وهذا الغموض يشجع على توليد الكثير من المعاني المرتبطة بها على نحو يعكس التوجهات العقدية والفكرية لمن يقوم بذلك، كما يعكس ما تمت بلورته من مفاهيم تتعلق بالمرونة الذهنية والحيوية في السلوك والعلاقات، وما دام الأمر على هذه الصورة فإن علينا أن نجتهد على نحو متصل في إغناء مدلولات (الإيجابية) من أفق رؤيتنا العامة للحياة، ومن أفق خصوصيتنا الثقافيـة، وهذا ما سأفعله بحول الله وطَـوله في عدد من المقالات.
من الصعب أن تعثر في أي كتاب على تعريف جامـع مانـع ـ كما يقول المناطقة ـ للإيجابية، ولكن يمكن القول: إننا نعني بهذا المصطلح على نحو تقريبي درجة عالية من الفعالية الفكرية والشعورية والنفسية تترتب عليها وضعية حسنة من الطمأنينة والارتياح إلى جانب وضعية جيدة من الالتزام والإنتاجية الممتازةº بالإضافة إلى نجاح جيد في العلاقات الاجتماعية. ومن المهم أن أشير إلى أن الإيجابية لا تعني ما نعنيه حين نتحدث عن التفكير الإيجابي، إنها لا تتطابق معه، لكن بينهما العديد من الأمور المشتركة، ولعلِّي أعرض لهذا في مقالات قادمة بإذن الله - تعالى -.
في كل الأحوال يظل الإطار المرجعي للتنظير في أية قضية من القضايا من الأمور الأساسية التي لا يصح إغفالها أو التهوين من شأنهاº حيث إن كل التعريفات تخضع لنوع من الانتقاء، ولهذا فإن من السهل تحميلها بالمعاني المنحرفة أو غير الملائمة. إن أي شكل من أشكال الفاعلية الفكــرية أو السلـوكية لا يصح أن يكون مصادماً لمبدأ من مبادئ الشريعة الغراء، أو لحكم موضع إجماع، أو لنص قطعيº لأن شيئاً من هذا سينزع غطاء المشروعية عن تلك الفعالية. أما مستوى النشاط ومدى ملاءمته لما هو مطلوب من أجل المعاصرةº فهذا يحدِّده ما تراكم في خبرات البشرية من معايير ومقاييس للأداء الممتاز، ولما هو لائق وغير لائق على صعيد الأعمال. تأسيساً على هذا نقول: إن كل النجاحات وكل أشـكال الفوز التي نحققها في هذه الحياة هي نجاحات مؤقتة وصغيرةº لأن الدنيا كلها صغيرة ومؤقتة.
وحين يتم النجاح بطريقة غير مشروعة، كذاك الذي يتم عن طريق أكل الربا أو عن طريق السرقة أو الرشوة أو الغش..فإن تسميته نجاحاً لا تعدو أن تكون ضرباً من التجوٌّزº فالحقيقة أن ذلك عبارة عن مجموعة أوهام لا تنتهي إلا بالندم والحسرة.
إن ما يفصل بين النجاح واللصوصية هو عبارة عن هامش ضيقº وعلى كل الناجحين أن ينتبهوا كيلا يتجاوزوه، فيصبحوا لصوصاً، وهم يظنون أنفسهم من أهل السبق والفوز.
إذا كان للفضائل أمهات، فإن من أمهات الفضائل التي يحتاجها المسلم المعاصر فضيلتين: فضيلة الاستقامة، وفضيلة الفاعلية. ومن مجموع هاتين الفضيلتين تتكون الشخصية الإيجابية. ومع أن كلمة (الإيجابية) من الكلمات الأكثر تداولاً اليوم إلا أن العديد من دلالالتها لا يزال غامضاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد