القرآن كله أنوار {وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحاً مِّن أَمرِنَا مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلنَاهُ نُوراً نَّهدِي بِهِ مَن نَّشَاء مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلَى صِرَاطٍ, مٌّستَقِيمٍ,}.
وما أشد الحاجة إلى النور الرباني ليبدد الظلام الشيطاني! وما أعظم الافتقار إلى أنوار الهداية لتزيل ظلمة الغواية! سيما في مثل هذا العصر الذي تحالفت فيه ظلمات الشهوات التي بلغت مبلغاً فاق التصورات مع ظلمات المذاهب الفكرية، والمبادئ العقدية المنحرفة التي أدغلت في نقض وتشويه حقائق الإيمان، مع ظلمات الظلم الذي يصمّ الأذان، ويملأ الأبصار كل ليل ونهار {ظُلُمَاتٌ بَعضُهَا فَوقَ بَعضٍ, إِذَا أَخرَجَ يَدَهُ لَم يَكَد يَرَاهَا وَمَن لَّم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نٌّورٍ,}.
ولك أن تتصور - عزيزي القارئ - حالة الذي يسير في وسط الظلام الدامس، إن العثرة ترافقه في كل خطوة، والخوف يملأ قلبه مع كل خفقه، والحيرة تشغل عقله مع كل فكرهº لأنه يقدم نحو المجهول ولا يعرف المخاطر التي تنتظره فضلاً عن أن يدرك أبعادها ويحدد حجمها أو أن يستعد لها.
إن مثل هذا السائر يتلهف إلى بصيص من نور، يقيل عثرته، ويبدد حيرته، ويذهب مخافته.. إن الشعاع الضئيل بالنسبة له كنز، وتأمل تصوير القرآن الكريم لهذه الحقيقة وتلك الحالة في قوله - تعالى -: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}، وكذلك في قوله - جل وعلا -: {يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا}.
إن من الناس فئة ألفت الحياة في الظلام وصار النور يعشي أبصارها ويؤذي بصائرها، وهؤلاء يحرصون على الظلمةº لأنها تستر عوراتهم، وتغطي عثراتهم.. لأنها تبقي على سواد قلوبهم وفساد نفوسهم، ولما كان القرآن هو النور الساطع والضياء اللامعº فإن قلوب هؤلاء وعقولهم صدت ولا تزال تصد عنه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسمَعُوا لِهَذَا القُرآنِ وَالغَوا فِيهِ لَعَلَّكُم تَغلِبُونَ}.
{وَإِذَا قَرَأتَ القُرآنَ جَعَلنَا بَينَكَ وَبَينَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّستُوراً}، وليس هذا مقصوداً على الكفر القديم أو الجاهلية الأولى، بل هو اليوم أظهر وأشد، فالملحدون من أذناب الفكر الشيوعي اللاديني يرفضون القرآنº لأن من أنواره قول الحق - جل وعلا -: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ,}.
والقوميون - على اختلاف مشاربهم وتنوع أسمائهم - لا يرتاحون للقرآن لأن قوله - جل وعلا -: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ} يعري دعوتهم.
والرأسماليون يصفهم قوله - تعالى -: {وَأَحَلَّ اللّهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
والعلمانيون يغصّون بقوله - تعالى -: {إِنِ الحُكمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}.
وقس على هؤلاء وأمثالهم من صنجوا عن الحق وحادوا عن الصواب، وتفرّغوا لحرب القرآن وطمس أنواره {يُرِيدُونَ لِيُطفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللَّهُ مُتِمٌّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ}.
ولأنهم لا يعرفون القرآنº فإنهم لم يقفوا على هذه الآية والحقيقة الخالدة التي تصوّرهم وتصوّر جهادهم المرير بصورة مضحكة يقربها لك - عزيزي القارئ - قول الشاعر:
قل لي بربك هل تطيق ذبابة *** حجباً لنور الشمس وهو البادي
أما المؤمن الصادق والمسلم الحق فيدرك أن نور القرآن أهم وأغلى شيء في الوجود.. به يعرف الدنيا ويبصر الآخرة، ومن خلاله يعرف الحق من الباطل ويقوم الأشخاص ويحكم على الآراء ولذا فهو به مستمسك وعليه حريص ولكن بعض المسلمين لم ينفقوا بكل أنوار القرآن، وبعضهم ربما ترك بعض تلك الأنوار وسمح لظلمات الجاهلية أن تدني مستوى وضوح الرؤية لديه فترى كثيرين غابت عنهم حقائق قرآنية، وآخرين فقدوا أخلاقاً قرآنية.
ونحن نحتاج أن نقتبس كل مرة بعض الأنوار من بعض آيات القرآن ليشرق صبح الحق في حياتنا، وتسطع شمس الهدى في آفاقنا، وتأنس أبصارنا وبصائرنا بالضياء وتنتفع به وتعش عيون خفافيش الظلام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد