه الجنسية؟
4. إعداد الفرد ومساعدته في بناء حياة زوجية سعيدة.
5. التربية من أجل بناء علاقات إنسانية اجتماعية وخلقية بين الأفراد (صلاح، 2000، ص16).
وعلى الرغم من ذلك مازال بعض الناس في البلدان الإسلامية ينظرون إلى التربية الجنسية على أنها موضوع حساس، وأنه ينبغي عدم مصارحة الطفل أو المراهق بالأمور الجنسية. فقد كان لنظرة المجتمع العربي غير الصحيحة تجاه طرح موضوع التربية الجنسية أثر واضح أدى إلى اختيار مصطلح \\\"الصحة الإنجابية\\\" بدلاً من مصطلح \\\"التربية الجنسية\\\" في كثير من الدراسات العربية والإسلامية، مع أن المصطلح الثاني هو الأكثر شمولاً واتساعاً، ذلك لأن ثقافة المجتمعات العربية تعتبر موضوع التربية الجنسية موضوعاً مغلقاً ترفض التدخل فيه أو تعرّف أسراره أو حتى مناقشته والتحدث فيه (رزق، 1994، ص9).
هذا في الوقت الذي نجد فيه أن الإسلام قد رفع الحرج في مجال التربية الجنسية، واعتبر أن أحكام البلوغ والمراهقة والمعاشرة الزوجية من صلب الدين، ذلك لأن الجنس غريزة وجانب من جوانب الفطرة البشرية (نور الدين، 2003، ص4).
الدراسات السابقة:
1. دراسة رزق (1994)، التي حاولت إثبات أهمية تزويد الأطفال والمراهقين بموضوعات التربية الجنسية من خلال قياس اتجاهاتهم نحو موضوع الجنس. فقد أوضحت النتائج أن هناك اتجاهاً إيجابياً لدى الطلاب (ذكوراً وإناثاً) نحو موضوع الجنس، فيما يتعلق بمعرفة الأمور الجنسية، وأن هناك اتجاهاً عاماً إلى تفضيل الأصدقاء على الوالدين كمصدر للمعلومات للحصول على ما يصعب عليهم فهمه من حقائق عن الأمور الجنسية. كما أشارت نتائج الدراسة إلى وقوع الإناث تحت تأثير الضغوط الاجتماعية والثقافية بنسبة تفوق الذكور، حيث أكدت نسبة مرتفعة من الإناث حرصهن على إخفاء الكتب التي تعرض لموضوع الجنس عن الأهالي، في الوقت الذي لا يعطي فيه الذكور أهمية كبيرة لموقف الأهل من رؤية الكتب الجنسية (رزق، 1994، ص77).
2. دراسة مارسمان، وهيرولد (Marsman، & Herold، 1982). والتي هدفت إلى معرفة الاتجاهات حول التربية الجنسية والقيم فيها، وشملت العينة على (130) أماً من أمهات طلاب الصف السادس والتاسع والثاني عشر في (Ontario) في كندا، وأظهرت النتائج أن هناك دعماً قوياً من قِبل الأمهات لتدريس التربية الجنسية، لكن هناك تعارضاً حول نوعية القيم في التربية الجنسية التي ستدرس أولاً.
3. دراسة هاملتون، وليفينسون (Hamilton، & Levenson، 1993). وقد هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على العلاقة بين مواقف المعلمين لتطبيق مساق دراسيّ حول التربية الجنسية واستجابة الطلاب له، وقد فحصت العلاقة بين وجهات نظر (35) معلماً للثقافة الجنسية واستجابات طلابهم للمساق الدراسي. وقد بينت نتائج الاستبيان الموزع على المعلمين والطلاب أن هناك اختلافاً في التقييم بين معلم وآخر لمدى ملاءمة المساق للطلبة، وذلك لاختلاف معرفة الطالب للجنس، واختلاف السلوك المتوقع لأداء المعلم، إذ تساهم كلها مجتمعة في تقييم المعلم لمستوى الطلبة نحو موضوع التربية الجنسية.
مفهوم التربية الجنسية:
ذهب فريدريك Frederick إلى أن التربية الجنسية هي: \" عملية تربوية تتضمن معارف صحيحة عن الوظيفة البيولوجية للجنس والتناسل، واتجاهات صحية نحو نظافة الجسم، وسلوك متعقل في ممارسة السلوك الجنسي\" (عبد التواب، 1988، ص24). ويرى بيرج Berge أنها: \" تربية للوظيفة الجنسية، وتركيب وسائل تهدف إلى تسهيل الاستخدام الأمثل لها، والتي تعتمد على غريزة التناسل، لكي تبقى ممارسة هذه الوظيفة طبيعية، ليس ذلك بسبب المحافظة على بقاء النوع فقط، ولكن أيضاً من أجل خير الجماعة\" (بيرج، 1982، ص102).
ويعرفها الخماش على أنها: \"عملية سيكولوجية شاملة ترمي إلى إحداث أكبر قدر من التغيير والتهذيب في المفاهيم الخاطئة، والأفكار الموروثة التي تتعلق بالمفاهيم الجنسية، لتحقق للمجتمع فهم العلاقات الاجتماعية على أساس علمي سليم\" (صلاح، 2000، ص15).
وعرفها بيبي على أنها:\" سائر التدابير التربوية التي يمكن أن تعين الشباب بكيفية ما - على التهيؤ لمواجهة مشكلات الحياة، وخصوصاً تلك التي تتمركز حول الغريزة الجنسية، ثم تعرض بعد ذلك بشكل ما في خبرة كل إنسان عادي\" (بيبي، 1999، ص6).
إن المحور الأساسي الذي تدور حوله التربية الجنسية هو إدراك المظاهر الأخلاقية للسلوك الجنسي والعلاقات الصحيحة بين الجنسين، وتتمثل هذه المظاهر في تعريف الفرد بما هو صحيح وبما هو خاطئ، وتعريفه بالمشكلات المترتبة على السلوك الجنسي المنحرف (عبد التواب، 1988، ص25).
التربية الجنسية في المؤسسات التربوية:
تعتبر التربية الجنسية جزءاً لا يتجزأ من أصول التربية العامة، إذ أنه لن تتحقق النتائج التربوية المرجوة إذا لم يكن هناك فهم ومعرفة واسعة للمبادئ العامة: التربوية، والنفسية، والأخلاقية، والثقافية. فقد حان الوقت لإدخال برنامج التربية الجنسية في المؤسسات التربوية وخصوصاً في المدارس. وفي هذا الإطار تتلخص بعض التوصيات المقدمة للمعلمين والمسؤولين التربويين فيما يلي:
1. أن تعمل الإدارة المدرسية على برامج التربية الجنسية، وذلك بالتشاور مع لجنة آباء المدرسة والمختصين على ضوء الظروف الاجتماعية والثقافية المحيطة بالمدرسة.
2. إعداد المعلمين المتخصصين في هذا المجال وانتقاء الملائمين منهم.
3. تدعيم القيم الدينية والخلقية والمعايير الاجتماعية لدى الطلبة.
4. تنبيه المعلمين والمعلمات إلى أن نمط سلوكهم ومعاملتهم مع طلبتهم له الأثر الأكبر على سلوكهم، وعلى مدى تقبل القيم الخلقية التي ينادون بها(صلاح، 2000، ص17، 18).
ويضيف بيبي أن التربية الجنسية ينبغي اعتبارها جزءاً حيوياً من عملية التربية بأكملها، ولا يجوز اقتصارها على جزء خاص مستقل عن المنهج الذي يهتم بتدريسه في فترة معينة ثم ينتهي أمره بمجرد الفراغ من تدريسه، فتدريس التربية الجنسية يتم حالياً في المواد العلمية فقط، وبشكل عام غير مفصل، لذلك يجب أن يكون هناك منهاج يتمشى مع عقول الطلبة في كل المراحل التعليمية (بيبي، 1999).
التربية الجنسية في الحضانة ورياض الأطفال:
في هذه المرحلة لا بد من تعليم الطفل أهمية الوظائف الإخراجية بكيفية لا تثير فيه الشعور بالتقزز، حتى لا يؤدي ذلك إلى إحداث آثار سلبية على اتجاه الطفل نحو الجنس في مستقبل حياته. ويراعى في هذه المرحلة أيضاً، ضرورة التدرج في اكساب الطفل المفاهيم الجنسية، والاستفادة من البيئة المحيطة، وذلك عن طريق ضرب الأمثلة والقصص عن ولادة الحيوانات، وإحضار صور لحيوانات صغيرة تلعب مع أمها (صلاح، 2000، ص19).
التربية الجنسية في المرحلة الابتدائية:
يتسم الطلبة في هذه المرحلة بالهدوء، حيث يوجهون معظم طاقاتهم إلى التعليم والنشاط المدرسي، ويميلون إلى التفاعل الاجتماعي، وخاصة مع البيئة الخارجية بما فيهم الكبار، أما الناحية الجنسية فإنهم لا يهتمون بها، ولكنهم يسألون أسئلة كثيرة بهذا الخصوص. وينصح الخبراء أن ترتكز التربية الجنسية في هذه المرحلة على النقاط التالية (صلاح، 2000، ص19):
1. تشجيع الطلبة كل مع جنسه.
2. تنمية روح الاحترام والتقدير عند الطلبة للجنس الآخر.
3. يستحسن عرض فلم عن الزهور والإخصاب وتكوين الثمار.
4. يستحسن تخصيص وقت مناسب للأسئلة والمناقشات، وفتح المجال أمام الطلبة وتشجيعهم على الأسئلة والاستفسارات.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
أولاً- المراجع العربية:
• صلاح، صلاح الدين حسن (2000). اتجاهات معلمي ومعلمات المدارس الحكومية في محافظة شمال فلسطين نحو تدريس التربية الجنسية في المدارس الحكومية. رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس.
• بيرج، أندريه (1982). التربية الجنسية عند الطفل، ترجمة موريس شربل، منشورات عويدات، بيروت.
• بيبي، سيرل (1999). التربية الجنسية، ترجمة محمد رمضان وبخيت اسكندر، دار المعارف، القاهرة.
• قطب، محمد (1983). الحب والجنس من منظور إسلامي، مطبعة المدينة، القاهرة.
• ماسترز، وليم، وسيتيرز، رالف (1998). المراهقة والبلوغ، ترجمة خليل رزوق، دار المناهل للطباعة والنشر، بيروت.
• نور الدين، سمير (2003). موضوعات التربية الجنسية في كتب التربية الإسلامية بالمرحلة الإعدادية في مملكة البحرين: دراسة تحليلية، رسالة ماجستير، جامعة البحرين.
• رزق، سامية (1994). الإعلام المسموع والصحة الإنجابية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
• عبد التواب، عبد الإله (1988). التربية الجنسية في التعليم الثانوي بين التنظير والتطبيق: دراسة ميدانية. كلية التربية، قسم أصول التربية، جامعة أسيوط.
ثانياً- المراجع الأجنبية:
• Hamilton، richard، & Gingiss، Levenos (1993).The relation ship of teacher attitudes to convers implementation and student response، (ERIC، EJ 467922).
• Marsman، Joan، & Herold، Edward (1986).Attitudes toward sex education and values in sex education.(ERIC، EJ 342227).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد