لكل حدث في حياتنا بصمة على تصرفاتنا وأثر على شخصياتنا ولكن تختلف قوة هذا الأثر ووضوح تلك البصمة. هناك من يؤثر فيهم تأثيراً جذرياً موت حبيب أو خسارة مالية أو سماع لموعظة أو مرور موسم طاعة كبير كرمضان تقبله الله منا ومنكم بحيث يتحول من طريق اللامبالاة بالأحكام الشرعية إلى الاستقامة وربما من ترك الصلاة بالكلية إلى الذهاب إلى ساحات الجهاد! بيد أن منا من يصاب بالمصيبة تلو الأخرى ومن تمر عليه المواسم تباعاً ومن يسمع الخير دون أن يظهر أثر ذلك كله سلوكاً وفهماً وتغيراً حقيقياً في النظرة للحياة. وتجده في هذه المواسم كغيرها من الأيامº الاهتمامات ذاتها، والرغبات إياها، والتصورات والأفكار عينها.
ليس هذا أمراً غريباً فالواقع يخبرنا أن الدواء يؤثر في بعض المرضى ولا يفيد مع آخرين رغم تماثل الداء وذلك لعوامل طبية وأخرى نفسية معروفة. ولكن السؤال الذي نريد الإجابة عليه هو: كيف نستفيد وتتغير حياتنا وتستقيم تصرفاتنا بهذه المتغيرات التي تعرض لنا بشكل دائم؟ إن هذا في نظري يتحقق بأمرينº أولهما قوة الحدث والثاني تقبل المحل. فالكتابة على الماء ليس لها أثر والحديث مع الأصم لا يؤدي إلى نتيجة، وذلك لأن المحل غير قابل. وهكذا في قوة الحدث، فالسيف بضاربه كما يقالº فالحجة الضعيفة لا يمكن أن تؤثر في المتلقي حتى لو توفر الاستعداد وقبول المحل!. أردت من هذه المقدمة أن أبين أن استفادتنا من العلم الذي نتعلمه والأحداث التي تمر بنا وانتفاعنا بالمواعظ التي نسمعها وتزودنا بمواسم الخير مرهون باستعدادنا وإقبالنا ورغبتنا في التأثر ومعلوم لنا قوة وسائل التأثير وأعظمها كتاب ربنا - جل وعلا -.
ولن تستطيع تيارات الباطل مهما بلغت من قوة أن تؤثر في العبد طالما كان غير مستعد للتأثر بها، وتأملوا في دار الأرقم بن الأرقم - رضي الله عنه - والأثر العظيم الذي كانت تحدثه في نفوس الأصحاب رغم قوة تأثير الحياة من حولهم وغلبة الباطل في أرجاء مكة! كذلك لن تؤثر مئات الخطب والمواعظ ومرور المواسم ما لم يكن القلب مقبلاً ومحباً للهداية وطالباً لها كما قال – تعالى -: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) ق آية 37، وهذه يقول في تفسيرها الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أي قلب عظيم حي ذكي زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله تذكر بها وانتفع فارتفعن وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله واستمعها استماعاً يسترشد بهن وقلبه شهيد أي حاضر فهذا أيضاً له ذكرى وموعظة وشفاء، وأما المعرض الذي لم يصغ سمعه إلى الآيات فهذا لا تفيده شيئاً لأنه لا قبول عنده ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا نعته. أ. هـ.
ومن تأمل في واقعنا اليوم يرى أن من أصغى قلبه إلى الباطل في صوره المتعددة فإنه يتأثر ولابد وربما رأى الحق باطلاً والباطل حقاً وهذه عقوبة لمن أعرض عن الله وهديه والعياذ بالله، وفي المقابل نرى أن من أقبل على الخير محبة وعملاً وموالاة لأهل التقوى هداه الله - جل وعلا - كما قال - تعالى - (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) محمد آية 16 والهدى هو العلم والتقوى هو العمل الصالح كما يقول المفسرون. إن في تخلية القلب من محبة الشر مقدمة لتحليته بالخير والهدى، ومن صدق الله صدقه الله، ومن أقبل على الهدى هداه الله، ومن أعرض عن سبيل المؤمنين وطريق الأخيار ترحلت عنه أسباب الهداية وهذا هو الحرمان المبين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد