ليس هناك من يولد لصًا، فقد فطر الله - سبحانه وتعالى - خلقه على الخير، ليثبّت المربون هذه الفطرة أو يشوهونها.
لذلك فإن الحلم بمجتمع إسلامي خال من اللصوص ليس بمستحيل إذا عرفنا كيف نربى أطفالاً أمناء، وكيف نجعل فطرة \"الأمانة\" سلوكًا متأصلاً في النفس.
وإذا كانت \"الطهارة قيمة إسلامية شاملة تتجاوز المفهوم الجسدي إلى الأخلاقي، فإن المجتمع \"الملوث\" بالسرقة، والنهب، واستحلال ممتلكات الغير هو مجتمع افتقر إلى مربين يغرسون قيمة الأمانة فيمن يربونهم.
وفى حوارنا مع الدكتور عبد الغنى عبود - أستاذ التربية بجامعة عين شمس - نحاول رسم خطة للتربية على الأمانة.
كيف نربى أطفالاً أمناء؟
نستطيع ذلك حين يكون المربى أمينًاº لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والتربية تتم أولاً عن طريق السلوك، والممارسة، والتعامل الحي، فالعلاقة بين الطفل وأمه علاقة ربانية تفوق التواصل بالكلمة والنظرة، إذ بينهما خط ساخن، والأمانة التي نريد أن نبثها في الطفل يجب أن تكون بيئته الصغيرة \"أسرته\" مشبعة بها أولاً.
في أي سن يتعلم الطفل ملكية الغير وكيف؟
يبدأ الطفل في التعلم عمومًا في سن الرابعة أو الخامسةº لأنها مرحلة النمو العقلي والإدراكي، والتعليم عملية غير التربية، فالطفل ينشأ على التملك قبل أن يتعلم التملك، وحين يأخذ ما ليس له علينا أن نكلمه بالحسنىº لأن الطفل عنيد، وإذا كانت الأم عنيفة معه فإنها ستخسره، والطفل في البداية يعتبر أن العالم كله ملكه، والأم والأب أيضًا ملك له، ولذا هو يغار من إخوته، وبعد ذلك يدرك الآخر، ويعرف أن له حقًا في التملك فيبدأ في التنازل عن الفكرة شيئًا فشيئًا.
ما الخطأ التربوي الشائع الذي يحوِّل الطفل إلى لص؟
للتدليل الزائد، أو الحرمان الزائد أثره في دفع الطفل للسرقة، فكلاهما يدمر الطفل، ولكل آفاته، فالإفراط في التدليل لا يجعل لدى الطفل معايير أخلاقية، فهو يرى أن كل شيء مباح، وملك يمينه، ومن حقه أن يفعل ما يشاء، وكيف يشاء، وبهذا يدمر نفسه، ومن حوله، والحرمان يؤدى لذات النتيجة، فهو يسرق، ويدمر الأشياء من أجل إيلام الوالدين اللذين حرماه.
بعض الأمهات يفاجأن بأن أطفالهن يحملون معهم من المدرسة أشياء لا تخصهم فكيف يتصرفن؟
يجب ألا تتهم الأم الطفل بالسرقة، ولا تغضب بل تعامله بالحسنى والإقناع الهادئ، وتسأله هل ترضى أن يأخذ أحد أشياءك، أما إذا غضبت فهي رسالة منها تعلمه أنها سلطة ضابطة، وهي في نظره نبع حنان، فيرفض ما تقول، أما أن تكون ضابطة من خلال الحب والحنان، فهذا الأسلوب يؤتى ثمارهº لأن الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة لا يعرف معنى السرقة ولا يتعمدها.
وإذا اشترى الطفل للأم شيئًا واحتفظ بالباقي لنفسه هل لهذا مدلول سيئ؟
ترك باقي الثمن للطفل سلوك خاطئ، أما أن تعطيه له الأم بعد أن تتسلمه منه، أو تعطيه جزءًا منه كمكافأة لأنه قام بعمل إيجابي، فهذا سلوك جيد، ولكن يجب ألا يتكرر كل مرة حتى لا يربط الطفل كل إنجاز بحافز مادي.
وهل تعريف الطفل بمكان الاحتفاظ بالنقود في المنزل سلوك حكيم يحمى الطفل من السرقة؟
يخطئ المربى حينما يجعل حول كل شيء مفاتيح، فتنمو لدى الطفل رغبة حب الاستطلاع، ويحاول فتح هذه المغاليق، أما أن يترك المال، حيث يضعه الأب، فإن الطفل ينمو لديه إحساس بأنه ملكه، والإنسان دائمًا يحافظ على ما يملك، ولا يتلفه، ولكن يجب أن يتعلم ألا يأخذ شيئًا دون الرجوع والاستئذان من الأب الذي يقوم بالإرشاد والتوجيه وبدور الشرطي الحارس للمال.
استخدام أسلوب المكافأة المادية مع الطفل هل له أثر سلبي في المستقبل؟
لو لم تكن المكافأة أو الثواب والعقاب، لما كان للحياة معنى، وهذا الكلام يشمل الصغير والكبير، واستخدام المكافأة على إنجاز الطفل شيء إيجابي، والعقاب الخفيف حين الخطأ أمر مهم يضبط سلوك الطفل، ولكن دون إسراف.
هل هناك أساليب مناسبة لكل مرحلة عمرية ليتعلم الطفل الأمانة؟
نبدأ مع الطفل بالحنو واللطف، فإذا ما بلغ الخامسة نعامله بالإقناع الهادئ، ونعلمه أن لغيره ملكية يجب أن يحافظ عليها، فإذا ما تقدم العمر أكثر نعلمه عاقبة التعدي على حقوق الغير، وأن هذا اعتداء يرفضه الشرع والعقل والعرف أيضًا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد