عشر وقفات لحفظ الأبناء


 بسم الله الرحمن الرحيم

إن واقعنا اليوم، لهو واقعٌ موحش، تتلاطمُ فيه ظلماتُ الفتن، كتلاطُمِ موجِ بحرٍ, لُجِّي، يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، وإن غواسقَ هذه الفتن قد أحاطت بنا من كلِ جانب، وأخذت بأفئدتنا كلَّ مأخذ، بل وتخطفتنا على غِرةٍ,، كما تتخطفُ الزوابع نِثار الأرض، إنها لفتنٌ عمياء، صماءٌ بكماء تدع الحليمَ حيرانا، واللبيبَ مذهولا، ذلكم الحليم الذي رُزق خصلةً يحبها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، الحليم الذي إذا شُتم صبر، وإذا ضُرب غفر، إنه ليُرى إبانَ هذه الفتن، حيرانا من هولِ الوقع وعِظمِ الخطب، وصدق المعصوم - صلى الله عليه وسلم - يوم قال : (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) [رواه البخاري] وفي مدلهمات هذه الفتن، ولجج هذه الأحداث التي تمر بالعالم الإسلامي أهدي هذه الوقفات سائلا ذي الطول والإنعام أن يرفع بها الدرجات وأن يحط بها السيئات :

 

الوقفة الأولى :

لقد خلق الله عباده على الفطرةِ السويةِ السليمة، وبعثَ الرسلَ لتقريرها وتكميلها، والناشئةِ في بكورِ حياتِها ديوانٌ مفتوحٌ وسِجِلٌ ناصع، تتلقى ما يردُ عليها من حقٍّ, أو باطل، أرض تُنبتُ أيَّ غرات من صحيحِ العقائدِ وفاسدِها، ومن مكارمِ الأخلاقِ ومساوئِها (كلُ مولودٍ, لولد على الفطرة فأبواه يُهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه).

 

الوقفة الثانية:

عقولُ الشباب هدفٌ لأعداءِ المسلمين الذين تنوَّعت وسائِلُهم ليوقِعوا الشباب في شرَكِهم، وليزُجٌّوا بهم في وحلِ الفتن تارة، ويُلقوا عليهم الشُبُهاتِ تارة أخرى، ليُردُوهم ويوردوهم مستنقعَ الهوى والشهوات ويغرقوهم في الملهياتِ والمحرمات، ولا أنفعَ للشبابِ بإذن الله من التحصٌّنِ إلا بعلم الشريعة ليزيدوا الإيمانَ وينيروا البصيرةَ ويهذبوا النفس، ويرفعوا عن دنيءِ الأفعال.

 

الوقفة الثالثة:

إن من تعظيمِ الشريعة والدينِ تعظيمُ العلماء، فهم خلفُ أنبياءِ الله في دعوتهم، قال - عليه الصلاة والسلام - (وإن العلماءَ ورثةُ الأنبياء) [رواه أحمد] فحقُّ علينا تبجيلهم وتوقيرهم، وعلى هذا سار أسلاف هذا الدين يقول الربيع بنُ سليمان: ما اجترأت أن أشربَ الماءَ والشافعي ينظر إليَّ هيبةً له، فسؤالهم علم ومجالستُهم سعادة ومخالطتُهم تقويمٌ للسلوك وملازمتهم حفظٌ للشباب بإذن الله من الزلل، يقول ميمونُ بنُ مهران : وجدتُ صلاحَ قلبي في مجالسة العلماء وثمرة مجالسةِ العلماء ليست بالتزوُدِ من العلوم والمعارف فحسب، بل بالاقتداءِ بهم في الهدي والسمت وعلوِّ الهمة ونفعَ الآخرين.

 

الوقفة الرابعة:

الإسلامُ الحنيفُ جاء بالتزامِ النورين الكتابِ والسنة، ونهى عن ضدِّهما مما يورثُ القلب الفساد والشبهةُ إذا وردت على القلب ثقُل استئصالها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - \" وإذا تعرض العبد بنفسه إلى البلاء وكله الله إلى نفسه \" اهـ والتقصيرُ في أداء الوجبات والوقوعِ في المحرمات وتشبُثُ الناس بالفضائيات ولهثهم وراء المنكرات بوابةُ فسادٍ, للأخلاقِ ودنَسِ السلوك ومرتعٍ, للأفكار المنحرفة، والقلب إذا أظلم بكثرة المعاصي ثَقُلَ عليه أداء المعروف وسَهُل عليه قبولُ المنكر.

 

الوقفة الخامسة:

الإعلام نافذةٌ واسعة على المجتمع، والشباب بحاجةٍ, إلى نصيبٍ, وافر منه في التوجيه والإرشاد وفي النصح والفتوى، والتعرضُ للدين المتين باللمز أو لأهله بالسخريةِ والغمز يوغر الصدورَ ويؤجج المكامن، والثناء على الناس واحتواءُهم وتوجيهُهم طريقٌ قويم يُسلك حمايةً للشباب، لألاَّ يتلقَّفَهم الأعداء بحلاوة اللسان وحسنِ البيان الوقفة السادسة : القرآن العظيمُ كلام رب العالمين بتلاوته تتنزل السكينة، وبتدبُره يزيدُ الإيمان، نورٌ يُبدِّدُ الظلمات {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} وانتشارُ حلقاتِ القرآنِ الكريم في بيوتِ الله صون للناشئةِ عن الانحراف، حفظَ الله بها الدين، وانتفع بها خلق كثير؟ كم أسدت للناس من معروف؟ وكم أَوصَدت من أبوابِ الشرور؟ وكم وسَّعت من مدارك؟ وكم فتحت من آفاق؟ وتوجيهُ الأباء أبناءهم لحفظِ كتاب الله حفظ لهم من الشرورِ والفتن، وحصنٌ من توغٌّلِ الأفكار المنحرفة إلى عقولهم، والفراغ عاملٌ من عوامل الانحراف الفكري والسلوكي والأخلاقي.

 

الوقفة السابعة:

الملهياتِ الحضاريةِ المحذورة والمحطات الفضائيةِ الممقوتة لها خُفٌ مُظلمٌ في انحرافِ الأفكار وتلويثِ المعتقدات وتسميمِ العقول من المتربصين بالشباب، والأبُ الحاذقُ من يمنعُ دخولَ تلك المحطات والملهياتِ إلى داره قبل أن تذرفَ منه دمعةُ الحزنِ والأسى، وقبل أن يُفجع بخبر فاجع.

 

الوقفة الثامنة:

الفجوةُ بين الوالدِ والولد عاملٌ من عواملِ حجب الابنِ عن إظهارِ مكنونِ صدره لوالده، فيبوحُ بما في سريرته إلى غيرِ والده ممن لا يُحسنُ التربيةَ والتوجيه ولا يحملُ لهم المودةَ والشفقة، وقربُ الأبِ من أبنائه والتبسٌّطُ معهم بالحديثِ ومبادلةُ الرأي من غيرِ إخلال باحترامِ الوالدين سلامةٌ للأبناء وطُمأنينةٌُ للأباء وقاعدةٌ في تأسيسِ برِّ الوالدين.

 

الوقفة التاسعة:

الجليسُ سببٌ في الإصلاحِ أو الإفساد، ورُسُل الله عليهم الصلاةُ والسلام عظموا شأنه، فنبي الله عيسى - عليه الصلاة والسلام - يقولُ {من أنصاري إلى الله} ونبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - اتخذ له صاحبا مُعينا يُعينه على طريقِ الدعوة، يقول - عليه الصلاة والسلام - : (لو كنتُ متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي) وعائشةَ رضي الله - تعالى -عنها تقول : \" لم أعقل إلا وأبوَيَّ يَدينان الدين وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتينا وهو بمكة أولَّ النهار وآخره، والجليسُ الصالحُ يهديك للخير، يذكرك إذا نسيت، ويحُثٌّك إذا غفلت يُظهر وُدَّك إذا حضرت، ويحفظك إذا غبت، ورفيقُ السوءِ يجري خلف ملذاته وأهوائه، وإذا انقضت حاجته منك نبذك، من كلِ شرٍ, يُدنيك، وعن كلِ خير ينأى بك على أمورِ الدنيا لا يُؤمن، وفي الآخرة تندم على مصاحبته {ويوم يعَظٌّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أظلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا} فجالِس الصالحين واشرُف بصحبتهم، وابتعد عن مصاحبةِ من يسؤكَ في دينك ودنياك.

 

الوقفة العاشرة:

الأسرةُ مرتكَزٌ قويمٌ في الإسلام، في ظلها تلتقي النفوسُ على المودة والرحمة والعطف والمحبة، وقد أقسم الله في كتابه بالآباء والأبناء فقال - جل وعلا -:{ووالدٍ, وما ولد} والعنايةُ بهم مسلك الأخيار، وباستقامتهم بهجةُ الأباء والأمهات {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} وأولُ لبِنةٍ, في بناء الأبناء غرسُ مراقبةِ الله - تعالى -في نفوسهم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس وهو غلام : (يا غلام: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك) والأبناء بحاجة ماسة للتربيةِ على المعرفةِ بالعلوم واغتنام الأوقات، يقول - عليه الصلاة والسلام - : (احرص على ما ينفعُك) وعلى الوالدِ أن يسعى لجلبِ ما ينفع أبناءه، وإبعادِ ما يضرهم، واختيارِ الرِفقة الصالحة لهم، وإنّ حُسنَ تنشئتهم مرتبطٌ باستمساك والدَيهم بدينهم وكلَّما استقام الوالدانِ اهتدى بهم الأبناء، وكانوا بمنجاةٍ, من عواملِ الضياع وأسبابِ الضلال.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply